إضاءة اجتماعية سياسية على جبل الأكراد

كورد أونلاين |

 برادوست ميتاني

من كتاب “الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ”
تتقارب الحالة السياسية لكرد جبل الأكراد في اللاذقية مع الحالة السياسية لكرد سوريا عموماً سواء من خلال دورهم الوطني الشريف، الذي أدوه في بناء سوريا قديماً وحديثاً وحاضراً، أو عبر دفع فاتورة باهظة طالت أوضاعهم الإنسانية بسبب السياسة العوجاء للأطراف القوموية العنصرية في أنظمة الحكم؛ كونهم كرداً.
كرد الجبل في ظل الاحتلال الفرنسي
عاش كرد الجبل أسوة بكرد سوريا الظروف التاريخية، التي مرت بها سوريا، ففي عهد الاحتلال الفرنسي وبناء سوريا لامركزية تمكنوا من الحصول على ما يشبه الحكم الذاتي، بعد أن فشل الفرنسيون في احتلاله، وذلك بعد مشاركتهم للعلويين في حربهم عليه، وكذلك عندما استطاع سكان الجبل  المؤازرة والانخراط في ثورة جبل الزاوية 1919 ـ 1921م بقيادة الثائر إبراهيم هنانو الكردي الأصل، والتي كان معظم ثوارها من الكرد، وتمكنهم من إلحاق الهزيمة بالفرنسيين في معركة “التلول الحمر” غرب ناحية سلمى التي كان من نتائجها الانتقام الهمجي الفرنسي عندما أحرقوها بالطائرات.
برز من كرد الجبل العديد من الوطنيين منهم “زين العابدين” الذي شارك الزعيم الكردي إبراهيم هنانو في ثورته ضد الفرنسيين وكذلك لنجيب عويد الكردي أيضاً وآخرين.
كرد الجبل في عهد الحكم الوطني
بعد جلاء الفرنسيين من سوريا 1946م ظل كرد الجبل منخرطين في دورهم الاجتماعي والوطني وبرزت منهم شخصيات وطنية أخرى عديدة، كان لها دور كبير في المنطقة منهم على سبيل المثال وليس الحصر الزعيم “نوري حاجي” من عشيرة موشان، كان زعيم منطقة جبال اللاذقية ويمثلهم عند الحكومات، وكان من مؤسسي البرلمان السوري وصار عضواً فيه كما أنه كان “عديل” رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي، كما أنه كان لكرد الجبل نائب في البرلمان باستمرار.
كرد الجبل بعد مجيء حكم حزب البعث
دخل كرد سوريا عامة وكرد الجبل خاصة في تلك الحقبة إلى مرحلة صعبة جداً بسبب سياسة حزب البعث القوموية الإقصائية، التي دفع بسببها الوضع الاجتماعي للكرد ضريبة باهظة في النواحي كلها. فقد عانى جبل الأكراد من الإهمال الشديد وكان معزولا؛ لأنهم ينتمون إلى القومية الكردية، ويفتقر إلى الخدمات من مؤسسات الدولة، لدرجة أن عمل الأهالي بجهودهم ونفقتهم على شق طريق للسيارات فيه تطوعا، وكذلك لم تصل الكهرباء إلى أغلبية قراه إلا متأخراً في الثمانينات، في حين بقيت خدمات توفير المياه والصرف الصحي والاتصالات ممنوعة عنه حتى مطلع الألفية الجديدة، باستثناء ناحيتيْ سلمى وكنسبا اللتين كان وضعهما أفضل نسبيا من غيرهما.
بسبب الظروف المعيشية الصعبة انتقل بعض الكرد إلى مدينة اللاذقية خاصة في الشتاء للعمل وتأمين لقمة العيش، وليعود بعضهم إلى الجبل في فصل الصيف.
وضع جبل الأكراد أثناء الانتفاضة الكردية
استمرت السياسات  العنصرية للنظام في مضايقة الكرد، وقهرهم بسبب هويتهم القومية، فكانت الانتفاضة الكردية في 12 آذار عام  2004م التي انتقلت شرارتها من قامشلو إلى معظم  مناطق سوريا نتيجة هذه السياسة، وبدلاً من العلاج كان رد فعل النظام هو أنه لم تكن ملاحقات واعتقالات في المناطق الكردية في روج آفا من سوريا شمالا ًفحسب، بل شملت أيضا كرد جبل الأكراد، الذين تعاطفوا معها بعد أن سمعوا بها من أخبار الرياضة، حيث كان هناك تعتيم إعلامي شديد من النظام، ولم يعلموا بوجود الانتفاضة بسب محاولة إعلام دمشق على إظهارها مشكلة عادية فقط، كقولها: “حصلت مشاغبات في ملعب الجهاد في قامشلو”، ولكن لا يمكن تغطية الشمس بالغربال إذ علم بها كرد الجبل فتعاطفوا معها، ولكن من كان يتحدث بها فمصيره الملاحقة والاعتقال. بالرغم من ذلك فكان لانتفاضة 12آذار وقع قوي على الحس القومي لأهلنا الكرد في جبل الأكراد.
التغيير الديمغرافي للكرد في الجبل
يقدَّر تعداد السكان الكرد في جبل الأكراد 120 ألف نسمة وأغلبيتهم تعود أصولهم إلى الكرد السُّنَّة يسكنون قرابة 78 قرية كردية.
لقد فقد الكثير من هؤلاء الكرد لغتهم الأم، وذلك نتيجة عوامل عديدة، أولاً: وفي مقدمتها سياسة تعريب الجبل منذ فترة طويلة القائمة على التغيير الديمغرافي والثقافي، إذ تم منع التكلم في الدوائر الرسمية المعربة باللغة الكردية، وكذلك غياب المدارس التي تدرس باللغة الكردية، وفرض تعليمهم باللغة العربية عنوة، وكذلك عدم ذكر أي شيء عن لغة وثقافة تاريخ وحضارة الكرد، ودورها الإنساني.
