كرد سوريا في ظل الحكومات الإسلامية ـ 2

 برادوست ميتاني

بعد مجيء الإسلام تبعت سوريا لدول إسلامية كالأمويين، الذين حاولوا تعريب الثقافات والشعوب وسموهم بالموالي، ومنهم الكرد، الذين تم محاربتهم كقومية متجذرة في سوريا، فحاولوا صهرهم في بوتقتهم بضربهم في لغتهم ودينهم  الإيزيدي، والزردشتي وثقافتهم من حيث التاريخ والعادات والأعياد والتقاليد والملبس، وظل الكرد بين رحى ذلك الطحن حتى مجيء العباسيين، وبمرور الزمن نجحت بعض الشعوب أو الشخصيات غير العربية كالكرد والسلاجقة والجركس، والفرس وغيرهم  في إدارة دفة الدولة، فتنفست الشعوب الصعداء بتحررهم إلى حد ما من ذلك القمع.

خلال ذلك نجح الكرد في تشكيل حكومات وإمارات إسلامية، سواء في سوريا أو كردستان كالأيوبيين والمرداسيين، والجانبولاتيين أو جزء منها كالمروانيين.

المروانيون 990 ـ 1084م

دولة كردية أُسِّست على يد أبو علي بن مروان، وصل نفوذها من آمد وعاصمتها ميافارقين (1) حتى روج آفا (شمال وشرق سوريا) وحكمت قسمها الشرقي.

عرف أمراء المروانيين بشغف البناء والدفاع عن الإمارة وأكثرهم في ذلك أبو شجاع باد، الذي تميز بالصلابة ورباطة الجأش، والصيت المنتشر وحماية وتحرير مناطق كردستان، وما يعنينا في بحثنا هذا هو مناطق الكرد في سوريا حيث ضم نصيبين حتى أطراف الموصل إلى دولته (2) نصيبين في شمال غرب الجزيرة السورية، والموصل في الشرق منها، وحدود الدولة المروانية الكردية تشمل من شنكال وقامشلو حتى الحسكة، وتجاور من الجنوب حدود الدولة الحمدانية في حلب، وكانت علاقات الطرفية بادية من النواحي سواء أكانت حربية، أو سلمية ومن الجدير بالذكر هو أن والدة سيف الدولة الحمداني كانت كردية مروانية كما أن بعض الآراء تقول، أن الحمدانيين أنفسهم كانوا كرداً وأن سيف الدولة الحمداني كان يصيف كل عام  عند أخواله في ميافارقين، وكانت وصيته هو أن يكون قبره هناك، وتم تنفيذ الوصية ودفن بجوار ضريح والدته وأخته.

تخللت علاقات الحمدانيين في حلب والمروانيين في آمد وميافارقين حالات حرب أحياناً، منها عندما أراد الأخان أبو طاهر وأبو عبد الله الحمدانيان قيادة جيش والهجوم على كردستان لاحتلال آمد نجح أبو علي المرواني في دحرهما، وإلحاق هزيمة نكراء بهما، فوقع أبو عبد الله الحمداني في الأسر، ولكن أبو علي المرواني لصلة القرابة سواء من الناحية القومية الكردية، أو من حيث المصاهرة تعاطف معه وأطلق سراحه فيما بعد. ولكن من المعروف عن الحمدانيين شغفهم بالحروب فبعد ذلك هاجم أبو طاهر الحمداني من جديد الدولة المروانية، وانضم أبو عبد الله المعفى عنه إلى جيشه متناسياً عفو الأمير المرواني أبي علي عنه، وإطلاق سراحه، ولكن المرواني أبو علي نجح مرة أخرى في دحر جيش أبو طاهر الحمداني أيضا في 11 من صفر 381 هجري، كما أنه أسر أبا عبد الله للمرة الثانية، ولم يكن ليناً معه في هذه المرة (3).

في أطراف سرى كانيه من روج آفا (شمال سوريا) ظهر رجل يسمى بالأصفر التغلبي ادعى أنه مذكور في الكتب الدينية، ولديه معجزات إلهية فنجح في إغواء بعض الناس وشكل منهم مجاميع عسكرية متمرداً على الدولة المروانية، ولكن ناصر الدولة المرواني سارع لمحاربته وتمزيق شمله، وإلقاء القبض عليه وسجنه وذلك عام 339 هجري(4).

