أين بيتي: انتهاكات حقوق الملكية في شمال سوريا تُكرّس التغيير الديمغرافي

أين بيتي: انتهاكات حقوق الملكية في شمال سوريا تُكرّس التغيير الديمغرافي

الملخص التنفيذي:

الاستيلاء على منازل وممتلكات المدنيين أو تدميرها أو احتلالها بصورة غير قانونية، ومنع عودة عائلاتٍ كرديةٍ نازحة جرّاء العمليات العسكرية التركية أو ابتزازها وتهديدها، هي انتهاكات ارتُكبت على نطاق واسع من قبل القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال سوريا، التي تحتلها تركيا كنتيجة لعمليتي “غصن الزيتون” في عام 2018 و “نبع السلام” في عام 2019.

توثّق رابطة “تآزر” للضحايا، في هذا التقرير، أنماطاً متكررة ومنهجية من عمليات النهب والاستيلاء على ممتلكات المدنيين في منطقتي “نبع السلام” و”غصن الزيتون”، خاصّةً تلك التي حدثت خارج سياق العمليات القتالية، كسلب الممتلكات العقارية والاستيلاء عليها بدون وجه حق، أو بيعها أو حرقها وتدميرها، وطرد سكانها الأصليين، ودفعهم الى مغادرة المنطقة.

منذ دخول القوات التركية وقوات “الجيش الوطني السوري” مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وبعد قيام الأخيرة بنهب الممتلكات المدنية، احتل مقاتلوها وعائلاتهم منازل المدنيين، بعد نزوح سُكانها قسراً، أو قاموا بعد ذلك بإجبار السكان، ولا سيما الكُرد، على ترك منازلهم، من خلال التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والاعتقال والتعذيب.[1]

مع قيام قوات “الجيش الوطني السوري” بنهب ممتلكات المدنيين أو الاستيلاء عليها بشكل منهجي، قدّم مدنيون شكاوى إلى المجالس العسكرية التابعة لتلك القوات، أو المجالس المحلية التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة” – التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمُعارضة السورية – في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لكنهم لم يتمكنوا من استعادة ممتلكاتهم، وعلى الرغم من ذلك، قام عناصر “الجيش الوطني” بتهديد الكثيرين منهم أو ابتزازهم أو احتجازهم، بينما اختُطف آخرون وأُجبروا على دفع فدية لقادة في “الجيش الوطني السوري” لقاء إطلاق سراحهم.

تعددت صور وأنماط الاستيلاء على ممتلكات المدنيين في عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، مثل كتابة أسماء فصائل “الجيش الوطني السوري” أو قادتها على جدران المنازل، كدلالة على مصادرتها لتلك العقارات، أو وضع علامات الحجز عليها، في إشارة واضحة لمنع العودة، ومن ثم شغل تلك الممتلكات، أما بعائلات عناصر “الجيش الوطني” أو عبر استخدامها كمقرات عسكرية أو مؤسّسات إدارية تتبع للمجالس المحلية، لكن دون إخطار أصحابها أو عرض تعويضات عليهم.

تورطت القوات التركية أيضاً في الاستيلاء على الممتلكات، وتدميرها، ومنع عودة السكان إليها، كما في قرية “الداودية” شرقي رأس العين/سري كانيه، حيث استولى الجيش التركي على القرية الكُردية، وقام بتحويلها إلى قاعدة عسكرية لقواته، بعد جرف عدد كبير من المنازل وتحويل أخرى إلى ثكنات استوطن فيها الجنود الأتراك، في حين تمَّ منع المدنيين الكُرد من العودة إلى القرية، أو حتى دفن جثث موتاهم في مقبرتها.

وقامت الحكومة التركية باستقدام آلاف العائلات السورية النازحة قسراً من مناطق سورية أخرى بفعل النزاع، وتوطينها في منازل تمَّ تهجير سكانها الأصليين في عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وتمَّ إخلاء الكثير من المنازل من ساكنيها الكُرد، وتوطين عائلات لأفراد من “الجيش الوطني السوري” مكانهم، كما تحققت “تآزر” من توطين 55 عائلة على الأقل، تضم نساء وأطفال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية – داعش، معظمهم عراقيين، في منازل تمَّ الاستيلاء عليها ضمن رأس العين/سري كانيه.

أحد الآثار الكارثية لهذه الانتهاكات هو تغيير الهندسة الديموغرافية للمناطق ذات الغالبية الكُردية في سوريا، الذي أصبح يشكل قلقاً متزايداً لدى سكان تلك المناطق، لا سيما مع إعلان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، مطلع أيار/مايو 2022، عن تحضير “أنقرة” مشروعاً يتيح العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري تستضيفهم تركيا إلى بلادهم.

سبق وتلا هذا التصريح، قيام الحكومة التركية بإعادة الآلاف من السوريين بشكل قسري إلى الشمال السوري، رغم التحذيرات الدولية باعتبار سوريا غير آمنة، حيث كانت لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا ممثلة برئيسها، قد أعلنت بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، بأنّ “هذا ليس الوقت المناسب ليظننّ أحد أن سوريا آمنة وأنه يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم، لا بل نشهد تصاعدًا في القتال والعنف“.[2]

رغم ذلك، فقد ألغت الحكومة التركية بين عامي 2019 و2021 تصاريح الإقامة لأكثر من 155,000 سوري واحتجزتهم في معسكرات متاخمة للحدود التركية السورية، لتقوم بعدها بترحيلهم قسراً إلى الأراضي السورية، وفيما تزعم تركيا أنَّ عمليات الترحيل التي تقوم بها “طوعية” بيد أنَّ شهادات السوريين المرحلّين تفيد بخلاف ذلك، وهناك تقارير تؤكد تعرض سوريين في تركيا للاستغلال والابتزاز والتهديد بالاحتجاز طويل الأمد لإجبارهم على التنازل عن تصاريح إقامتهم.

