السبت 19 تموز 2025

الأدب الكردي في روچ آفا.. برسم الترجمة والمسابقات الثقافية..

عبد الوهاب پيراني

يمثل الادب الكردي سجلاً حياً لمقاومة ثقافية امتدت عبر قرون، بدءاً من رواد الكلاسيك مثل ملا أحمد جزيري ونالي الذين حافظوا على الهوية الكردية، مروراً بجيل الحداثة ممثلاً بعبدالله كوران وجكرخوين الذي حول المعاناة إلى إبداع. وفي سياق التحول السوري، برزت روجافا كحقل خصب لنهضة ثقافية شملت انطلاق تعليم باللغة الكردية وازدهار حركة النشر، حيث لعبت المهرجانات والمسابقات الثقافية دوراً محورياً في تعزيز هذه النهضة، فمهرجانات مثل مهرجان الثقافة بحديقة القراءة ومهرجان القصة الكردية القصيرة ومسابقة النص المسرحي ومسابقات أدب وفن المرأة ومسابقة الشعر الكردي الخاصة بفئة الشباب ومشاريع كاتب المستقبل الموجهة للطفل، كل ذلك أصبحت قلاعاً ثقافية وحصوناً لبناء ثقافة أصيلة وبنية فكرية للصمود، بما تجسده هكذا فعاليات من إيجابيات في إحياء الذاكرة الجمعية وتقوية الانتماء عبر نصوص أدبية تعبر عن جراح المجتمع وآماله، مع إتاحة الفرصة للأصوات الشابة كي تبرز وتأخذ فرصتها في التعرف على المحيط الثقافي والانطلاق نحو الابداع .

المهرجانات لم تكن مجرد فعاليات احتفالية، ضمن مناطق روج آفا، بل حوّلت الاغتراب إلى جسور توصل التراث للأجيال الجديدة في المهجر، كما في تجربة مهرجان إيسن الذي جمع شعراء من عفرين والجزيرة وغيرهما من مناطق كردستان، وبالتالي فتحت آفاقاً إقليمية ودولية أمام الثقافة والأدب الكرديين في العالم.

أما على صعيد الحوار الثقافي، فمهرجان الرقة الأدبي قدم نموذجاً للتعددية عبر جمع كتاب كرد وعرب وسريان في فضاء إبداعي واحد، مع إلقاء قصائد متعددة اللغات ومحاضرات تبرز تاريخ الأدب الكردي. وتبرز قوة هذه الفعاليات في تمكين المواهب الجديدة التي ظلت مهمشة لعقود، حيث أن دمج الشباب يضمن استمرارية الأدب وتجديده، وهو ما تعززه معارض الكتب المصاحبة التي تتيح نشر إبداعاتهم. كما تقدم الورش الإبداعية بديلاً عملياً للمسابقات التقليدية دون هيمنة المؤسسات الثقافية البطريركية التي تكرس النخب التقليدية، إنما أغلب المسابقات تقوم على الشفافية وحرية التعبير والكتابة.

لكن ما يؤخذ على الحالة الثقافية هو التشتت والانقسام رغم بناء المظلة الثقافية قبل أشهر والتي جمعت بين جهود خمسة اتحادات ثقافية أدبية، لكن هذا التقارب مازال بحاجة إلى آليات عمل حقيقية تنطلق نحو الجمع الثقافي لا التقسيم الثقافي، والتي ينبغي لها الالتفات إلى صناعة الورش الثقافية وخاصة فيما يخص الشباب وتدريبهم على مهارات الكتابة الإبداعية ومنحهم فرصة التعرف على أهم الأساليب المتبعة في الكتابة، ومنحها فرص المشاركة في المسابقات أو المهرجان، وبالتالي ينبغي ربط الجوائز بمشاريع تنموية ملموسة كطباعة الدواوين، والترويج لها ، وإجراء قراءات أدبية ونقدية من خلال جلسات القراءة والتقييم، وخاصة بما تملكه المهرجانات والمسابقات من روح وطنية مثابرة، وبالتالي لا يمكن إغفال دور اللغة الأم ولا يمكن إغفال دور المهرجانات في حماية اللغة، حيث تقدم تجارب مختلفة ومتنوعة والتي تزاوج بين الشعر الكردي والموسيقى، ما يعزز انتشار اللغة بين الأجيال، إلى جانب تشجيع حركة الترجمة عبر معارض الكتب التي تكسر العزلة التاريخية للأدب الكردي، ورغم هذه الإيجابيات، تواجه النهضة الثقافية والفكرية تحديات منها التهميش المستمر لموضوع الترجمة بين لغات مكونات المنطقة من جهة، وضعف الترجمة المتبادلة بين اللغة الكردية وغيرها من لغات عربية أو تركية أو فارسية، وتحرير الاتحادات الثقافية وهيمنة المؤسسات التقليدية والانقسامات الحزبية التي تعيق تطور المشروع الثقافي  لتحقيق نقلة نوعية، والتي تتطلب خطة إصلاح التعليم بمراجعة مناهجه بدعم تربويين مختصين، وإنشاء مراكز ترجمة تعزز التبادل الثقافي مع العربية والتركية والفارسية، وإعادة هيكلة المسابقات الثقافية لخدمة الأصوات الجديدة، وتأسيس هيئة تنسيقية توحد الجهود بعيداً عن الانقسامات، والتركيز على مهرجانات ومسابقات فوق الأطر الاتحادية، لتكون على مستوى روج آفا ومن مركز واحد وبحجم تمويل أعلى لتكون قادرة على كسب لقب مهرجان.

وبالتالي أن تجربة روجآفا تبقى نافذة أمل، فجيلها الشاب الذي يتعلم بلغته لأول مرة بعد 2011 يشكل قاعدة قراء جدد، ويبني حركة أدبية واعدة، فالأدب الكردي ليس تراثاً فحسب، بل مرآة لحياة شعب صامد ومشروع مستقبل يكتبه جيل حمل القلم بعد القهر، والمهرجانات حين تتحرر من سطوة السياسة تصير جسوراً للتواصل الإقليمي وحاضنة للإبداع.