الأحد 22 حزيران 2025

سوريا/دمشق: جلسة حوار مركزة حول فرص وتحديات تحقيق نموذج شامل للعدالة الانتقالية في سوريا

أجرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” نهاية نيسان/أبريل، بالتعاون مع مركز “سيسفاير” للحقوق المدنية، وبدعم من الاتحاد الأوربي، جلسة حوارية مركزة في العاصمة السورية دمشق، ناقشت موضوع الفرص والتحديات لتحقيق نموذج شامل للعدالة الانتقالية.

الجلسة التي ضمت 15 مشارك/ة، من الحقوقين والناشطين المدنيين والصحفيين، انقسمت إلى 4 محاور رئيسية، (1) العدالة الانتقالية والسياق السوري: فرص التطبيق والتحديات بعد الإعلان الدستوري، (2) المحور الثاني: المحاسبة وتحقيق العدالة الشاملة لجميع السوريين، (3) كشف الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح المؤسساتي، (4) والتوصيات والمقترحات التي انقسمت إلى توصيات لـ(السلطات السورية الانتقالية، والمجتمع المدني السوري، والآليات الأممية، والمجتمع الدولي)

الإعلان الدستوري والعدالة الانتقالية:

بدأ الحديث في المحور الأول المستشار القانوني في منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” والقاضي السابق، رياض علي، الذي تحدث عن المادة 49 من الإعلان الدستوري ومدى أهمية تطبيقها، مشيراً إلى تجربتي تونس وجنوب إفريقيا في تطبيق العدالة الانتقالية كتجارب ناجحة يحتذى بها، كما تحدث عن موضوع العدالة الجنائية والتمييز في تطبيقها اليوم، متسائلاً “لماذا المطالبة فقط بمحاسبة عناصر النظام البائد، ولم نسمع هناك مطالبات بمحاسبة الفصائل؟” كما انتقد المستشار القانوني الإعلان الدستوري الذي ركز جميع السلطات بيد رئيس السلطة التنفيذية.

وتحدثت الدكتورة ميا الرحبي، المديرة التنفيذية لمنظمة “مساواة” من جانبها عن مفهوم العدالة الانتقالية، الذي يتطلب بداية “تهيئة المجتمعات لمفهوم العدالة الانتقالية القائمة على المحاسبة وجبر الضرر، وليس على الانتقام”، كما شددت الرحبي على المنظور الجندري للعدالة الانتقالية قائلة: “هو أن نتحدث عن احتياجات النساء، فبالنسبة للنساء لم يعانين من عنف سياسي فقط بل من عنف مجتمعي واقتصادي، مورس عليهن، وأخذ أشكالاً مختلفة عن العنف الممارس على الرجال، إضافة إلى أشكال خاصة من العنف، كالتحرش والعنف او الاستغلال الجنسيان”.

في حين توافق الحضور جميعاً، على ماذكره كل من الرحبي وعلي، أضافت الناشطة المدنية حنين أحمد معقبةً، ومضيفةً: “العدالة الانتقالية ليست فقط بحاجة إلى المنظور الجندري والمواطنة، وبحاجة ماسة أيضاً إلى ربط ومقاربة مع مبادئ حقوق الإنسان، دور الدولة حاسم في العدالة الانتقالية، لابد من الحديث عن خطوات عملية بعد الإعلان الدستوري تتمثل بتشكيل هيئة كي تضع قوانين ناظمة”.

المحاسبة وتحقيق العدالة الشاملة للسوريين/ات:

خاض الحضور في هذا الجزء نقاشاً حول، آليات المحاسبة لتحقيق عدالة انتقالية شاملة لكل السوريين/ات، إضافة إلى فجوات توثيق الانتهاكات ودور روابط الضحايا في العدالة الانتقالية، حيث أجمع الحاضرون فيزيائياً وعبر الانترنت أنه كان يوجد نقص كبير في المعلومات حول الانتهاكات وكانت التوثيقات تتم من جهة محدد، وأكثر ما أضعف التوثيق هو خوف الشهود وعدم وجود آليات حماية واضحة لهم،ن، وفي هذا السياق أشارت المحامية والناشطة الحقوقية ديما موسى قائلة: “لا بدّ من رفع الوعي بمسألة أن الجرائم لا تسقط بالتقادم، لذلك لا يجوز أن يكون هناك إطار زمني محدد، ومشكلة عدم التنسيق  في مجال توثيق الانتهاكات، تعتبر من أبرز المشكلات”.

وأكدت موسى وجود مشكلة جوهرية أيضاً تتمثل بالمعايير واختيار طرق التوثيق، إضافة تعدد الأطراف التي ارتكبت الانتهاكات، مضيفة “لا بد من الاعتراف أن التقاضي الدولي تكلفته عالية جداً، وهنا سنضطر للتفكير بالتقاضي مقابل الجدوى.”

وحول وجود روابط الضحايا في مسارات العدالة الانتقالية، ودورها في توثيق الانتهاكات، تحدث السيد محي الدين عيسو، المدير التنفيذي لرابطة “دار” لضحايا التهجير القسري، عن أهمية وجود المنظمات التي تعمل بمجال توثيق حالات التهجير القسري كصوت الناس في ظل وجود 3 ملايين ونصف سوري/ة مهجرين قسراً.

من جانبه، تحدث المحامي مهند شرباتي مدير مشروع توثيق الانتهاكات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير عن المحاسبة على الصعيدين المحلي والدولي، منوهاً إلى المسارات المختلفة للمحاسبة الجنائية، و نوّه شرباتي إلى أهمية عمل روابط الضحايا في السياق السوري والتي دفعت نتيجة عملها إلى إنشاء المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.

وحول فرص وتحديات المحاسبة على الصعيدين الدولي أشار المحامي مهند شرباتي إلى ضرورة الدفع باتجاه المصادقة على نظام روما الأساسي، لمحاكمة الإفراد المتورطين بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية من غير الموجودين في سوريا أمام محكمة الجنايات الدولية.

كشف الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح المؤسساتي:

ناقش الحضور في هذا المحور دور المجتمع المدني ومؤسسات الدولة في محوري جبر الضرر وكشف الحقيقة، ليتحدث عز الدين الصالح من رابطة “تآزر” للضحايا، عن ضرورة وجود سردية جامعة توثق كل انتهاكات الشعب السوري، الأمر الذي سيكون بمثابة خطوة أولى لكشف الحقيقة وجبر الضرر، حيث يتضمن هذا التوثيق توثيق الذاكرة والانتهاكات.

وحول شكل جبر الضرر المتناسب مع الأرث الكبير من الانتهاكات في سوريا وتنوع وتعدد الأطراف المتسببة بالانتهاك، قالت إحدى المشاركات في الجلسة “هل تساءلنا يوماً ما هو شعور السوريين حول العدالة؟ الناس لا تريد أن تسمع مظلومياتها، البعض يريد تعويض مادياً ومعنوياً والبعض يريد أن يرى مشانق في الساحات.”

وعلّق مشاركٌ في الجلسة قائلاً إن “جبر الضرر يكون بداية بتعديل القوانين” مؤكذاً أن النساء هن أكثر من تعانين في الوصول إلى جبر الضرر في الجرائم المرتكبة ضدهنّ”.

من جانبه أفرد المحامي والناشط عز الدين عز الدين حديثه للإصلاح المؤسساتي والتشريعي، قائلاً أن الإصلاح المؤسساتي يعتبر أهم آلية من آليات العدالة الانتقالية، والعجلة الانتقالية تتمثل بتدريب المجتمع للانتقال من حالة إلى حالة لذلك كل الدول التي تمر بحالات تشبه الحالة السورية من الضروري أن يكون فيها إصلاح مؤسساتي، لضمان عدم تكرار ما حصل.

