د. محمود عباس
شرعية الأحكام المسنودة على أي دستور أو حكم حالة نسبية، بإمكان السلطة أن تجعل أقذر القوانين مواد فوق دستورية شبه مقدسة، أو فارغة بدون سند، خاصة في الأنظمة الشمولية، كالتي تحتل كوردستان، العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا.
فلا علاقة لقرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا، بالدستور وبنوده، ولا بشرعية بقاء برلمان إقليم كوردستان أو عدمه، ومحاولة أسناده إلى الدستور العراقي تغطية على موقف سياسي منحاز وباطل من قبل قادة يحاولون السيطرة على النظام بأسلوب صدامي، والذين قالوا بأنهم يطبقون القوانين الموجودة ضمنها، تناسوا ومعهم المحكمة الدستورية العليا أنهم خرسوا طوال عقدين من الزمن أمام البند الدستوري رقم 140 ولم يتم تطبيقه، والمادة هذه أوضح بكثير من عملية التلاعب حول مشروعية البرلمان الكوردستاني أو عدمه.
شرعية الأحكام المسنودة على أي دستور أو حكم حالة نسبية، بإمكان السلطة أن تجعل أقذر القوانين مواد فوق دستورية شبه مقدسة، أو فارغة بدون سند، خاصة في الأنظمة الشمولية، كالتي تحتل كوردستان، العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا.
فلا علاقة بمشروعية قرار المحكمة الاتحادية العراقية، حول عدم شرعية بقاء برلمان إقليم كوردستان، ومحاولة أسناده إلى الدستور العراقي، والذي قالوا بأنهم يطبقون القوانين الموجودة ضمنها، علما أن قرار 140 الموجود ضمن الدستور تم طمسه طوال العقد الماضي ولم يتم تطبيقه، وهو أوضح بكثير من عملية التلاعب حول مشروعية البرلمان الكوردستاني أو عدمه.
لا يمكن للجنة الكوردية التي شاركت في كتابة الدستور السماح بوضع مثل هذا البند، أو تمرير أي بند من الدستور بمثل هذه الصيغة، والتي تبين مدى سهولة التلاعب به وبالدستور بشكل عام وتحريفه، حسب الرغبات وقوة أو ضعف السلطة، وإلا لماذا لم يثار ويتم البحث فيه طوال العقدين الماضيين؟
بنود الدستور العراقي أو معظم دساتير الأنظمة الفاشلة والفاسدة والشمولية، تلغيها وتطمسها أو تفرضها القوى المهيمنة، تجعلها قانونية أو فارغة من مضمونها حسب المصالح، وقرار المحكمة الدستورية الإتحادية هذا أو غيره، تعكس الحالة المزرية التي تمر بها العراق ومدى الفساد المستشري بين القوى المسيطرة على الحكم. فالبحث في عدم شرعية بقاء واستمرارية برلمان إقليم كوردستان، قرار سياسي بحت، لا علاقة له بالنص الدستوري، وهو نتاج البيئة العنصرية ضد الشعب الكوردي، وتدرج ضمن عمليات محاربة النظام الفيدرالي في العراق، والتي ستؤثر على الداخل الإيراني والتركي مع الزمن، وبتحجيمها سيتمكنون من طمس القضية الكوردية في الدول الأربع المحتلة. المؤامرة عراقية الوجه، إيرانية – تركية الفعل والمنهج، كل بطريقته.
بغض النظر عن التبعات الكارثية التي سيخلفه هذا القرار في حال تم تنفيذه، في كل المجالات:
الاقتصادية، سيتمكنون من إلغاء أو إيقاف المشاريع والخطط السنوية التي لا تدرج ضمن مخططات المركز، وسيتم تقليص ميزانية الإقليم إلى سوية حصة المحافظات، وستلغى أو تخفض رواتب البيشمركة، والموظفين، وغيره من القضايا الاقتصادية كتحجيم تطوير البنية التحتية والإسكان وبناء الجامعات والمدارس وغيرها من القضايا الاقتصادية.
وفي المجال السياسي، ستصبح هناك حكومة بسلطة على مستوى الإدارة الذاتية، تابعة لوزارة الداخلية العراقية.
وسيصبح الإقليم بدون سلطة تشريعية وهو البرلمان الذي بث القرار بحقه.
والقضائية ستكون تابعة للسلطة القضائية في بغداد وتطبق الدستور العراقي.
سيتم أولا، إلغاء دستور الإقليم وما يتبعه.
ثانيا، سيحاولون القضاء على قوة الإقليم العسكرية، وهنا الأهم، سيعملون على جعل البيشمركة فرق تابعة لوزارة الدفاع في بغداد.
