الجزء الثامن.. بارزان في المصادر اليهودية والبريطانية والفرنسية

كورد أونلاين |

ب. د. فرست مرعي

1- في سنة 1912م كتب الشيخ عبد السلام بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد السلام البارزاني أول برنامج للحركة الوطنية الكردية المعاصرة، وبهذا الصدد يقول الصحفي الفرنسي المعروف كريس كوتشيرا (1938 – 2017م) في آخر كتاب له، صدر عام ١٩٩٧م، عن شيخ بارزان الرابع (عبد السلام الثاني): “انه ذلك الرجل الذي كتب أول برنامج للحركة الوطنية الكردية، وفيها يقدم قائمة في غاية الدقة بالمطاليب الكردية وهي تبني اللغة الكردية كلغة رسمية في الاقضية الكردية الخمس، تبني اللغة الكردية في التدريس؛ تعيين الموظفين الذين يتكلمون اللغة الكردية، تعيين القضاة من المذهب الشافعي في حين كان العثمانيون يختارون القضاة من المذهب الحنفي، الغاء جميع الضرائب التي تخالف الشريعة واستثمار ما ينجم من جمع الضرائب في شق وصيانة الطرق في المناطق الكردية. ويعتري المرء الذهول امام دقة البرنامج المصاغ في برقية بعثها عام 1912م الى الحكومة والبرلمان العثماني. والشيخ عبد السلام هو أول من أدخل بارزان ميدان الصراع من أجل الحقوق الكردية مطالباً الامبراطورية العثمانية بإجراء الاصلاحات وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولم يكن تاريخ بارزان فيما بعد غير امتداد لما بدأه الشيخ الشهيد. وهو ايضاً الشخصية التي استوعبت الوزن السياسي الدولي للقوى العظمى آنذاك في بلورة القضية الكردية، وسعى الى الإتصال وإقناع الدولتين العظميتين (روسيا وبريطانيا) الى التدخل لصالح الكرد، كما إنه أول من سافر لكي يلتقي بالقيادة الروسية العسكرية في تفليسي لاقناعهم بمساعدة إنتفاضة كردية سنة1913م، وقبلها حاول عن طريق الالكاهن والمبشر الاسكتلندي (ويكرام) الاتصال بملك بريطانيا عام1905م.

2- في صيف عام1917م اجتاحت القوات الروسية القيصرية منطقة بارزان قادمةً من منطقة برادوست؛ مما أضطر الكثيرون من أهالي القرى الى النزوح الى الجهة الغربية من نهر الزاب، والتجأ آخرون في متاهات الجبال، وظن آخرون أن مجىء القوات الروسية أمر متفق عليه بين شيخ بارزان الراحل (= عبدالسلام الثاني البارزاني) والقيادة الروسية في تفليس سنة1913م أثناء لقاء الشيخ مع الغراندوق ولي عهد روسيا القيصرية “نيقولا الثاني”(1894 – 1917م) في مدينة تفليس (تبليس)عاصمة جمهورية جورجيا الحالية؛ لذا بقي قسم من سكان قرى الشيروانيين في منازلهم دون خوف، وعند قدوم الجيش الروسي، هيأ بعض القرويين الطعام لهم وحملوه ترحيباً بقدومهم، لكنهم فوجئوا عند الاقتراب منهم، باطلاقهم النار على المرحبين وأردوا عدداً منهم قتلى، وقد بلغت بربرية هذه القوات حد قتل الاطفال والنساء والشيوخ طعناً بالحراب، بقي الجيش الروسي في منطقة بارزان ما يقارب الشهر، وقد شمل القتل كل من: (ملا محمد بيراني) الذي حمل كيس لبن لتقديمه للجنود، و (خال آلى أحمد) من قرية بردري، وقتلوا فتاة صغيرة إسمها (خه م) بين قرية بردري وخيرزوكا، كما قتل الجنود الروس(حسكو زراري) و(مل بيداروني) في قرية (صاركي) وامرأة اسمها (عيش زراري) و(تانجو) من اهالي قرية كاني بوت، وطعنوا الطفل (خزالي) من قرية كاني بوت أيضاً، وتركوه وهم يظنون انه فارق الحياة، لكن الصبي استيقظ وعاد إلى القرية وعولج فيما بعد، وكان لا يزال حياً يرزق حتى عام ۱۹۷۹م. لقد ولد هذا خوفاً كبيراً لدى العزل من سكان قرى كردستان الذين ابتلوا بهذه القوات التي لا تميز بين سكان القرى المساكين والجنود الترك (= العثمانيين)، اذ أمسى أهالي هذه القرى ضحايا لسياسات دول وامبراطوريات متحارية ليست لهم بها أية صلة، فيما كانت المعارك والمجابهات وتدفق الجيوش يجرى على أرض كردستان.