تفيد الشهادات التي تمَّ جمعها لغرض إعداد هذا التقرير، ومئات الشهادات الأخرى التي سبق أن وثقتها “تآزر” في مناطق شمال وشمال شرق سوريا، أنّ عمليات الاستيلاء تترك آثاراً مُدمرة على مالك العقار، وتُهدد تاريخه ووجوده في المنطقة التي يسكنها، فمن سُلِبَ منه عقاره الذي كان يسكنه أو كان يستثمره، سيكون من الصعب عليه، إن لم نقل من المستحيل، أن يبقى في المنطقة أو أن يعود إليها لاحقاً.

إنَّ إعادة توطين سوريين من محافظات أخرى في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه، التي نزح عنها سكانها الأصليون قسراً، يؤدي بطبيعة الأمر إلى تغيير الهندسة الديمغرافية في المنطقة، كما يقوّض السلم الأهلي والتعايش المشترك الذي تتسم به، وسيزداد المشهد تعقيداً إن طال الأمر، ولم تتم معالجة هذه القضية في سياق إيجاد حل سياسي شامل لإنهاء النزاع في سوريا.

وقال عز الدين صالح، المدير التنفيذي لرابطة “تآزر” للضحايا إن “الاستيلاء على الممتلكات له عواقب وخيمة وبعيدة المدى خلال النزاع وبعده، ستأثر بشكل كبير على مسألة عودة النازحين واللاجئين إلى مناطق سُكناهم الأصلية، لذا من الضروري لفت نظر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى خطورة هذه المسألة، والضغط على الحكومة التركية لوقف هذه الممارسات، ومحاسبة مرتكبيها، أفراداً وجماعات“.

 

حق الملكية وفق القوانين الدولية:

يعتبر حق الملكية من حقوق الإنسان الأساسية التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية، حيث أكدت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الإنسان في التملّك، وحظرت حرمان أي شخص من ملكه تعسفاً، ويرتبط هذا الحق ارتباطاً وثيقاً بحق اللاجئ والنازح في العودة الطوعية والآمنة إلى مكان سكنه الأصلي.

وقد تمَّ تأكيد هذا الحق في المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، التي تنصّ على ضرورة ضمان حق كل إنسان، وبدون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في التمتع بحق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين. علماً أنّ كلاً من سوريا وتركيا هما دولتان موقعتان على هذه الاتفاقية الملزمة لهما.

كما أكدت المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي التي تمّ اعتمادها من قبل الأمم المتحدة، على ضرورة توفير الحماية، في جميع الظروف، لأموال وممتلكات المشردين داخلياً، وبخاصة ضد النهب والاعتداءات المباشرة والعشوائية وأعمال العنف الأخرى، أو استخدامها كدرع لعمليات أو أهداف عسكرية، أو أن تكون محل انتقام، أو تدميرها أو الاستيلاء عليها، كشكل من اشكال العقوبة الجماعية، وضرورة توفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخلياً وراءهم، وذلك من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضاً من شغلها أو استخدامها.[3]

يحظر القانون الدولي على قوة الاحتلال –كتركيا في أجزاء من شمال سوريا– الاستيلاء على الأملاك الخاصة في الأراضي المحتلة إلا في حالة الضرورة العسكرية الملحة، والتي يجب أن يتبعها تعويض المتضرر من هذا الإجراء. وبغض النظر عن واقع الاحتلال، يعتبر تدمير ممتلكات الخصم والاستيلاء عليها من قبل أحد أطراف النزاع المسلح انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني العرفي، وقد يرقى إلى جريمة حرب سواء كان النزاع المسلح دولياً أو غير دولي.

 

التهجير:

يتحمل كل طرف في النزاع المسلح المسؤولية القانونية المرتبطة بتسببه بتهجير السكان المدنيين خلال النزاع المسلح. يحظر القانون الدولي الإنساني الأمر، ويعتبر هذا الحظر أحد قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، ولا يُعتبر إخراج المدنيين من أماكن سكنهم إجلاءً قانونياً إلا إذا تمَّ لأسباب عسكرية قهرية أو لدواعي أمن المدنيين أنفسهم.[4]

غير أن الطرف المتسبب بنزوح المدنيين –قانونياً باعتباره إجلاءً أو بصورة غير قانونية باعتباره تهجيراً– يتحمل جملة من الالتزامات القانونية الأخرى المتعلقة بحماية وحقوق المدنيين النازحين، منها ما يتعلق بالاستقبال والمأوى، وما يتعلق به من ضمانات حماية حقوق الملكية، والعودة[5]، وتترتب على التهجير القسري المسؤولية الجنائية الفردية لما قد يرقى لجريمة حرب.[6]

 

حق العودة:

“للأشخاص النازحين الحق في العودة الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سُكناهم المعتادة حالما تنتفي الأسباب الي أدت إلى نزوحهم“.

القاعدة 132 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي

يفرض هذا الحق على السلطات ذات الصلة مجموعة من الواجبات القانونية تتمحور بشكل أساسي حول كَون النزوح حالة مؤقتة. كما تم تأكيد ذلك في مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للنزوح الداخلي عبر تحميل السلطات المختصة – وبشكل أساسي تلك التي تسببت بالنزوح – واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين.

