د. محمود عباس
في 22 حزيران 2025، فجّر إرهابي تكفيري نفسه داخل كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، في مجزرة أليمة راح ضحيتها أكثر من 20 شهيدًا وعشرات الجرحى.
هذا ليس عملاً معزولًا، بل نتيجة طبيعية لبيئة سُمِّمت بالتطرف، تحت رعاية حكومية صامتة، وسلطة انتقالية رخوة في ظاهرها، تكفيرية في جوهرها.
الذين فجّروا الكنيسة، والذين كتبوا على جدران كنائس حماة تهديدًا وقحًا بـ “الدور عليكم”، هم أنفسهم من:
· هاجموا المطاعم والحانات في باب توما بدعوى “محاربة الخمر“،
· رفضوا منح رخص لمحلات بيع المشروبات،
· نشروا دعايات “التبشير الإسلامي” عبر مكبرات الصوت في أحياء المسيحيين في دمشق وحلب،
· قسّموا الباصات والمصاعد بين “ذكور وإناث“،
· وأطلقوا حملات فرض النقاب في الساحات العامة.
كلها ليست سوى مؤشرات على انحدار سوريا نحو قرون الظلام، تحت سلطة تسمح بهذه التجاوزات، بل وتشارك فيها بصمتها وتواطئها. فهؤلاء ليسوا غرباء عن السلطة، بل من نسيجها نفسه، وهم اليوم من يفرض ملامح “البديل المقبل” الذي يتم تسويقه كـ “حكومة انتقالية“!
أيها السوريون،
إننا أمام خطر وجودي، لا يُواجه بالخطب الرخوة ولا بالتعايش الهش، بل ببناء سوريا جديدة على أساس علماني صلب، يضمن حرية المعتقد والمساواة وكرامة الإنسان، ويكسر شوكة التكفيريين الجدد، ومؤسساتهم المموهة بلبوس المعارضة.
– لا مستقبل لسوريا مع سلطة تحكمها شعارات داعشية.
– لا كرامة في ظل الخنوع لثقافة تحوّل العبادة إلى تهديد، وتحوّل الفضاء العام إلى زنزانة فكرية.
– ولا خلاص بلا فصل الدين عن الدولة، وقيام نظام علماني عادل.
نُدين بأشد العبارات الجريمة الإرهابية التي استهدفت أبرياء كنيسة مار إلياس، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم اختاروا الإيمان والسلام، في وجه تطرفٍ يعادي الحياة والاختلاف والحرية.
إن هذا العمل الإجرامي، الذي نفذته جماعة تنتمي إلى فكر الإسلام السني التكفيري المتطرف، ليس سوى استمرار لثقافة باتت تتغذى على الدماء، وتبني شرعيتها على فتاوى الموت وأحلام “الخلافة” البائدة.
هذا الإرهاب الذي طال كنيسة اليوم، سيطال غدًا مسجداً ومدرسةً وبيتًا وشارعًا، ما دام يُسمح له بالانتشار تحت ستار “الجهاد” في حين أن جوهره هو ذاته الذي دمّر العراق وسوريا وأفغانستان، الإسلام السياسي السني المتطرف، الذي لا يؤمن بوطن، ولا بمواطنة، ولا بإنسانية.
نقولها بوضوح لا يقبل المواربة:
وما يزيد الجريمة خطورة هو أن الحكومة السورية الانتقالية الحالية، المبنية على بقايا هيئة تحرير الشام والفصائل الجهادية، تهيّئ المناخ المثالي لمثل هذه الأعمال، وتوفر الحاضنة الفكرية والإدارية لانتشار الإرهاب باسم “الحكم الإسلامي“.
نكرر، لن تنقذ سوريا إلا دولة علمانية ديمقراطية حقيقية، تفصل الدين عن السياسة، وتمنع استغلال المقدسات لتبرير الإقصاء والقتل.
إن لم نواجه ونوقف هذا السرطان، فإن انفجار كنيسة اليوم سيكون مجرد بداية لمسلسل ظلام طويل، يطمس ما تبقى من سوريا التعددية والمدنية.
الولايات المتحدة الأمريكية
23/6/2025
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=70904