3- في الاول من/ سبتمبر شهر ايلول سنة1927م وقع حادث مؤسف أثر كثيراً على هيبة الحكومة الملكية العراقية في نظر البارزانيين، حيث قتل أحد الاشخاص المثيرين للجدل من قبل محمد صديق شقيق الشيخ أحمد البارزاني في قرية بارزان، ولكن الشرطة نظراً لصعوبة وتعقيد الموقف لم تستطع اتخاذ أي اجراء. وفي 11/9/1927م زار المفتش البريطاني في الموصل (جاردن) قصبة بارزان، وتم فيه الفصل في مسألة قتل الشخص المذكور آنفاً مع الشيخ أحمد البارزاني استناداً الى قانون الفصل في الدعاوي العشائرية، حيث تم دفع غرامة 2000 روبية (= هندية) كدية. ينظر: الكرد في الوثائق البريطانية، ترجمة: عثمان علي، أربيل، موكرياني للبحوث والنشر، ص276.

4- في 28/8/1928م في تقرير مرسل من المفتش الاداري البريطاني في الموصل حول متصرفية أربيل جاء فيه:” بأن أهالي معظم قرى برادوست بدأوا بلبس الغطاء الاحمر للرأس الخاص باتباع الشيخ أحمد البارزاني الذين يعرفون بالديوانه. ينظر: الكرد في الوثائق البريطانية، المرجع السابق، ص281.

5- في سنة 1932م اندلع القتال بين البارزانيين والجيش العراقي (= في اشارة الى ثورة بارزان الاولى بقيادة (الشيخ احمد البارزاني) وهاجرت الاسر اليهودية السبع المقيمة في ميركه سور الى رواندوز بسبب الاوضاع المتدهورة، ومع ذلك فبعد ستة أشهر طلب والد موشي بنيامين من قائمقام رواندوز أن يسمح له بالعودة الى منطقة ميركه سور التي كانت تابعة آنذاك لقضاء رواندوز قبل أن يتم تسميتها قضاءً مستقلاً، ولم يكن القائممقام مستعداً للموافقة، ولكن إصرار والد موشي (بنيامين) سمح له بالهجرة الى قرية هافدى(= هاوديان) وفق تسمية اليهود. ويضيف المصدر: “لقد عشنا معهم (البارزانيين، وكنا نذهب الى قراهم، بل ويمكننا أن نقضي الليلة في منازلهم، وكانوا يقدمون لنا: الزيت، الاغنام، الماعز، والارز… كل شيء، بل كانوا يجلبون كل ذلك الى منازلنا). وبعد سبع سنوات (=1939م) قتلوا خالي (شقيق والدتي). وبعد مقتله، لم تعد لدينا هنا حياة مطلقاً، وكان يجب علينا أن نهاجر من ذلك المكان. وكان الآغا أو الملا سواره رئيسنا القبلي… ولكنه لم يرفع يداً لحمايتنا، لأن رجال القبيلة الذين قتلوا خالي كانت لهم اليد الطولى”، ومرة أخرى أثبت الآغا القبلي الذي يتبع له اليهود، أنه غير قادر على حمايتهم من الاعداء القبليين، ولذلك هاجروا الى ديانا. ويبدو أن الشيخ احمد البارزاني وأخوه الملا مصطفى البارزاني كانا منفيين آنذاك في وسط العراق وتحديداً في مدينة الحلة بعد انتكاسة ثورة بارزان الاولى عام 1932م، ولذلك لم يستطيعا الدفاع عن يهود المنطقة كما فعلوا في المرات السابقة.

6- إن العلاقات التي تربط الأغوات البارزانيين وعلى وجه الخصوص الشيخ احمد والملا مصطفى البارزاني، بيهود الريف الذين يعيشون في القرى التي تحت سيطرة البارزانيين. وبهذا الصدد تتحدث اسرة (موشي بنيامين) التي عاشت في قرية (سركاني) وقصبة (ميرگه سور)، تتحدث عن معاملة رؤساء القبائل الايجابية لهم وعلى وجه الخصوص معاملة “الملا مصطفى”. مُردخاي زاكن، يهود كردستان، ص160.

