الأحد 22 حزيران 2025

تركيا تستعدّ لطاولة التفاوض: حان وقت القطاف

محمد نور الدين

تلتقي في الدوحة، اليوم، ثلاثية أستانا على مستوى وزراء خارجية كل من: تركيا، روسيا وإيران، على أن ينضمّ إلى الاجتماع وزير الخارجية القطري. يأتي هذا التحرك بعد أسبوع كامل على بدء الفصائل السورية المسلحة في إدلب، والمدعومة من تركيا، هجوماً واسعاً، أسفر إلى الآن عن احتلال حلب وتل رفعت، وحماة التي أعاد الجيش السوري تموضعه خارجها، وفق ما أعلن في بيان، أمس. كذلك، يأتي الاجتماع في أعقاب تغييرات ميدانية جذرية تصبّ في مصلحة أنقرة التي ستواجه كلّاً من موسكو وطهران، ربّما بصفقة تنص على أن تنخرط الحكومة السورية في عملية المصالحة مع المعارضة، ومع تركيا مباشرة، في مقابل «وقف ما هو أسوأ بالنسبة إلى دمشق»، وفق ما هدّد به الرئيس رجب طيب إردوغان.
ووفقاً لصحيفة «حرييات»، «تنتظر تركيا من اجتماع الدوحة، إضافةً إلى الانخراط في المصالحة، تنظيف سوريا من إرهاب القوات الكردية، كما ستطلب من روسيا وإيران ممارسة ضغوط على الرئيس السوري، بشار الأسد، من أجل الدخول في المصالحة، وإلّا فإن البلاد ستدخل في مرحلة أكثر تعقيداً واضطراباً وخطراً على الجميع». وكان وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، قد سعى إلى طمأنة موسكو وطهران، حين قال إن بلاده «تشدّد على وحدة الأراضي السورية ولا تريد المزيد من أعمال العنف وتدمير المدن»، مشيراً إلى أن أنقرة تواصل التنسيق مع الجمهورية الإسلامية بخصوص الوضع في سوريا، ولا سيما بعد الأنباء التي تحدّثت عن احتمال إرسال طهران قوات عسكرية لدعم الجيش السوري، ما يهدّد بحرب معلنة أو بالوكالة كما هو حاصل الآن بين البلدين. وتذكّر الصحيفة بأن مسار أستانا الذي بدأ عام 2017، عقد حتى الآن 22 اجتماعاً، آخرها قبل أسبوعين من بدء هجوم الفصائل.
وفيما واصل الإعلام الموالي انتشاءه بالنصر الذي حقّقته الفصائل المدعومة تركيّاً، توالت التحذيرات من جانب الأقلام المعارضة في شأن تكرار الأخطاء في سوريا كما كان عليه الوضع سابقاً، والذي تسبّب في مشكلات اقتصادية وأمنية لتركيا، إضافةً إلى المشكلة الكبرى المتمثّلة باللجوء السوري. ورأت الصحف الموالية أن «الفتوحات» الجديدة، من شأنها أن تسرّع من عودة اللاجئين، ولا سيما إلى حلب، مع عرض صور للعديد من السيارات العائدة. وفي هذا الجانب، كان للكاتب إبراهيم قره غول، المقرّب جداً من إردوغان، في صحيفة «يني شفق»، رأي لافت يؤيد استباحة تركيا لسوريا، مقابل مغادرة الولايات المتحدة وإيران لها. ووفقاً للكاتب، فإن الذين كانوا يعتقدون بأن «تركيا ستشهد ضعفاً عند نقطة الصفر على حدودها، كانوا مخطئين ويعانون من عمى سياسي كبير؛ فتركيا هي الأقوى في جوارها الجغرافي المباشر، والعناصر المحلية التي درّبتها في سوريا هي الأقوى، ومع الأسلحة الحديثة التي جاءتهم سيكونون القوّة الوحيدة القادرة على إدارة هذا البلد». وشنّ الكاتب هجوماً لاذعاً على إيران وما سماها «الميليشيات الشيعية» في سوريا، والتي «ارتكبت الموبقات في هذا البلد، وألحقت الضرر بالاستقرار فيه وفي تركيا»، بحسب قوله. وأضاف أن «سقوط حلب أنهى الخريطة الجغرافية الطائفية… والنظام انهار وأضاع فرصة الحلّ بالشراكة مع المعارضة»، معتبراً أن «أمام دمشق فرصة أخيرة: انسوا إيران، وتعالوا لشراكة حقيقية. ولكنهم لن يفعلوا ذلك، وسيفوّتون هذه الفرصة. إن الحلّ يبدأ الآن من نقطة الصفر، وأمام القوات المعارضة ثلاثة مسارات: في اتجاه حماة وحمص ودمشق، وفي اتجاه اللاذقية – طرطوس، وفي اتجاه شرق الفرات. أما روسيا، فلم تنفّذ غارات جوية مؤثّرة، بل هي في طريقها إلى الانسحاب النهائي من سوريا، فيما المعارضة أمام فرصة تاريخية. وعلى تركيا ألا تستجيب لأيّ حلول مجتزأة».