أي عمليا، هدفهم القضاء على الفيدرالية الكوردستانية بشكل عملي، ليبقى أسم على هيكل. لا فرق بينهم وبين ما كان يقوم به زعماء البعث وأخرهم صدام حسين، فهم اليوم يقلدونه، ويحاولون تطبيق منهجه.
طرح الموضوع بهذه العنجهية، تعيدنا إلى ما كانت تقوم به الأنظمة العراقية العروبية السابقة عندما كانت في حالتي الضعف والقوة، وكيف كانت تتنازل وتصعد من لهجتها بين مرحلة وأخرى.
فما يجري اليوم هي نسخة من الماضي البعثي، وامتداد لمرحلة بدأت تظهر منذ سيطرة نوري المالكي على رئاسة الوزراء، والمؤامرات التي نسقها مع داعش والحشد الشعبي ضد الكورد، والتي راحت ضحيتها أهلنا الإيزيديين في شنكال والشعب الكوردي في مناطق كوردستان الأخرى، وتنسيقه مع أئمة إيران لتقليص دور الإقليم، ومن بينها دعمه لبعض أعضاء حزبه كحنان الفتلاوي وغيرها من الذين كانوا في البرلمان وعملوا على تجميد المادة 140 والتي افتخرت بها الفتلاوي بشكل علني في أحدى الأقنية، وقالت أنها عملت ضد الدستور، ولم تتحرك حينها المحكمة الدستورية الإتحادية. كما وصمتت أمام بعض نوابه الذين اشتغلوا على تخفيض حصة الإقليم من الميزانية العامة، لكنها وبالعكس دعمت الذين أثاروا إشكالية النفط، من منع حكومة كوردستان عقد اتفاقيات مع الشركات الخارجية بدون موافقة المركز إلى محاربة عمليات التنقيب والاستخراج، وغيرها من الإشكاليات التي رسخت كقضايا رئيسة لكل من اتبعه من رؤساء الوزراء، بل ومنهم من قام بتعميق هذه الخلافات وتوسيع الشرخ، وتضخيمها إلى أن أصبحت أحد أهم المشاكل التي يعانيها منها العراق بشكل عام، ألا وهو الصراع بين حكومة المركز والإقليم.
معظم رؤساء الوزراء، تناسوا دمار البنية التحتية للعراق والحالة الكارثية للشعب، أمام خلافاتهم مع حكومة الإقليم الكوردستاني، بل وجدوها تغطية ملائمة لهم على عدم تطوير البلد، والفساد المستشري، والسرقات والنهب للميزانية والنفط الخام، والتي هي مستوى الدولة، وأصبحوا بها يغطون على الصراعات بين قوى الشبعة والسنة، وما تعبث به حكومة الملالي داخل العراق، إلى درجة أصبحوا ينشرون دعاية بين أبناء مناطق البصرة والكوفة وغيرها على أن تخلفها والدمار المستشري في البنية التحتية هي أن الإقليم الكوردستاني يأخذ جزء كبير من حصتهم في الميزانية.
لا خلاف على أن الذين يقفون خلف قرار المحكمة الدستورية هذه، لا يريدون الخير للعراق وشعوبها، وهم من أيتام الأنظمة العنصرية السابقة، تتبعهم شرائح تنتهج نفس البيئة الثقافة العدائية، فنشرهم له وبهذه اللهجة تأكيد على إحساسهم بالقوة؛ إن كان من المركز أو بدعم خارجي إقليمي، إيران وتركيا تحديدا، يقابلها تراجع مكانة الإقليم سياسيا وعسكريا وربما دوليا.
وهي إهانة مباشرة للشعب الكوردي، ولحكومة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، وكما ذكرنا، تدرج ضمن محاولات القضاء عليها أو تقويض مكانتها، وتحويلها إلى منطقة ذات حكم ذاتي تابع سياسيا واقتصاديا وعسكريا لحكومة بغداد، والتي تحكمها المنظمات الشيعية، وبالتالي ستعود العراق إلى ما كانت عليه في زمن البعث وما قبله، مع تغيير في الأوجه، أي انتقال من الهيمنة العروبية السنية إلى القوى الشيعية التابعة لولاية الفقيه الفارسية.