ثانياً: الثقافة التي تم فرضها سواء من النظام أو من الفكر والطقوس الدينية التي تكون باللغة العربية.
ثالثاً: نتيجة البعد الجغرافي عن أخوتهم الكرد في روج آفا وحلب، حيث صعوبة التواصل معهم اجتماعياً، وسياسياً واقتصادياً من نتائجه أنه لم يوجد انتماء ظاهر لهم في الأحزاب الكردية القومية.
جعلت سياسة التعريب اللغة الكردية شبه منقرضة ولم يعد يرددها إلا ما ندر من كبار السن، حيث أصبحت الأجيال الجديدة تتعايش مع الواقع بثقافة لشخصية غير حقيقية على أنها ذات جنسية عربية سورية بناءً على ما درج في دوائر النفوس الحكومية، ولكن دون النسيان أنهم من أصول كردية.
وضع الجبل الحالي
إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011م  ضد نظام الحكم في سوريا؛ انخرط العديد منهم فيها، لأسباب مختلفة منها اجتماعية أساسها الإهمال والعوز والحرمان من الحقوق الشخصية، وكذلك قومية، حيث شعر البعض منهم في هذا المجال حتى لو لم يكن مؤثراً وملحوظاً بالغبن، وأيضاً دينية بدرجة كبيرة إن لم يكن مذهبياً؛ فشكلوا تنسيقيات وفصائل مسلحة وانضموا إلى مجموعات ما تسمى بالمعارضة المسلحة، وشهدت مناطقهم معارك ساخنة مع النظام، وهو ما عرض قراهم للقصف العنيف بالطائرات والبراميل المتفجرة، وكذلك صارت ساحة لمعارك الكر والفر بين مسلحي المعارضة والنظام، فترك غالبية سكان الجبل ديارهم ونزحوا إلى الحدود التركية للإقامة في المخيمات هربا من القصف، أو هاجروا خارج سوريا ودول الجوار أو انتقلوا إلى بعض المدن الآمنة نسبياً في سوريا، ولم يبق منهم سوى عشرين ألفا حسب إحصائية أعدتها شبكة إعلام الساحل العاملة في المنطقة، أن لم نقل أصبحت الديار فارغة وهو الآن  تحت سيطرة النظام، وأن السبب في ذلك ليس النظام وحده بل تركيا أيضاً وباتفاقاتها مع روسيا.
الحس القومي الكردي لكرد الجبل
رغم ممارسة سياسة التعريب الطويلة الأمد تلك بين الأهالي في جبل الأكراد لم ينسوا أنهم كرد، ومن أصول كردية ولم يكفّوا عن الافتخار والاعتزاز بأصولهم وميّزاتهم ولا سيما تمسّك الكرديّ بإخلاصه، ووفائه بوعوده واشتهاره بالكرم ورباطة الجأش في المواقف الصعبة والتشابه بينهم وبين كرد حلب والجزيرة قوي خاصة في الملامح والدم وفي استعمال الأسماء واللباس، ومازالت العديد من الكلمات الكردية دارجة في لغتهم المحكية كالساكو والدو، وكذلك لكنة أسمائهم في التصغير المحبب وإضافة حرف الواو على آخرها بالإضافة إلى أسماء العشائر، وأصلها ومعناها وأيضاً استخدام القرويين لشال وشابك أي السروال الفضفاض وقميصه.
بالرغم من سياسة الظلم والمنع في وجه كردية أهلنا في الجبل ظل الشوق الكردي في نفوسهم مشتعلاً، حيث كان يظهر ذلك الشعور عند قدوم الكرد من حلب وعفرين إلى الجبل، وهم يحتفلون بعيد نوروز.
مؤخراً بإحياء الصحوة القومية الحالية في عموم كردستان وخارجها عامة، وثورة روج آفا خاصة وما آل إليه وضع الكرد من حرية وانتصارات وحدات حماية المرأة، ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية في وجه الظلام فقد انتعش الشعور القومي الكردي، وتحطم جدار الخوف، فكان نتيجتها أن أعلن قسم كبير من كرد الجبل في الإعلام وعلى أرض الواقع جهراً عن كرديتهم، كما عاد البعض منهم إلى تعلم لغتهم الكردية وثقافته القومية ومن ثم الفكر السياسي، الذي يعبر عن حقوقه القومية في بناء سوريا الديمقراطية.
العلاقة بين الكرد والقوميات الأخرى في الجبل
إلى جانب الكرد هناك في الجبل قوميات وطوائف ومذاهب متعددة، مسيحية وأرمنية، وعلوية ومرشدية العلوية وغيرها، جميعها تتعايش مع بعضها في علاقات اقتصادية واجتماعية قوية كالصداقة والمصاهرة، والعمل وغيرها وإلى أبعد من ذلك، فإن للكرد في جبل الأكراد صلات مع سكان جبل اللاذقية، وجبل التركمان، وفي تآلف ونسيج متماسك ورح تشاركية قل نظيرها.
المراجع:
ـ جبل الأكراد بسوريا. من الإهمال إلى التدمير-موقع الجزيرة-30-11-2015م
– “تاريخ وجود الكرد في جبل الأكراد باللاذقية”. أرشيف أورينت تي في. 22 تشرين الأول. 2020.
ـ لقاءات وحوارات مع سكان محليين من كرد موشان في جبل الأكراد.
ـ فيديو عن جبل الأكراد ـ وكالة صدى الواقع السوري-22فيراير 2021م.

​المصدر: صحيفة روناهي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية