جوان يوسف
خلال العقد الماضي، لم يكن غريبًا أن يتخذ البعض موقفًا معارضًا من الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا فالمعارضة في جوهرها، حقٌ مشروع وضروري في أي تجربة سياسية. لكن اللافت أن بعضهم تحول إلى عدو شرس، مستغلًا كل منبر ممكن لتشويه تجربة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، حتى بلغ الأمر حد اتهامها بالإرهاب، والترويج لأكاذيب وافتراءات فاقعة “كالتهجير والخطف “وجعلوها عنوانًا ثابتًا في كل لقاء مع أي مسؤول أوروبي، حتى ولو كان من الدرجة الخمسين!
هؤلاء، وبالرغم من كل ما ارتكبوه بحق الإدارة الذاتية، اليوم يسرحون ضمن مناطق الإدارة الذاتية، وهو حقهم بلا شك، فالوطن للجميع. غير أن ما لا يمكن قبوله هو استمرارهم في ممارسة الأساليب ذاتها من التشويه والنفاق السياسي والإعلامي. فبعضهم، ممن كان رأس حربة في التحريض والتخوين، خرج علينا عبر وسيلة إعلامية محلية ليقول إن “الأمور تغيرت” وإن الإدارة “أوقفت التجنيد والخطف وتخلت عن الإرهاب “، وأن “الطيور تزقزق تحت مظلة قوانينها وسلوكها الديمقراطي!
هذا الخطاب ليس نقدًا ولا مراجعة، بل تزوير وقح للواقع، وازدواجية سلوكية خطيرة، لا يمكن الوثوق بها. فمن افتَرى سابقًا سيفتري لاحقًا، ومشكلة هؤلاء ليست مع “أخطاء” الإدارة، بل مع وجودها أصلًا.
المفارقة أن الإدارة الذاتية، التي كانت هدفًا لحملات التشويه الممنهجة، استقبلت منذ أيام أحد أبرز هؤلاء السياسيين وبصدر رحب، ومنحته فرصة لقاء معها وعلى مستوى عال!
وهنا لا بد من التوقف عند دلالة هذا الموقف: هل ارادت الإدارة ان توجه صفعة أخلاقية وأدبية وسياسية له؟ أم قالت بوضوح، وإن بصمت، إن السياسة هي فن إدارة الصراع، لا قطع الجسور، وأن النجاح السياسي لا يُقاس بالانتقام، بل بالقدرة على استيعاب المتغيرات وامكانية «تدوير النفايات السياسية”، وتحويل ما كان عائقًا إلى مادة أولية قابلة لإعادة التوظيف ضمن مشروع أشمل، وهذا في حد ذاته دليل على نضج سياسي، لكنه يفضح في الوقت ذاته هشاشة أخلاقية لدى بعض “السياسيين” الذين بدّلوا أقنعتهم ولم يبدّلوا نواياهم.
الأخطر من ذلك، أن بعض الوسائل الإعلامية التي يُفترض أنها محترفة ومسؤولة، تورّطت في تلميع هذه الشخصيات أو تسويقها، إما بدافع الانبهار أو استسهال “الإثارة”، أو بسبب غياب المعايير المهنية، استطافت احداها ذاك السياسي في مقابلة مطولة، ولقبته ب “الباحث والسياسي”، ثم دُعي لاحقًا لإلقاء “محاضرة سياسية في مبناها.
هذه الممارسة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام لأنها تُلحق ضررًا بالغًا بالرأي العام وبالوعي المجتمعي، خاصة في لحظة تاريخية فارقة تعاني فيها المنطقة من تفكك القيم وتراجع الثقة بالمؤسسات.
وليس هذا المثال الوحيد، إذ سبق أن قامت ذات الوسيلة بالترويج لفنان كردي قضى سنوات في السجن بسبب شروعه في قتل زوجته – وهي أم لأطفاله – دون أن تشير إلى خلفية الحكم أو أبعاده القانونية. بل جرى تقديمه واحتفت به كأنما حرر وطنًا، لا أنه كان محكومًا في قضية جنائية خطيرة.
هذا ليس مجرد خطأ مهني، بل إساءة مباشرة للمجتمع ولضحاياه، ويكرّس سرديات مشوهة وخطيرة تشوّش على فهم القيم الأساسية للعدالة.
ما يحصل اليوم هو إنتاج لوعي مشوه في بيئة محطّمة أصلًا بفعل الحرب والحصار والتشظي الاجتماعي. والإعلام، الذي يُفترض أن يكون أداة لرفع الوعي وترسيخ المعايير الأخلاقية والمهنية، يتحول أحيانًا إلى شريك في صناعة الزيف وتزيين الانحطاط، إما عن قصد أو عن جهل.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=70738