إن التذرع بسير الأعمال العدائية والسياق العسكري وضروراته لدفع المدنيين للنزوح وتركهم وحيدين لمصائرهم يخالف جوهر حظر التهجير أولاً، وموجبات الطرف القائم على التهجير ثانياً. تتحمل السلطات المعنية مسؤولية القيام بالعديد من التدابير اللازمة لضمان حق عودة النازحين واللاجئين ومنها: تدابير تكفل العودة الآمنة، ولاسيّما نزع الألغام؛ توفير المساعدة لتغطية الحاجات الأساسية (المأوى، والغذاء، والماء، والعناية الطبية)؛ توفير مواد البناء، والمواد المنزلية، والأدوات الزراعية، والبذور، والأسمدة؛ ترميم المدارس، وبرامج تدريب المهارات، والتربية. كما يمكن اتخاذ تدابير تسمح للأشخاص النازحين (أو من يمثلهم) بزيارة مناطق العودة، قبل عودتهم إليها، لتقييم الوضع بالنسبة للأمان وللظروف المادية.

لا شك إن عمليات الاستيلاء على عقارات النازحين واللاجئين في سوريا، ستشكل حجر عثرة أمام عودتهم الطوعية والآمنة، فإن رغبوا في العودة يوماً ما، فإن أول ما سيتبادر إلى أذهانهم هو العودة للسكن في بيوتهم أو الاستثمار في أراضيهم، وفي حال عدم وجود ما ذكر، فلن يكون لعودتهم أي معنى.

وقد أكد القرار 2254 لعام 2015 على “الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وفقا للقانون الدولي“.

وقد تمّ التأكيد على حق اللاجئين في استرداد ممتلكاتهم ضمن المبادئ التي ذكرها المقرر الخاص للأمم المتحدة “باولو بينيرو” والتي يُشار إليها اختصاراً بـ “مبادئ بينيرو”، حيث أكد بأنه يحقّ لجميع اللاجئين والمشردين أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات حُرموا منها، بصورة تعسفية أو غير قانونية، أو أن يحصلوا على تعويض عن أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات يتعذر عملياً إعادتها إليهم، حسبما تخلص إليه محكمة مستقلة محايدة.

 

التوصيات:

بعد دراسة قضية انتهاكات حقوق الإسكان والأرض والملكية في شمال سوريا، لا سيما في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، واستناداً على المقاربة التي تُركز على تجارب ووجهات نظر وأولويات الضحايا والناجين/ات، خلصت “تآزر” إلى التوصيات الآتية للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والفاعلين الدوليين في الملف السوري:

يجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الاعتراف بأن الوجود التركي في أجزاء من سوريا هو احتلال وفقاً للمادة 42 من الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية (اتفاقية لاهاي) لعام 1907، والقسم الثالث (المواد من 47 حتى 78) من اتفاقية جنيف الرابعة، ذلك لحثّ تركيا على تحمل مسؤولياتها كقوة احتلال.
الضغط على الحكومة التركية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قواتها أو قوات “الجيش الوطني السوري” التي تقودها “أنقرة” في المناطق التي تحتلها شمال سوريا، ومحاسبة مرتكبيها، أفراداً وجماعات.
تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطق سكنهم الأصلية وضمان حقهم في استرداد ممتلكاتهم، أو تعويضهم عن تلك التي يتعذر عملياً إعادتها إليهم، على أن تكون منظمات المجتمع المدني جزءاً من هذه العملية.
يجب أن تحرص الحكومات والجهات المانحة على ألا تذهب مساعداتهم إلى المشاريع التي تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في البلاد، بل أن توضع في مشاريع تحترم حقوق السكان الأصليين وتدعم جهودهم لإعادة بناء مجتمعاتهم وتقويتها.
الضغط على الائتلاف الوطني السوري والحكومة السورية المؤقتة والقوات العسكرية التابعة لهما، لوقف عمليات الاستيلاء غير المشروعة على ممتلكات سكان وأهالي المناطق التي تسيطر عليها، ولا سيما مناطق عمليات “نبع السلام” و “غصن الزيتون” و “درع الفرات”.

 

خلفية:

خلال الغزو العسكري التركي لمناطق في شمال شرق سوريا، تحت مسمى عملية “نبع السلام” في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وبعده مباشرةً، قصفت تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة منها، عشوائياً المباني المدنية ونهبت بشكل منهجي الممتلكات الخاصة للسكان المحليين، من مختلف المكونات، ولا سيما الكُرد، كما منعت فصائل “الجيش الوطني” مئات العائلات النازحة بسبب العمليات العسكرية التركية من العودة إلى ديارها. قبل ذلك، أسفر الهجوم العسكري التركي في عام 2018 على عفرين، والذي اطلقت عليه تركيا اسم عملية “غصن الزيتون”، عن مقتل عشرات المدنيين وتهجير عشرات الآلاف بحسب الأمم المتحدة، ووضعت فصائل “الجيش الوطني” يدها على ممتلكات المدنيين الكُرد في عفرين، ودمرتها، ونهبتها دون تعويض أصحابها، كما أسكنت مقاتلين وعائلاتهم في منازل السكان.

أدت عمليتا “نبع السلام” و “غصن الزيتون” إلى نزوح ما لا يقل عن 350 ألف من سكان مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال وشمال شرق سوريا، من بينهم أكثر من 36 ألف شخص يعيشون في ثلاثة مخيمات غير رسمية (واشو كاني/التوينة وسري كانيه/الطلائع وتل السمن) في محافظتي الحسكة والرقة، وأكثر من سبعة آلاف نازح في خمسة مخيمات غير رسمية (العودة وعفرين والشهباء والمقاومة والعصر) تديرها الإدارة الذاتية في منطقة الشهباء شمالي حلب، وفق ما وثقته رابطة “تآزر” للضحايا.

كما تشهد تلك المناطق التي تحتلها تركيا كنتيجة لتلك العمليات العسكرية انتهاكات لحقوق الإنسان، لا حصر لها، من قبل القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تقودها وتدعمها “أنقرة”. تشمل الانتهاكات الموثقة، القتل بإجراءات موجزة والاختفاء القسري، وكذلك مصادرة الممتلكات، والنهب، وعرقلة عودة السكان، ولا سيما الكُرد.