وشدد المحامي عز الدين، على أنّ أي إصلاح مؤسساتي يكون على صعيد الهيكلية الإدارية وعلى صعيد التنوع في التوظيف واختيار معايير حقيقة مبنية على الكفاءات لا على المحسوبيات، وأي إصلاح مؤسساتي يبدأ من إصلاح مؤسسة القضاء.

التوصيات النهائية للجلسة:

توصلت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى توصيات اقترحها الحاضرون/ات المشاركون/ات في الجلسة، وانقسمت التوصيات إلى أربع جهات:

أ) إلى الحكومة السورية الانتقالية:
  • العمل على فرض الأمن والأمان في مختلف المناطق السورية ومحاسبة مرتكب الانتهاكات، واحترام حقوق وحريات المواطنين وضمانها وحمايتها بدون أي تمييز.
  • ضمان مشاركة كافة الفئات المجتمعية ومختلف المكونات بدون تمييز أو تهميش في كافة مسارات العدالة الانتقالية.
  • اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة بجدية لمواجهة حملات التحريض والكراهية.
  • إظهار النية الصادقة في بدء مرحلة العدالة الانتقالية.
  • إيجاد هيئة خاصة بوضع قوانين للعدالة الانتقالية.
  • إيجاد قوانين خاصة بحماية الضحايا أثناء المجازر والانتهاكات، لضمان توثيق عادل.
  • ضرورة إعادة النظر بالإعلان الدستوري بحيث يكون فيه احترام لكل المكونات في سوريا.
  • ضرورة الإصلاح التشريعي، وخلق فرصة لإصلاح القوانين بما يتوافق مع الاتفاقيات الموقع عليها
  • إصلاح القضاء السوري وتحريره من السلطة التنفيذية.
  • الاستفادة من تجارب الدول التي طبقت العدالة الانتقالية.
  • المصادقة على نظام روما الأساسي بهدف محاكمة المتورطين بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسان خارج سوريا أمام المحكمة الجنائية الدولية
  • تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يضمن حقوق النساء في كافة مسارات العدالة الانتقالية.
  • الاستفادة من تجارب الدول التي تتطبق القضائية الدولية.
  • دعم مسارات التفاوض الاستراتيجي.
  • الإسراع بالإصلاح المؤسساتي ليكون اللبنة الأولى للمرحلة الانتقالية في سوريا.
  • الاستفادة من تجارب المنظمات الحقوقية والدولية.
ب) إلى المجتمع المدني السوري:
  • ممارسة الرقابة الحقيقة على أعمال الحكومة مع إبقاء التواصل الفعال معها.
  • زيادة المشاريع المتعلقة بالمواطنة واحترام حقوق الإنسان واحترام الاختلاف الثقافي والفكري وتقبل الآخر وتدعيم ثقافة الحوار.
  • الاهتمام بدعم ذوي الضحايا والمعتقلين وأسر المفقودين.
  • تشكيل تكتلات مناصرة لتطبيق العدالة الانتقالية التي تشمل الجميع دون استثناء أي شخص من مرتكبي الجرائم
  • المساهمة بابتكار أشكال خاصة للعدالة الانتقالية بسوريا ووضعها
  • استمرار توثيق الانتهاكات ومناصرة الضحايا وتقديم الدعم النفسي لهم
ج) إلى الآليات الأممية:
  • دعم عمليات تجميع الأدلة وتوثيق الانتهاكات وتقديم الدعم الفني والتقني للمنظمات التي تعمل بهذا الشأن
د) إلى المجتمع الدولي:
  • العمل برفع العقوبات عن سوريا بشكل عاجل ” وهذه التوصية كانت قبل إزالة العقوبات”.
  • مراقبة المرحلة الانتقالية في سوريا ومتابعة تقدم إجراءات العدالة الانتقالية.
  • استمرار دعم الشعب السوري حتى في مرحلة ما بعد رفع العقوبات.

 

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة