بيار روباري: خروج حزب العمال الكردستاني من شنكال من عدمه

هل حُلت جميع مشاكل وأزمات إقليم جنوب كردستان، السياسية، الإقتصادية، الأمنية والإجتماعية، وتوقف الأمر فقط على وجود بعض من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في منطقة شنكال المكلوبة؟ إن إفتعال أزمة من هذا النوع، وتصعيد التوتر من قبل حزب البرزاني مع حزب العمال الكردستاني، هدفها التهرب من مواجهة أزمات الإقليم، وعلى رأسها أزمة الحكم، والأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة، التي يعاني إقليم جنوب كردستان، وسكانه بإختلاف مشاربهم السياسية والحزبية.

إن هذا التصعيد المفاجئ والمستفز من قبل حزب البرزاني، وتهديده بإخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من منطقة شنكال بالقوة، يهدف إلى تحقيق عدة إمور دفعة واحدة وهي:
الأمر الأول: تحويل أنظار المواطنيين عن قضاياهم الرئيسية، وإشغالهم بأمور ثانوية، كي لا يطالبون بحقوقهم الأساسية، كالرواتب، العمل، السكن، الطبابة، والتعليم.
الأمر الثاني: التهرب من إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للإقليم، من الرئيس الحالي المغتصب للسلطة.
الأمر الثالث: الإستمرار في الحكم، كي لا ينفضح أمر سرقاتهم ونهبم لأموال الشعب الكردي.
الأمر الرابع: إرضاء السيد التركي، الذي يحمي عرش البرزاني، مقابل تنفيذ هذا الأخير بالمهمات التي يكلف بها من قبل الدولة التركية. وأهم خدمة يمكن للبرزاني وحزبه تقديمه للباب العالي، هو حماية الحدود التركية، وحماية مصالحها في العراق والإقليم، بكلام أخر محاربة بني جلدهم في شمال كردستان، كما فعلوا قبل ذلك مرات عديدة.
ويخطئ من يظن بأن، صراع البرزاني مع حزب العمال الكردستاني، يكمن في وجود بعض مقاتلي هذا الأخير في منطقة شنكال، وإنما القضية أكبر وأعمق من ذلك بكثير، وسوف أتناول هذه القضية في مقال مفصل في قادم الأيام، إن شاءت الظروف.

هذا بإختصار بالنسبة لحزب البرزاني، الذي يحكم إقليم جنوب كردستان دون وجه حق، وقصته مع وجود حزب العمال الكردستاني الرمزي في شنكال، مهد الديانة الزاردشتيه. ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة، مشاركة البيشمركة في معركة الدفاع عن مدينة كوباني، مع مشاركة الغريلا في الدفاع عن شنكال وإنقاذ حياة الألاف من سكانها، الذين تعرضوا لإبادة جماعية، على يد تنظيم داعش الإرهابي. فماذا عن قصة تركيا ورئيسها المتأله أردوغان، مع تواجد (ب ك ك) الرمزي في شنكال؟

فيما يتعلق بتركيا، فمشكلتها مع الكرد إنها لا ترى فيهم سوى عبيدآ، وجب عليهم خدمة الباب العالي، والتسبيح باسم حاكمها سلطانآ أكان أو رئيسآ، ولهذا يصعب عليهم تقبل الكرد ندآ لهم. وعندما إندلعت الثورة الكردية، فلم تجد أفضل تسمية تطلق على الثوار الكرد، سوى إسم المخربين وقطاع الطرق، وإرهابيين حسب الموضة الدارجة هذه الأيام ويهددون أمن تركيا. هذا البلد المصطنع، وبقايا إمبراطورية شريرة، إستعمرت شعوبآ عديدة، ومن ضمنهم شعبنا الكردي لمئات السنيين، وتسببت في قتلهم، إضطهادهم وتخلفهم عن ركب الحضارة.

إن إقرار الأتراك بوجود الكرد، كشعب له حقوق قومية مشروعة، ويعيش على أرضه
التاريخية، وصاحب حق في أن يقرر مصيره بنفسه، سوف يكشف زيف وكذب الأتراك بأن هذه الأرض لهم، وكما هو معلوم هذا محض كذبٍ وهراء. فأصحاب هذه البلاد معروفين، والمحتلين والغزاة أيضآ معروفين.