كل ما سبق، مع غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب، يجعل المناطق الخاضعة للاحتلال التركي غير آمنة البتّة، كما روّجت لها تركيا، ولا تتوافق مع معايير العودة الطوعية التي حددتها الأمم المتحدة.

وسبق أن أصدرت رابطة “تآزر” تقريراً حول نهب المحاصيل الزراعية والاستيلاء على الأراضي في منطقة “نبع السلام”، بتاريخ 11 آذار/مارس 2021، وآخر حول عمليات نهب وسلب واسعة النطاق للممتلكات في منطقة رأس العين/سري كانيه، بتاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر 2021، ووجهت شكوى إلى مقررين في الأمم المتحدة، بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حول مصادرة تركيا والمجموعات المسلحة التي تدعمها المحاصيل والأراضي في المناطق التي تحتلها شمال سوريا، كما نظَّمت “تآزر” بالتعاون مع شركائها من المجتمع المدني السوري، في الخامس من أيار/مايو 2022، حدثاً موازياً لفعاليات مؤتمر بروكسل السادس، بهدف تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإسكان والأرض والملكية في شمال سوريا، من وجهة نظر الضحايا، وتداعيات تلك الانتهاكات على المجتمعات المحلية في سوريا.

 

سعياً لإنصاف الضحايا:

عملت “تآزر” بشكل مباشر مع الضحايا، ووثقت قصصهم وشهاداتهم، كجزء من استراتيجيتنا التي تُركز على تجارب ووجهات نظر وأولويات الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن، إلى جانب البحث عن وجهات نظر متعدّدة لتطوير فهم معمق وتحليلي للأحداث، والالتزام بالدقة والنزاهة.

ولغرض إعداد هذا التقرير، اعتمدت “تآزر” على 20 شهادة مركّزة من ضحايا تعرضوا لأنماط مختلفة من انتهاكات حقوق الملكية في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض وعفرين شمال سوريا، تمّ جمعها خلال الفترة الممتدة بين 1 تشرين الأول/أكتوبر و1 كانون الأول/ديسمبر 2022، وكذلك تحليل الباحثين/ات، والصور، والوثائق، ومعلومات المصادر المفتوحة، وتحليل الأدلة البصرية، بالإضافة إلى التحليل القانوني.

ونتيجة التواصل المباشر للرابطة مع عشرات الضحايا في شمال سوريا، خلال عام 2022، تبيّن بنسبة كبيرة تدنّي الوعي القانوني لدى غالبية النازحين قسراً حول حقوق الملكية وآليات الدفاع عنها، كما أنّ مئات العائلات اضطرت إلى النزوح وترك منازلها وممتلكاتها خلفها، بما في ذلك الوثائق المؤيدة للملكية، أو فقدت تلك الوثائق نتيجة ظروف النزاع أو أنها لا تزال غير مكتملة قانونياً، كلّ ما سبق أدى إلى فقدان العديد من النازحين قدرتهم على استعادة ممتلكاتهم قانونياً لعدم امتلاكهم الوثائق التي تثبت الملكية.

لذا نظمت الرابطة عدة ورشات توعوية في مناطق ومخيمات شمال شرق سوريا، خلال عام 2022، لرفع الوعي القانوني وتعزيز قدرات النازحين/ات قسراً حول “حقوق الملكية” وأنواع ودرجات الوثائق المؤيدة للملكية في سوريا، وآليات الدفاع عن تلك الحقوق قانونياً.

ترى “تآزر” أنّه لا يمكن تحقيق السلام الشامل والمستدام والعدالة في سوريا بدون معالجة قضية انتهاكات حقوق الإسكان والأرض والممتلكات، لذا نسعى من خلال هذا التقرير والأنشطة الأخرى التي نُنفذها إلى توفير مساحة/منصة للضحايا حتى يكونوا قادرين على تمثيل أنفسهم بنفسهم والدفاع عن حقوقهم، بهدف تعزيز التضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الملكية في شمال سوريا، على الصعيدين المحلي والدولي.

 

انتهاكات حقوق الملكية في مناطق “نبع السلام”:

منذ احتلال منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض في تشرين الأول/أكتوبر 2019، كنتيجة لعملية “نبع السلام” التركية، وثقت “تآزر” استيلاء القوات التركية والجيش الوطني السوري على أكثر من 5500 منزل سكني و 1200 محل تجاري وصناعي، ونحو مليون دونم (100 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية في تلك المنطقة، فضلاً عن إفراغ 55 قرية من سكانها الأصليين.

كما تعرضت منازل وممتلكات أخرى للتدمير والتجريف والاحتلال بصورة غير قانونية، كما في قرية “الداودية” شرقي رأس العين/سري كانيه، حيث استولى الجيش التركي على القرية الكُردية، وقام بتحويلها إلى قاعدة عسكرية لقواته، بعد جرف عدد كبير من المنازل وتحويل أخرى إلى ثكنات استوطن فيها الجنود الأتراك.

تُتبع قرية “الداودية” لبلدة أبو راسين/زركان، وتُعرف محلياً باسم “داودية ملا سلمان”، وتتألف من (50-55) منزلاً، معظم سكانها كُرد، هُجروا منها قسراً نتيجة عملية “نبع السلام”، قبل أن تحتلها القوات التركية وتمنع المدنيين من العودة إليها، أو حتى دفن جثث موتاهم في مقبرتها.

عقب عملية “نبع السلام”، شهدت قرية “الداودية” نشاطاً مكثفاً للقوات التركية، انتهى بتحويلها إلى قاعدة عسكرية، بعد أن جرفت تلك القوات نحو ثلثي مساحة القرية وقامت بتسويتها، بما في ذلك المنازل، بينما استولت على منازل أخرى، كمنزل “سعدون سلمان” ومنازل أخوانه، وحولتها إلى ثكنات لجنود كتيبة الكوماندوز الأولى التابعة للواء الكوماندوز 49 في القوات التركية، وفق ما ذكرت وكالة أنباء “الأناضول“.

وتحدّث “سعدون سلمان” (52 عاماً) لـ “تآزر” وهو من سكان قرية “الداودية” قائلاً:

“بتاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر 2019، فرغت الداودية تماماً من سُكانها، حيث نزحنا إلى مدينة الحسكة، مع اشتداد المعارك واقتراب القوات التركية من القرية، لكن لم نكف عن السؤال عنها وما آلت إليه، حيث لم يغادر معظم جيراننا في القرى العربية المجاورة منازلهم، وأخبرونا أن قوات تركية قد تمركزت في القرية ولا يُسمح لأحد بالاقتراب منها”.

بعد فترة وجيزة، علمت عائلة “سلمان” من سكان القرى المجاورة، أن قريتها “الداودية” قد تمّ تحويلها إلى قاعدة عسكرية تركية، بعد جرف منازل القرويين النازحين قسراً، وتأكدت من ذلك لاحقاً، عندما تداولت وسائل إعلامية الخبر، وتحدث “سعدون سلمان” حول ذلك قائلاً:

“رأينا على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر صور الأقمار الاصطناعية تباعاً كيف تم أنشاء السواتر الترابية حول القرية، وتجهيز مواقع الدبابات والمدافع، كما أن قناة تركية نشرت مقاطع فيديو وصور من القاعدة العسكرية التي أنشأت في قريتنا، رأينا فيها أن الجيش التركي قد وضع مدافع كبيرة/بعيدة المدى خلف منزلي ومنزل أعمامي، وكذلك في الجهة الأمامية من القرية”.

تُظهر الصور جنود “كتيبة الكوماندوز الأولى” التابعة لـ “لواء الكوماندوز 49” في القوات التركية، ضمن القاعدة العسكرية التي انشأتها تركيا في قرية “الداودية” شرقي رأس العين/سري كانيه. المصدر: وكالة أنباء “الأناضول”. 

 

صورة قمر اصطناعي تُظهر قرية “الداودية” بتاريخ 17 حزيران/يونيو 2019، أي قُبيل احتلالها بفترة قصيرة.

 

صور ملتقطة بواسطة القمر الاصطناعي obretix تُظهر قرية الداودية بعد احتلالها بفترة قصيرة. المصدر: Samir.

 

صور أقمار اصطناعية تُظهر قرية الداودية بتواريخ مختلفة، قُبيل وبعد احتلالها وتحويلها إلى قاعدة عسكرية من قبل تركيا، وتظهر مقارنة الصور المنازل التي تم جرفها لإنشاء القاعدة العسكرية، المصدر: تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، الصادر في شهر أيلول/سبتمبر 2020.

 

وصية لم تُنفذ:

حملت عائلة “سلمان” حسرة كبيرة في قلبها بعد أن عجزت عن تنفيذ وصية أحد أفرادها، الذي توفي في مدينة الحسكة، وكان قد أوصى بدفنه في مسقط رأسه بقرية “الداودية”، وسرد “سعدون سلمان” القصة قائلاً:

“بعد مضي عدة أشهر على نزوحنا، توفي أحد أعمامي هنا في الحسكة، وكان قد طلب في وصيته أن يتم دفنه في قريته الداودية، مسقط رأسه. تواصلنا مع جيراننا في القرى المجاورة وأبدوا استعدادهم للمساعدة في مراسيم الدفن، وأخبرونا بأنهم سيستأذنون القوات التركية التي تتمركز في القرية حتى تسمح لنا بدفن الجثة”.

حاولت العائلة جاهدةً تنفيذ وصية فقيدها، لكن القوات التركية المتمركزة في القرية رفضت طلبها ومنعتهم من العودة إلى القرية، فاضطر أقرباءه إلى دفنه في إحدى القرى القريبة من الحسكة، حيث نزحت العائلة.

تشير الإفادات التي حصلت عليها “تآزر” أن القوات التركية المتمركزة في قرية “الداودية” قد حذرت سكان القرى والمزارع المجاورة من الاقتراب منها لأنها منطقة عسكرية، كما طلبت منهم إبلاغ سكان القرية الكُرد بأن لا يفكروا بالعودة إليها مجدداً.

 

فقدان الأمل بالعودة:

بالتزامن مع تحويل قرية “الداودية” إلى قاعدة عسكرية، جرفت القوات التركية ممتلكات في قرية “باب الفرج“، وحولت منازل سكانها إلى نقاط عسكرية وثكنات لجنودها، كما انشأت فيها مشفى ميداني، بحسب إفادات سكان القرية، التي عاش فيها الكُرد والعرب والسريان جنباً إلى جنب قبل احتلالها.

قابلت “تآزر” الشاهد “مظهر محمود/اسم مستعار” أحد النازحين قسراً من قرية “باب الفرج”، والذي تحدّث حول ما عاشته قائلاً:[7]

“بعد سيطرة الفصائل المسلحة على رأس العين/سري كانيه، بدأت تتقدم نحو الريف الشرقي للمدينة، حينها قمنا بإخراج الأطفال والنساء من القرية حفاظاً على سلامتهم، وكُنا نحن الرجال نبيت في بلدة أبو راسين/زركان ليلاً، ثم نعود صباحاً إلى القرية، واستمرينا على هذا الحال مدة أسبوع كامل”.