السلاجقة التركمان

قبل أن يظهر السلاجقة التركمان في كردستان عامة وروج آفا وسوريا خاصة، كانت إمارات كردية تابعة إدارياً للدولة العباسية ومستقلة داخلياً تحكم كردستان، خاصة تلك التي كانت حدودها السياسية تمتد من آمد حتى جبل شنكال كإمارة المروانيين في فارقين كما أسلفنا سابقاً، ولكن بعد أن تعاون السلاجقة مع جيش الإمارة في معركة ملاذ كرد 1071م ضد الجيش الروماني، وتحقيق النصر عليهم بالرغم من تخلي القوات السلجوقية في المعركة عن الجيش المرواني الكردي، انتصر الكرد على الرومان، واعتقلوا الإمبراطور رومانوس وبعد معاهدة بين الطرفين إطلاق سراح الإمبراطور، ورحيل الرومان عن المنطقة. عاشت المنطقة في أمان ولكن بعد سنوات وبمكائد نجح السلاجقة في القضاء على الإمارة المروانية، واحتلال أراضيها، بما فيها تلك التي تمتد جنوباً في الجزيرة من روج آفا، ومن ثم تسلل السلاجقة نحو روج آفا واحتلالها بما فيها المناطق المروانية.

في ذلك يتحدث أ. مروان بركات (5) عن كيفية ظهور وانتشار السلاجقة حين كانت سوريا تحت حكم الدولة الفاطمية، وتحركهم باتجاه بلاد الشام 1056م. بزعامة بوقاو ناصغلي الذي عمل النهب والتخريب في مناطق آمد في كردستان، وتوجه قسم من الأتراك إلى الجانب الشرقي من الجزيرة (مناطق الكرد). في عام 1056م عندما أفسدوا أراضي حلب. في 1058م سلم ابن الملهم حلب، وأغلب مناطقها إلى جيوش طغرل بك. قال هنا أ.بركات معتمداً على مصدر (العظيمي) القائل: كان الترك مكروهين من أهل حلب. في عام 1066-1067م تحركت قوات أفشين باتجاه كيليكيا الواقعة غربي عفرين فنهبت 40000 جاموس، وأخذوا الجواري وكانت تباع الجارية بدينارين والصبي بتركيبة نعال للخيل.

كان قيام الإمارة السلجوقية منذ ظهورهم عماده شن الحروب، ونشر القتل والدمار وظهر في ذلك قادة عرفوا بالحروب منهم ألب أرسلان، الذي قاد حملة وأغار على حلب وحاصر فيها الدولة المرداسية الكردية (6) التي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة 414هـ  ـ 1023م، وأجبر ابنه  الأمير محمود  على إقامة الدعوة للخليفة العباسي بدلًا من الخليفة الفاطمي سنة 1071م، وفي عام 1078م حاصر  تاج الدولة أبو سعيد تتش بن ألب أرسلان أنطاكيا وأخذ خمسة آلاف دينار من أهلها، وتوجه لحصار حلب فحاصرها ثلاثة أشهر ثم دخلها، وفتك بأهلها مستخدما القتل والنهب ثم توجه إلى المناطق الشمالية الغربية من حلب أيضا عمل بهم القتل والنهب، حتى لم يبقَ منها موضع ولا برج إلا ودخله، واستباح حريمه وأولاده وأمواله وفرض عليهم الأتاوات والغرامات، و ضمن تلك المناطق كانت جبل الكرد ومناطقه ثم بعد ذلك توجه إلى جبل الزاوية (7)

جمع مسلم بن قريش العقيلي صاحب الموصل أهالي المنطقة بمن فيهم الكرد، ومن الجزيرة وشكل جيشاً قوامه قرابة ستة آلاف عسكري، واشتبك في ظهيرة يوم السبت 21 حزيران 1085م مع القائد التركماني (السلجوقي) سليمان قتلمش في معركة قرزيحل في السفح الغربي لجبل ليلون إلى الشرق من معبد تل عين دارا كان النصر لسليمان، وانهزم مسلم ولم يصمد منه حتى النهاية سوى سكان حلب، وبعض الكرد وكانوا ستمائة (8).