إن الذي يهدد الأمن التركي ليس الشعب الكردي، وإنما تلك الطغمة الطورانية الحاكمة في هذا البلد منذ عشرات السنين. وذلك من خلال إتباعها سياسية الإقصاء والإمحاء، بحق الشعب الكردي الأصيل، وشن حرب إجرامية عليه عبر عشرات السنين ودون جدوى. إن الذي يضمن سلامة تركيا، ويعزز من مكانتها في العالم من جميع النواحي، هو تبني النظام الديمقراطي، وهذا أمر غير ممكن من دون الإعتراف الدستوري بوجود الإمة الكردية، وحصولها على كامل حقوقها القومية والسياسية، وقيام الحكومة التركية بتقديم إعتذارآ رسمي للشعب الكردي، عما لحقه من أذى وضيم، بسبب السياسية العنصرية، التي مارستها الحكومات التركية المتعاقبة وعلى عشرات الأعوام بحقه.

إن ما يعيشه تركيا اليوم من إنقسامات مجتمعية، وأزمات سياسية، أمنية، وإقتصادية، سببها سياسة الإقصاء التي يمارسها المتأله اردوغان وحزبه الإخواني، بحق الكرد والأخرين، وليس بسبب وجود بعض أفراد من حزب العمال الكردستاني في شنكال، ولا سعي الكرد الحصول على حقوقهم في غرب كردستان، الذين يدافعون اليوم وببسالة عن وجودهم، في وجه الهجمة الإرهابية التي تستهدفهم وبدعم مباشر من قبل الدولة التركية.

أنا واثق إن خروج عناصر حزب العمال الكردستاني من شنكال، لن ينهي مشاكل تركيا مع الشعب الكردي، ولن يحل مشاكلها الداخلية الكثيرة. فالطريق إلى حل تلك القضايا يمر في قيام نظام ديمقراطي حقيقي، وهذا غير ممكن من دون الإقرار الدستوري بحق الشعب الكردي كثانية قومية في تركيا. هذا لمن يرغب حقيقة في حل المشاكل، وتوحيد البلاد وخدمة العباد. إن صراع تركيا مع الشعب الكردي، يعود لمئات السنيين، وبالتالي قبل ظهور حزب العمال الكردستاني بمئات الأعوام، وليست وليدة اليوم كما يصور البعض عمدآ. وصراع الشعب التركي نفسه مع الإستبداد والأنظمة العسكرية، يعود إلى ما قبل نشوء (ب ك ك) بعشرات السنيين. فإذآ، العلة ليس في الكرد ولا حركته الثورية، التي يمثلها حزب العمال اليوم. وإنما في النظام السياسي التركي الإقصائي والعنصري، الذي حل محل الخلافة العثمانية، والذي وضع أسسه المستبد مصطفى كمال.

واليوم المتأله اردوغان يتبع نفس سياسة أسلافه ممن حكموا تركيا من قبله، وهي سياسة الإنكار للوجود الكردي والحرب الإستصالية، التي مارسوها ضد هذا الشعب. إن ما يحتاج إليه تركيا اليوم، هو الإعتراف الدستوري بالشعب الكردي، ومنحه كافة حقوقه القومية والسياسية، وإجراء مصالحة وطنية، ووضع دستور جديد عصري، يمثل جميع القوميات ويضمن كافة حقوقها. وأي حديث أخر، هو مجرد خداع للنفس، وتهرب من تحمل المسؤولية. وهذه السياسة لا جدوى منها، وأثبتت التجربة فشلها فشلآ ذريعآ. وبرأي تركيا بحاجة إلى قيادة جديدة، قلبها على الناس وهدفها خدمة البلاد والعباد، وقبل كل ذلك تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وحق جميع الشعوب في حياة حرة كريمة.

في الختام، لا بد من القول بأن تركيا لا يمكن لها إتباع سياسة خارجية، عمادها العداء للشعب الكردي، وأن تنجح في حماية أمنها الإقليمي وبناء علاقات قوية مع دول الجوار
لأن القضية الكردية قضية تركية داخلية، قبل أن تكون شأنآ إقليميآ. وهذه السياسة أثبتت فشلها في السابق، وبالتأكيد ستباء بالفشل في هذه المرة أيضآ. وعلى القادة الأتراك أن يدركوا بأن الشعب الكردي كان وسيبقى على هذه الأرض مادام هناك حياة، ولا يمكن القضاء عليه.

15 – 01 – 2017

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version