بدا الحزن والأسى واضحان على ملامح وجه “محمود” عندما استذكر لحظة سماعه نبأ احتلال قريته، لكنه تابع حديثه قائلاً:

“بينما كنت في بلدة أبو راسين/زركان أخبرني الجيران أنّ الفصائل المسلحة قد سيطرت على قريتي باب الفرج، وحذّروني من العودة إليها، خشيةً مما سمعناه عن الانتهاكات التي ترتكبها فصائل الجيش الوطني السوري في المناطق التي تسيطر عليها، لذا قصدنا مدينة الحسكة وتركنا خلفنا جميع مملكاتنا، منازلنا وأرضنا وأدوات ومستلزمات الزراعة، بما في ذلك مستودعاتنا التي كانت تضم كميات كبيرة من القمح والكمون والشعير”.

بعد مرور شهرين على احتلال قرية “باب الفرج” علم سكان القرية أنّ القوات التركية قد جرفت بعض المستودعات والممتلكات، وحولت المنازل إلى نقاط عسكرية وثكنات لجنودها، كما انشأت فيها مشفى ميداني، وقال “مظهر محمود” حول ذلك:

“كُنا على أمل أن نعود، لكن للأسف لم يتحقق ذلك، إذ منعت القوات التركية سكان القرية من العودة إليها عقب احتلالها، وانشأت حولها سواتر تربية، وأحاطتها بالدبابات والأسلحة الثقيلة، فيما علمنا أن القرية أصبحت موقعاً عسكرياً أشبه بمركز عمليات للجيش التركي بالقرب من خطوط التماس/منطقة خفض التصعيد في ريف بلدة أبو راسين/زركان”.

صور أقمار اصطناعية تُظهر قرية “باب الفرج” بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، عقب احتلالها وتحويلها إلى موقع عسكري من قبل القوات التركية.

 

التهديد بالقتل:

على الرغم من مضي أكثر من ثلاث سنوات على احتلال تركيا للمنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لا يزال “أيمن علي/اسم مستعار[8]“، يخشى العودة إلى قريته “السفح” في ريف رأس العين، بسبب تلقيه تهديدات مستمرة بالقتل من مسلحين في “الجيش الوطني السوري”.

ينتمي الشاهد إلى المكون الشيشاني، الذي يعتبر أقلية في رأس العين/سري كانيه، ويقيم مع عائلته حالياً في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، بعد نزوحه قسراً من مسقط رأسه في قرية “السفح” نتيجة عملية “نبع السلام التركية، وقد تحدث لـ “تآزر” حول أسباب نزوحه قائلاً:

“تلقيت تهديداً من أشخاص لا أعرفهم قُبيل بدء العملية العسكرية التركية، قالوا إنهم سيعدمونني فور دخولهم إلى المنطقة، لذا نزحت مع عائلتي قسراً في اللحظات الأولى من العملية، خوفاً على حياتنا”.

خسر الرجل الخمسيني جميع ممتلكاته التي تركها خلفه، حيث تمَّ الاستيلاء عليها من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري”، وحُرم من العودة إلى قريته عبر تهديده بالقتل، إن فكر في ذلك، وقد سرد ما جرى قائلاً:

“تمَّ الاستيلاء على جميع ممتلكاتي في القرية، بما في ذلك منزلي وأرضي الزراعية، بذريعة انتمائي المزعوم لقوات سوريا الديمقراطية/قسد، كما استمرت تلك القوات في تهديدي بالقتل بين الفينة والأخرى”.

لم يكتفِ مسلحو “الجيش الوطني السوري” بالاستيلاء على ممتلكات الضحية، بل قامت بحرق جزء كبير من منزله، ومنزل أخيه في قرية “السفح”، كما تستمر في استثمار أرضه الزراعية ومنعه وعائلته من استعادة ممتلكاتهم.

 

بيع منزل مدني مُهجر:

أثناء الهجوم التركي على منطقة رأس العين/سري كانيه ضمن عملية “نبع السلام” التركية، قرر عدد قليل من السكان البقاء في منازلهم، وعدم النزوح، رغم اشتداد حدة المعارك، ذلك سعياً للحفاظ على ممتلكاتهم من السرقة.

ظنَّ من بقوا في المدينة، أنَّ القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” لن تنتهك حقوق المدنيين، لكن الواقع كان مختلفاً، حيث تعرض جلّ من بقي في رأس العين/سري كانيه وريفها، وحتى من عادوا إلى المنطقة لاحقاً، للاستجواب والمساءلة من قبل تلك القوات، وتعرض آخرون لسوء المعاملة والتعذيب، كل ذلك بذريعة العلاقة المزعومة السابقة مع الإدارة الذاتية و/أو قوات سوريا الديمقراطية/قسد.

قابلت “تآزر” الرجل المسن “أبو علي” (72 عاماً) أحد سكان رأس العين/سري كانيه ممن بقوا فيها خلال العمليات العسكرية، وتمّ اعتقاله من قبل “الجيش الوطني السوري”، وقد سرد قصته قائلاً:[9]

“لم اغادر منزلي خلال العملية العسكرية، من أجل الحفاظ على ممتلكات عائلتي من النهب والاستيلاء، فأنا رجل مدني مسن ولا تربطني أي علاقة مع أي جهات سياسية أو عسكرية، لكن مع انتهاء الأعمال العسكرية داهمت دورية مدججة بعناصر مسلحين من فرقة الحمزة، منزلي في حيّ المحطة الشمالي، وقامت باعتقالي بشكل تعسفي، بعد أن عصبوا عيناي، دون أن أفهم سبب ذلك”.

اقتيد الشاهد/الضحية إلى مكان مجهول، وتمّ استجوابه والإفراج عنه بعد عدة أيام، لكنها لم تكن المرة الوحيدة، فقد تمّ توقيفه واستجوابه مرات عدة، ولاقى سوء المعاملة وتعرض للتعذيب إثر ذلك، وتحدث حول ذلك قائلاً:

“تمَّ استجوابي أربع مرات خلال أسبوع، واتهامي بالتعامل مع الإدارة الذاتية، وتعرضت لضرب وتعذيب شديدين، وحين إطلاق سراحي في المرة الرابعة، طلب مني أحد العناصر مغادرة المنطقة وعدم العودة إليها مجدداً”.