عن الموقف البيزنطي لمواجهة السلجوقيين: في الثامن من تشرين الأول 1097م ضرب الجيش البيزنطي حصاراً حول انطاكيا مدة سبعة أشهر، ودخلها ثم أسس له موقعاً حصينا بين بحيرة العمق (أمَك، المستعربة) ومجرى نهر العاصي ـ التخوم الغربية الجنوبية لجبل الكرد، ووصلوا إلى حارم 1098 م لتخليص الأهالي من ظلم الأتراك السلجوقيين، وأخذوا يحاربونهم في قرى حلب منها جبل الكرد في القسم الغربي الجنوبي ووصلوا الى إعزاز لنجدة واليها، من حصار جيش رضوان بن تتش بن ألب أرسلان، ثم عادوا إلى إنطاكيا (9).

في الصراع على المنطقة قتل السلجوقي الملك رضوان بن تتش والي إعزاز عمر، وعين والياً جديداً عليها، فهاجم هذا الوالي الجديد مناطق جبل الكرد عام 1102-1103م وبذلك أصبحت منطقة جبل الكرد مسرحا للصراعات السلجوقية والبيزنطية.

في عام 1119م دخلت قوات القائد البيزنطي جوسلين إعزاز مما دفع بإيلغازي السلجوقي إبرام هدنة مع البيزنطيين. بموجبها صارت كامل منطقة جبل الكرد للبيزنطيين (10).

تنكر إيلغازي للهدنة وأخذ يهاجم مواقع البيزنطيين والتوجه بقواته نحو مناطق شمالي حلب، فتمركزت قوات روجر البيزنطي في تل عفرين في سهول عين دارا وباسوطا يوم الجمعة 21 حزيران 1119م وأخذ ببناء حصن مطل على تل عفرين.

مع شروق الشمس السبت 29 حزيران 1119م فوجئ البيزنطيون بحصار جيش إيلغازي فحدثت معركة طاحنة، قتل على أثرها روجر فقام الجيش السلجوقي بالنهب والسلب لأهل المنطقة، وعمل فيهم القتل والتدمير لمساكنهم بدون رحمة.  اشتهرت معركة عفرين عند البيزنطيين باسم معركة ساحة الدم، وكان من نتائجها خضوع حلب، ومناطق شمال بلاد الشام بما فيها مناطق جبل الكرد للأتراك السلاجقة المتوحشين (11)

عندما سمع الكرد في مناطق ماردين والجزيرة بوحشية إيلغازي في عفرين، ومناطقها أعلنوا ثورتهم، ولكي يتصدى إيلغازي لهم، وقبل أن يواجههم تصالح مع والي إنطاكيا وتخلى لهم عن مواقعه في شرقي العاصي، وهي المعرة، والبارة، وجبا سماق، وجبل ليلون، وإعزاز، وحارب ثورة الكرد تلك. بينما كان إيلغازي في قتاله مع الكرد في ماردين أغار جوسلين على المناطق القريبة من الفرات، وفي أواخر 1121م خرج سليمان بن إيلغازي في حلب عن طاعة أبيه وتصالح مع جوسلين الذي حصل بموجبه على منطقة سرمين وليلون وكامل المدن الشمالية من جبل الكرد ونصف الأراضي الزراعية بحلب، وغادر سليمان بن إيلغازي حلب في نيسان 1122م متوجها إلى ماردين ومتخليا بذلك عن حلب والمنطقة للبيزنطيين (12).

