حقوق الإنسان

النهار: مخاوف حقوقيّة من تسليم العراق محتجزين سوريّين إلى النظام

رستم محمود

لا يزال مصير عشرات السوريين المتحدرين من شمال شرقي سوريا المعتقلين لدى السلطات العراقية في العاصمة بغداد مجهولاً، وتتخوف المؤسسات الحقوقية من إمكان تسليمهم إلى أجهزة النظام السوري، كما حدث مع ثلاثة معتقلين سُلموا قبيل الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للعاصمة السورية دمشق.

70 معتقلاً… ومناشدات لإطلاقهم

المعلومات التي حصل عليها “النهار العربي” تفيد بأن مجموع المعتقلين المعلنين حتى الآن يتجاوز 70 شخصاً، وأنهم جميعاً احتُجزوا لأسباب تتعلق بنوعية الإقامات التي في حوزتهم، والصادرة عن مؤسسات إقليم كردستان وأجهزته، وهي غير سارية المفعول في بقية مناطق العراق، الأمر الذي لم يكن الموقوفون يعرفونه حينما تنقلوا براً من إقليم كردستان إلى بقية مناطق العراق، وعلى دفعات، خصوصاً أن العديد من تلك الإقامات كانت لا تزال سارية المفعول.

العائلات الكردية السورية ناشدت السلطات العراقية، عبر مؤسسات حقوقية، عدم تسليمها إلى السلطات الحكومية السورية، لأن العديد من أفرادها قد يواجهون تُهماً وأشكالاً من المضايقات الأمنية وأشكال التعسف والتنكيل، كما حدث مع بعض المعتقلين الذين سلّمتهم الأجهزة العراقية إلى سوريا.

وزارة الداخلية العراقية ذكرت أن المعتقلين الجنائيين السوريين، بمن فيهم هؤلاء المُعتقلون، يُخيرون بين التسفير إلى الجانب السوري، أو العودة إلى إقليم كردستان ومواجهة الإجراءات القانونية لمخالفتهم شروط الإقامة الصادرة من سلطات الإقليم. لكنّ المحتجزين السوريين المتحدرين من شمال شرقي سوريا نفوا تلك المعلومات، مذكّرين بالأشخاص الثلاثة الذين سلّمتهم قبل أيام، والذين طالبوا عشرات المرات بتسليمهم إلى سلطات إقليم كردستان، وهو ما لم يحدث.

الناشطة الحقوقية نركز عثمان شرحت في حديث إلى “النهار العربي” أسباب تخوف هذه العائلات من إمكان تسليمها للسلطات الحكومية السورية بقولها: “عملياً، لا تعترف السلطات العراقية بمؤسسات الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، البيروقراطية والأمنية والاقتصادية على حد سواء، وذلك استجابة للعلاقة الاستراتيجية الواضحة التي تجمعها بالنظام السوري. لذلك فإنها تحتكر تعاملها مع أجهزة النظام السوري فحسب. لا تعترف السلطات العراقية إلا بالأوراق الصادرة عن الجهات الحكومية السورية، ولا تقبل أي نوع من التعاطي مع أي جهة أو مؤسسة بديلة في منطقة شمال شرقي سوريا، حتى لو كان في الأمر مخاطر أو مسّ بحقوق الإنسان، فهي تعتبر ذلك من خارج اختصاصها. فهي في المحصلة تستخدم هذه الورقة كنوع من المساهمة في الضغط على سلطات شمال سوريا، ولمصلحة النظام السوري”.

أسباب متفاوتة

“النهار العربي” تواصل مع جهات رفيعة المستوى في وزارة الداخلية العراقية التي شرحت أن المعتقلين السورين لديها، بمن في ذلك المتحدرون من شمال شرقي سوريا، يُصنفون إلى مستويات، غالبية واضحة منهم معتقلون لأسباب تتعلق بانتهاء مفعول إقاماتهم الرسمية، سواء العُمال الذين لم تعد ظروفهم الاقتصادية تساعدهم على تجديد إقاماتهم أو فقدوا أعمالهم، أو النساء اللواتي تعرضن لظروف اجتماعية خاصة بعد قدومهن إلى العراق أو تزوجن من رجال عراقيين ثم حدثت حالات الطلاق.

المصدر العراقي أضاف أن العديد من السوريين يتجاوزون الحدود بغية الوصول إلى العراق، ومنه إلى دول أخرى، خصوصاً عبر محافظة نينوى العراقية. أما القسم الأخير فهم من السوريين الذين رُحلوا من بلدان أخرى إلى العراق، بسبب انقطاع وسائط النقل الجوي بينها وبين سوريا.

تدقيق لا تمييز

ونفى المصدر العراقي أي اتهامات بالتمييز على أساس قومي أو مناطقي، مضيفاً أن المسألة بالنسبة إلى السلطات العراقية تتعلق بالتدقيق والضبط، والسجلات كلها موجودة في حوزة السلطات الحكومية السورية فحسب، كذلك لأن مختلف الأنظمة العالمية الخاصة بالنقل والسفر والعبور تعترف فقط بالأوراق الرسمية الصادرة عن السلطات الحكومية السورية فحسب.

نائب محافظ محافظة نينوى حسن العلاف شرح في حديث إلى “النهار العربي” الإجراءات التي تتخذها السلطات المحلية في محافظته بشأن السوريين المتجاوزين الحدود من سوريا إلى داخل الأراضي العراقية، أو الداخلين من إقليم كردستان إلى الحدود الإدارية لمحافظة نينوى بقوله: “بالنسبة إلى متجاوزي الحدود السوريين، يتم تسليمهم إلى السلطات المركزية في العاصمة بغداد مباشرة، التي تعرضهم على محكمة عراقية اختصاصية، وبعد إتمامهم مُدة المحكومية الخاصة بهم، يُسلمون إلى السلطات الحكومية السورية، وفي حال وجود مخاطر أمنية أو مخاوف بشأن مصير المعتقلين هؤلاء في حال تسليمهم إلى السلطات السورية، فإن العراق ملتزم مجموعة من المذكرات والاتفاقيات الدولية، ولا يمكن لأي سلطة عراقية تجاوزها. أما بالنسبة إلى السوريين الذين يعبرون من إقليم كردستان إلى داخل حدود محافظة نينوى، أو أي محافظة عراقية أخرى من غير إقليم كردستان، فإنه يتم إعادتهم إلى الإقليم فحسب”.

كذلك تواصل “النهار العربي” مع عائلة اثنين من المعتقلين الحاليين لدى السلطات العراقية، فأبدت مخاوفها من تعرض ولديها للتنكيل من السلطات السورية في حال تسليمهما، خصوصاً أن الكثير من الأجهزة الأمنية السورية تستخدم المعتقلين أداة “ابتزاز” ضد عائلاتهم، للحصول على أرباح مالية، أو استخدامهم أوراق ضغط على الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، وهو ما حدث مع معتقلين سابقين تم تسليمهم.

المصدر: النهار العربي