7- في أواسط عقد الثلاثينات من القرن العشرين وعندما كان الشيخ أحمد البارزاني منفياً في مدينة الموصل بعد اخفاق ثورة بارزان الاولى (1931 – 1932م) التقى مؤرخ الموصل “سعيد الديوه جي” (1912 – 2000م) بجناب الشيخ، ولم يستطع مؤرخ الموصل الحصول على المعلومات منه؛ نظراً لأن الشيخ أحمد البارزاني المحافظ والمتشكك من الغرباء لم يتح له أية فرصة من باب الحذر للتعرف على آرائه.

8- في 12/2/1944م رجع الشيخ أحمد البارزاني من منفاه في مدينة السليمانية الى مسقط رأسه في قصبة بارزان، حيث تعزز من جديد مركز بارزان الاجتماعي والديني والوطني.

9- في سنة1945م وأثناء حوادث ثورة بارزان الثانية 1943 – 1945م بقيادة الملا مصطفى البارزاني قصفت الطائرات العراقية الكُنّيس العائد ليهود بارزان وتم تدميره، واستشهد من جراء ذلك احد البارزانيين، التقيت شخصياً بحفيده عند الشيخ صباح بن الشيخ سليمان البارزاني في داره في بارزان قبل عدة سنوات.

10- في سنة 1945 – 1946م كان “ميخائيل ميخائيلي” خياطاً يهودياً من يهود كردستان العراق، انتقل الى [مدينة] (شنو) في شرق كردستان بحثاً عن عمل، حيث اقام هناك خلال السنوات (١٩٤٥-١٩٤٦م) عندما كانت (شنو) في حالة حرب. وخلال تلك الفترة أقام “الملا مصطفى البارزاني”، مع وحداته المسلحة في (شنو) “شكل مصطفى بارزاني مع جنوده من كردستان العراق العمود الفقري لقوات الجمهورية”، وأصبح (ميخائيل ميخائيلي)، خياطه الخاص. والتقى بالملا عشرات المرات، فقد كان يجب ان يأخذ المقاسات قبل ان يقوم بالخياطة. وكان يعتبره رجلاً عظيماً.. ويصف ميخائيل في روايته التالية كيف اعتاد لقاءه وكيف توطدت علاقة متينة متبادلة بين البارزاني والجالية اليهودية في (شنو). لم يقرا “ميخائيل ميخائيلي”، مطلقاً اي كتاب عن الحركة الوطنية الكردية ولكنه أصبح شاهداً على واحد من أهم فصولها، حيث كان يساعد البارزانيين ويعي تماماً أهمية تلك المرحلة في التاريخ الكردي. فقد جاء البارزاني برفقة ثلاثة آلاف رجل في نهايات الحرب العالمية الثانية. ومنح السوفيت رجال البارزاني السيطرة على: [مدن]: (شنو)، (نقده)، (سابلا- مهاباد). وبعد سنة من ذلك التاريخ. تم تعيينه رئيس الاركان) في جمهورية مهاباد الكردية. ولكن عندما انسحب السوفيت من المنطقة مع نهايات (١٩٤٦)، “وتحديدًا في 15 ديسمبر/ كانون الاول عام 1946م، دخلت القوات الإيرانية مهاباد وبمجرد وصولهم إلى هناك، أغلقوا المطبعة الكردية وحظروا تدريس اللغة الكردية وأحرقوا جميع الكتب الكردية بما فيها المدرسية. وفي 31 مارس/ آذار عام 1947م، شُنق قاضي محمد[رئيس الجمهورية] في مهاباد بتهمة الخيانة”، انقسمت الجمهورية واندلعت حرب بين الفرس والكرد. وقتل بعض رجال البارزاني وجرح آخرون. ومن ثم انسحبوا وتجمعوا في (شنو)، آخذين معهم (مائة وثمانين سجين حرب فارسي)، يقول ميخائيل خلال كل تلك الفترة، “كنت اقوم بخياطة سراويل الملا مصطفى واخوته.. (بابو محمد، صادق- محمد صديق، الشيخ احمد)، الذي كان البارزانيون يوقرونه ويقدسونه كما النبي محمد”. ينظر: مُردخاي زاكن، يهود كردستان، ص160 – 161.

المصدر: كردستان 24

شارك هذه المقالة على المنصات التالية