لا خلاف على أن القوى الكوردية المتخاصمة في الإقليم تعلب دور سلبي في هذا التصعيد، كل من جانبه، لا يستثنى أحد. إما بشكل مباشر كما تفعله الأحزاب المتعاملة مع إيران، والتي تفضل التبعية للمرجعية الشيعية على أن تكون سيدة ذاتها، وتطمح في المشاركة أو التبعية لحكومة بغداد الشيعية على مشاركة حكومة وبرلمان الإقليم الكوردستاني والتي تحكمها الأكثرية من الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وتتناسى لكراهيتها للطرف الكوردي الأخر، أن الخلافات الداخلية حالة صحية، فيما إذا كانت القوى ذات منهجية ديمقراطية. لكن وللأسف لا تهمها على أنها ستعود قوى موالية وتابعة لأئمة ولاية الفقيه، الذين سيفرضون عليهم شيعتهم في بغداد، فالقوى الموجودة والحاكمة في السليمانية بمعظم أطرافها لكراهيتها للديمقراطي الكوردستاني تفضل أن تكون أدوات لموالي إيران على أن تكون شريكة لبناء كوردستان المستقبل.
وبالمقابل فإن الديمقراطي الكوردستاني، والتي تعمل بمنطق السيادة، والشمولية، والتي أغلقت البرلمان لمرات عدة في وجه قوى منطقة السليمانية، إلى جانب تبعيتها لتركيا بقدر تبعية السليمانية لإيران، والتي كانت ستدرج كبعد دولي، وهي حالة صحية من البعد السياسي والدبلوماسي، لولا استخدامهم هذه العلاقات الإقليمية من أجل الانتقاص من البعض، والتعامل معهم من منطقة التبعية.
كما وتفردها خلقت شريحة ذات غنى فاحش من المحسوبين على السلطة، تفسد وتنهب بطرق قانونية، تتبعهم مجموعات من تجار الحروب، لا تهمها إلا الثروة، سخرت لهذه نوعية السلطة الفردية، والتي أدت إلى تعميق البيروقراطية والفساد الإداري، وغيرها من الإشكاليات التي تظهر مع تفاقم الشمولية في النظام، وكانت من نتائجها الحادثة المزرية الأخيرة التي حدثت ضمن برلمان كوردستان، وتمدّيد خدمة البرلمانيين وعددهم 111 لعام إضافي مرجئاُ الانتخابات، على خلفية نزاعات سياسية بين الحزبين حول كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية. وقبلها قطع العلاقة لعدة مرات ما بين السليمانية وهولير. وإغلاق معبر سيمالكا ما بين الإقليم الفيدرالي وغربي كوردستان، دون الاعتبار إلى أن المعاني من كل هذه الإشكاليات هو الشعب وليست الأحزاب أو السلطة في الطرفين.
هذا الواقع الكوردستاني عكست ضحالة الوعي ومدى عمق الكراهية بين الأطراف الموجودة في البرلمان، والتي تشترك في الحكم، وتقع مسؤولية هذا الواقع المزري على كل الأطراف الكوردستانية بدون استثناء.
لن نأتي على كل السلبيات التي يعاني منها الإقليم الكوردستاني، ولا على سلبيات الصراع الحزبي فيه، وهي عديدة، وربما بعضه يمكن تبريره لقصر الفترة الزمنية التي عادة تحتاج الدول لبناء ذاتها، وعمر الإقليم الكوردستاني مقارنة بعمر الدول الإقليمية لا شيء، ولكن مع ذلك هذا الصراع الداخلي والسلبيات سهلت لحكومة بغداد العنصرية ولأئمة ولاية الفقيه محاربة حكومة الإقليم الكوردستاني، ومحاولات تقويض سلطتها، وتحجيم دورها داخليا وخارجيا، وتقليص جغرافيتها إلى الثلثين من مساحتها الأصلية والتي كانت عليها قبل سنوات، ولا يستبعد أن تخرج بغداد بقرارات أخرى ضد حكومة الإقليم، تؤثر على علاقاتها الخارجية من الأبعاد السياسية والدبلوماسية، والاقتصادية وحتى ربما الثقافية.
لا خلاف على أن قوة حكومة كوردستان ومواجهة بغداد وتجاوزات العنصريين المتسلطين على السلطة هناك، تكمن بمدى التوافق بين الأطراف الكوردية المتصارعة، وتنازلهم للبعض، والابتعاد عن الاستئثار بالسلطات الثلاث. دونها لا نستبعد أن يتم تمرير هذا القرار وربما غيره لاحقا، وقد يوافق عليه بعض الأطراف الكوردستانية، وبالتالي تصبح في حكم التطبيق، ويعود الصراع بين هولير وبغداد إلى ما كانت عليه في الماضي الكارثي. علما أن الصراع اليوم يختلف عما كانت عليه سابقا، من حيث الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية وجلها ليست في صالح كوردستان.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=24895