اضطر الشاهد إلى مغادرة رأس العين/سري كانيه، وتلا ذلك استيلاء فرقة “الحمزة” على منزله، بعد سرقة كل محتوياته، وقد علم مؤخراً أن مسلحين من فرقة “الحمزة” باعوا منزله إلى أحد النازحين السوريين الذين استقدمتهم تركيا إلى المدينة عقب احتلالها، بعد أن ادعوا ملكيتهم للمنزل استناداً لوثائق مزوّرة، بحسب ما أكده الشاري نفسه للشاهد لاحقاً، والذي وقع هو الآخر ضحية مسلحي “الجيش الوطني السوري”.

 

منع العودة:

لم تنتظر فصائل “الجيش الوطني السوري” طويلاً بعد بسط سيطرتها على مدينة رأس العين/سري كانيه حتى بدأت بارتكاب انتهاكات منظّمة بحقّ السكان المدنيين، وكان من جملة تلك الانتهاكات سلب الممتلكات والاستيلاء عليها، وطرد سكان أصليين ودفعهم إلى مغادرة المنطقة.

بتاريخ 1 كانون الأول/ديسمبر 2019، عاد مُسن كردي إلى المدينة للاطمئنان على ممتلكاته، لكنه فوجئ أن مجموعات تتبع لـ “الجيش الوطني السوري” قد صادرت منزله وممتلكاته، كما منعته من العودة وهددته بالاعتقال إذا لم يغادر المدينة.

قابلت “تآزر” ابن الضحية، الذي سرد ما حدث مع والده قائلاً:[10]

“عندما عاد أبي إلى رأس العين/سري كانيه، كان الجيش الوطني السوري قد صادر منزلنا وكتب كلمة (محجوز) لـ (أبو عبدو) على جداره الخارجي، وكذلك كلمة (الله أكبر)، وعلمنا من الجيران أن قيادي في تلك القوات يُكنى بـ أبو عبدو يقيم في المنزل، بعد أن رفع فوقه العلم الذي تتبناه الثورة السورية”.

منع مسلحو “الجيش الوطني السوري” والد الشاهد من دخول منزله أو حتى تفقده، بذريعة تعامل ابنائه المزعوم مع الإدارة الذاتية، كما هددته بالاعتقال والتعذيب إذا لم يغادر و/أو فكر في العودة مجدداً، وقال الشاهد حول ذلك:

 “كان الهدف الرئيسي من هذا الاتهام هو الاستيلاء على ممتلكاتنا ومنعنا من العودة، وفضلاً عن المنزل، قامت فصائل الجيش الوطني السوري بنهب محلاتنا في المنطقة الصناعية والاستيلاء عليها وعلى أرضنا الزراعية بالكامل أيضاً”.

تظهر الصورة استيلاء “الجيش الوطني السوري” على منزل الشاهد المسن، وكتابة كلمة “محجوز” على جداره الخارجي، ورفع “علم الثورة” الذي تتبناه المعارضة السورية فوقه. المصدر: الشاهد نفسه.

 

الخوف من العودة:

بدوره، يتحسر “فارس خلف” (52 عاماً) النازح قسراً من مدينة رأس العين/سري كانيه، على عدم قدرته على العودة إلى المدينة التي ولد وعاش فيها طوال حياته، قبل احتلالها، وبرر ذلك في حديثه لـ “تآزر” قائلاً:

“نزحت مع عائلتي مع بدء الهجوم التركي على رأس العين/سري كانيه بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وكحال أي كُردي آخر، أخشى العودة منذ ذلك الحين، خوفاً من التعرض للاعتقال أو انتهاكات أخرى، نظراً لسجل الجيش الوطني السوري الحافل بالانتهاكات الحقوقية في مناطق سيطرتها”.

استولت فصائل “الجيش الوطني السوري” على جميع ممتلكات الشاهد، حيث تحدث حول ذلك قائلاً:

“صادرت فرقة السلطان مراد منزلي المؤلف من طابقين في حيّ زرادشت في رأس العين/سري كانيه، بعد أن نهبت محتوياته، وحوّلته إلى مستودع لجمع وتخزين المسروقات من منازل الحيّ الأخرى، كما نهبت محلاتي التجارية في المنطقة الصناعية، والتي كانت تحتوي آلاف من قطع غيار الآليات الزراعية”.

يعيش الشاهد نازحاً مع عائلته في مدينة القامشلي/قامشلو، بعد أن خسر كل ما يملك، وقال إنه لا يفكر في العودة إلى رأس العين/سري كانيه، لا سيما في ضل حالة انعدام الأمان وفوضى السلاح التي تشهدها منطقة “نبع السلام”.

 

تحويل عيادة طبية إلى مقر أمني:

في مدينة تل أبيض، لم يكن المشهد مختلفاً كثيراً عن رأس العين/سري كانيه، حيث اتبعت فصائل “الجيش الوطني السوري” النهج ذاته في الاستيلاء على ممتلكات المدنيين، من مختلف المكونات، كما منعت العائلات الكُردية من العودة إلى مناطق سكنها الأصلية.

التقت “تآزر” بعدد من النازحين قسراً من مدينة تل أبيض، ووثقت قصصهم وشهاداتهم، بينهم طبيب الأسنان “علي عثمان” الذي كان يمارس مهنته في المدينة بشكل اعتيادي قبيل العملية العسكرية التركية.