أما المفكر المعارض المعروف، إيمري كونغار، فرأى أن صورة النصر التي يتمّ تعميمها «لن تنقذ تركيا من المأزق السوري». وأشار إلى أن «علامة النصر رُفعت أكثر من مرّة، وقالوا إن الأسد في طور السقوط والصلاة ستجري في الجامع الأموي. لو افترضنا أن الحرب انتهت بالنصر وإسقاط الأسد والصلاة في الجامع الأموي، فهل سيعود ذلك بفوائد على تركيا ويتراجع اللجوء، وتُحلّ المشكلة الكردية والعلاقات مع أميركا وإيران وروسيا ومشكلات الاقتصاد والفساد، وتتراجع كلفة حماية الوضع هناك؟ أم أن الأمور ستقود إلى معضلات أكبر وتورّط أبعد؟». وانتهى كونغار إلى القول إن «الحرب السورية هي خطأ في السياسة الخارجية، بحيث إنه حتى لو وصلت السلطة إلى النصر، فلن تكون له فائدة للبلاد، بل على العكس فإن المشكلات القائمة سوف تزداد».
وفي صحيفة «جمهورييات»، كتب محمد علي غولر عن «فخ حلب»، قائلاً إنه «بعد الحديث عن كركوك كمحافظة رقم 82، والموصل كمحافظة رقم 83، عاد الحديث إلى حلب كمحافظة رقم 83 تابعة لتركيا». وقال غولر إن «دولت باهتشلي (زعيم حزب الحركة القومية) لا يزال يحرّض على المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية، ورأى قبل أيام أن التاريخ يبدأ من جديد والعلم التركي يرفرف على حلب». ويلفت غولر إلى أن «الموالين لحزب العدالة والتنمية لم ينفكّوا عن ارتكاب الجنون والحماقات بتعداد العواصم العربية كمحافظات جديدة: 85 هي محافظة مكة، وبعدها القاهرة وهكذا دواليك. إنهم يحلمون بالعودة 400 عام إلى الوراء ويشيرون إلى الميثاق الملّي». وأضاف: «إنهم يقولون إن الأسد محشور في الزاوية، وسوريا ستتقسّم، والحقوق في حلب عادت، لكنهم يقعون مرّة ثانية في فخّ ما يسمّونه: العمق الاستراتيجي». وتابع: «إن حاقان فيدان نفسه يتحدّث الآن عن عدم قدرة مسار أستانا على إدارة الأزمة. وبالتالي، يلمّح إلى التوجّه نحو النموذج الأميركي. هذا النموذج الذي يقول إن الحلّ هو مع الجولاني والأكراد، وليس مع الأسد. وبدلاً من اتفاقية أنقرة 1921 التي تحمي 911 كيلومتراً من الحدود، ها هي الحدود تسيطر عليها الجماعات الإرهابية. نعم إن هوس «فتح حلب» يدخل البلاد في المسار الخاطئ مرّة أخرى. وستكون تركيا في المسار نفسه التابع لأميركا وإسرائيل والجماعات الإرهابية والأكراد وكل المعارضين للأسد». وتساءل غولر: «أليس هناك من موظفين أمنيين وعسكريين كفوئين يقرأون الخريطة الجديدة بصورة صحيحة؟ ألهذه الدرجة تصحّرت الدولة التركية ولم يَعُد فيها مثل هؤلاء؟ إن الفخ الأميركي الذي يعرض على تركيا نفوذاً في غرب الفرات هو مقابل دولة كردية في شرق الفرات. نهاية طريق حلب هي هذا. وأمام مَن لا يريدون هذا الطريق خياران: مواصلة مسار أستانا مع روسيا وإيران من جهة، وتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة من جهة ثانية».

المصدر: الأخبار اللبنانية