المغول

يعرف التاريخي المغولي بصفحاته السوداء وهمجيته لكثرة القتل والدمار والمذابح، التي ارتكبوها إزاء شعوب المنطقة فهم قبائل غريبة غازية جاءت من منغوليا في شرقي آسيا واجتاحت المنطقة في بداية القرن الثالث عشر الميلادي، فكانت وباء فظيعاً على المنطقة، ودخلوا سوريا بعد أفول نجم الدولة الأيوبية عن المنطقة (لقد تحدثنا عن الأيوبيين في بحث خاص) وحلول الدولة المملوكية ذات غالبية العنصر الشركسي في الحكم، التي كانت عاصمتها القاهرة، ولكنها ممتدة إلى حكم سوريا .لذلك كان على عاتقها حماية المنطقة والدفاع عنها، وقد قامت بذلك الواجب إلى درجة تسطير التاريخ في صفحاته بطولاتهم، التي كانت في نهايتها دحر المغول وطردهم بعد تلقى قائدهم كتبغا في معركة عين جالوت 1260م على يد الملك سيف الدين قطز هزيمة كبرى، حيث أبيد الجيش المغولي التتري عن بكرة أبيه هذه المعركة، التي بالرغم من طول الفترة الفاصلة بينها وبين الطرد النهائي لهم، إلا أنها كانت السبب الرئيسي له؛ كونها كسرت شوكة المغول أو يسمى أحياناً التتر. عاد المغول مرة أخرى واحتلوا سوريا، ولكن كانت الهزيمة أيضاً على يد المماليك وذلك في موقعة شقحب 1303م إلا أن هجماتهم لم تنتهِ خاصة على روج آفا وشمال سوريا حتى 1417م.

أما عن اجتياحهم في البدء لشمال سوريا يقول أ. مروان بركات: في عام 1215م زحف هولاكو بجيوشه الهمجية نحو سوريا، وحين سمع أهل حلب بقدومه دخل سكان الأرياف المحيطة بمدينة حلب إلى المدينة ليحتموا فيها مع أموالهم واثقين بمناعة أسوارها، وحين وصلت طلائع جيش هولاكو إلى أسوار المدينة لقي هزيمة نكراء على يد الأهل. في اليوم التالي توجه الجيش المغولي باتجاه الشمال واحتل قلعة أعزاز المتاخمة لمنطقة جبل الكرد من الشرق. بقيت هجمات المغول تتكرر غربا وشمالا حتى احتل جيش هولاكو مدينة حلب.  كان خلال تلك الهجمات ملك حلب هو توران شاه الذي يعرف من مواقفه بأنه كان شجاعاً ومقاوماً وأيضاً ذكياً. حيث بقيادته فشل المغول المرة الأولى في احتلال مدينة حلب ولكنهم نجحوا باحتلالها في المرة التالية،  وذلك بكذب وبخدعة حيث وعد هولاكو الأهل وتوران شاه بالأمان، ولكن توران شاه لم يصدقه وحاول إقناع الشعب بأنها خدعة، إلا أن الأهالي فتحوا الأبواب، فكان نتيجة ذلك ارتكاب المغول مجزرة فظيعة بحق أهلها التي استمرت خمسة أيام، ولدرجة أن الجنود المغوليين كانوا يسيرون على جثث الأهالي القتلى، فسيطروا بعدها على مناطق حلب أيضاً  منها منطقة جبل الكرد وبقوا  فيها حتى عام 1417م  حيث كانوا يعيثون فيها فساداً ودماراً (13).

بعد طرد المغول نهائياً من سوريا وشمالها وبعد زوال هجماتهم المتفرقة عاد الاستقرار إلى المنطقة ففي عام 1418م تملك المماليك الشراكسة مدينة حلب ومناطقها من جديد. ومنها منطقة جبل الكرد، وظلوا فيها حتى مجيء الأتراك العثمانيين 1516م.

المراجع:

1-محمد جمال باروت –التكوين التاتريخي الحديث للجزيرة السورية –ص 235

4،3،2- العلامة محمد أمين زكي بك-خلاصة تاريخ كرد وكردستان- ج2- ص 94

5-7ـ8ـ 10،11،11، 12ـ13ـ الأديب مروان بركات –  كتاب جبل الكرد – عفرين عبر العصور

6- شرفنامه- في تاريخ سلاطين آل عثمان ومعاصريهم من حكام إيران وتوران-أشرفخان بدليسي-ج1-ص189

9- الكتاب: زبدة الحلب في تاريخ حلب المؤلف: عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، كمال الدين ابن العديم (ت ٦٦٠هـ)-ص243

 

​المصدر | صحيفة روناهي