تحدث “عثمان” المقيم حالياً في الرقة حول استيلاء “الجيش الوطني السوري” على ممتلكاته في مدينة تل أبيض، وقال لـ “تآزر”:

“استولت الفصائل على منزلي وعيادتي الطبية، بعد أسبوع من نزوحي وسيطرتها على المدينة، وحوّلت عيادتي الطبية إلى مقر أمني بعد سرقة جميع المعدات الطبية، وكذلك منزلي ومنازل أخرى بجواره تمّ تحويلها إلى مقرات عسكرية”.

صورة خاصة بـ “تآزر” تُظهر منزل الطبيب “علي عثمان” في مدينة تل أبيض، قبيل الاستيلاء عليه نتيجة عملية “نبع السلام” التركية. المصدر: الشاهد علي عثمان.

 

تدمير منازل نازحين قسراً انتقاماً منهم:

وتحدث شاهد آخر قابلته “تآزر”، ينحدر من ريف مدينة تل أبيض الجنوبي، حول استيلاء “الجيش الوطني السوري” على منزله وتدميره بالكامل، وسرد ما حدث قائلاً:

“عقب مضي أسبوع على نزوحي من قريتي (حويجة عبدي) نتيجة عملية (نبع السلام) التركية، استولى مسلحو الجيش الوطني السوري على منزلي وأرضي الزراعية في القرية، ثم علمت من الجيران لاحقاً أن الفصائل المسلحة قد قامت بتدمير منزلي بشكل كامل، بعد سرقة كافة محتوياته”.

وأضاف الشاهد أنّ فصائل “الجيش الوطني السوري” صادرت منزلين آخرين تعود ملكيتهما لأقربائه، بعد أن وجهت لهم تهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

وبناءً على كلام الشاهد تواصلت تآزر مع سكان آخرين من قرية “حويجة عبدي” الواقعة جنوبي تل أبيض، والتي شهدت عمليات استيلاء أخرى وكثيرة، والتقت بـــــــ “محمود عبدو/اسم مستعار” (25 عاماً) أحد سكان القرية، والنازح قسراً إلى مدينة الرقة، والذي قال:

“استولت فصائل الجيش الوطني السوري على منزلي في القرية ودمرته بواسطة تركس/جرافة، كما دمرت منزل والدي ومنازل العديد من أقربائي أيضاً، ذلك انتقاماً من عائلتنا، التي تضم أشخاص عملوا مع مؤسسات الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا”.

وبحسب الإفادات التي حصلت عليها “تآزر”، فإنّ العديد من انتهاكات حقوق الملكية في مناطق “نبع السلام” كانت بدافع الانتقام من أصحاب العقارات، سواءً بالاستيلاء عليها أو حرقها أو تدميرها، أما بذريعة تأييد أو تعامل الضحايا المزعوم مع الإدارة الذاتية، أو لعدم بقائهم في المنطقة ومغادرتها، أو فقط لكونهم كُرداً أو ايزيديين أو من أقليات أخرى في أحيان كثيرة.

 

الاستيلاء على الممتلكات في مناطق “غصن الزيتون”:

بدأت عمليات نهب الممتلكات في منطقة “عفرين” فور السيطرة التركية عليها، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة صوراً تُظهر عناصر “الجيش الوطني السوري” وهُم ينهبون المنازل والمحلات التجارية عقب دخولهم إلى مركز مدينة عفرين بتاريخ 18 آذار/مارس 2018، ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية AFP صوراً تُظهر مقاتلي الفصائل السورية يفتحون محالاً تجارية ومطاعم ومنازل ويسرقون منها مواد غذائية وأجهزة إلكترونية وسلعاً أخرى، قبل نقلها إلى خارج المدينة، كما أظهرت صوراً أخرى سرقة مقاتلي الفصائل لسيارات وآليات زراعية تركها النازحون قسراً خلفهم.

تُظهر الصور قيام مقاتلي “الجيش الوطني السوري” بنهب ممتلكات المدنيين في عفرين، عقب احتلالها من قبل تركيا، بتاريخ 18 آذار/مارس 2018. المصدر AFP.

عقب احتلال منطقة “عفرين” من قبل تركيا، وإيلاء إدارتها إلى فصائل “الجيش الوطني السوري”، وضعت تلك الفصائل يدها على ممتلكات المدنيين الكُرد في عفرين، ودمرتها، ونهبتها دون تعويض أصحابها، كما أسكنت مقاتلين وعائلاتهم في منازل السكان.

قابلت “تآزر” شاهداً من ناحية “راجو” في ريف عفرين، والذي نزح قسراً إلى مدينة حلب نتيجة عملية “غصن الزيتون” وتحدث حول مصير ممتلكاته التي تركها خلفه قائلاً:[11]

“بعد قرابة شهر واحد من سيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة على المنطقة، تلقيت اتصالاً من جارٍ لي كان قد عاد إلى مدينة عفرين، وتعرض للاعتقال والضرب والتعذيب، أخبرني أن فصيل أحرار الشرقية قد استولى على بستاني، بعد أن قام مسلحوه بقطع كلّ أشجار الزيتون المزروعة فيه”.

 وقال الشاهد/الضحية إنّ خشيته من الاعتقال و/أو القتل على يد القوات التركية أو فصائل “الجيش الوطني السوري” حالا دون تفكيره بالعودة إلى منطقته، حيث لا تزال ممتلكاته مُصادرة من قبل تلك الجهات، دون أن يكون قادراً على استعادتها.

لم تقتصر عمليات الاستيلاء على فصائل محددة في “الجيش الوطني السوري”، حيث شاركت معظم الفصائل في عمليات النهب والاستيلاء على الممتلكات، فضلاً عن تعرض منازل وممتلكات أخرى للتدمير نتيجة الأعمال العسكرية خلال عملية “غصن الزيتون” التركية.

تحدث “ريزان خالد/اسم مستعار” (53 عاماً)، نازح من قرية هوزان/قورتاغ في ناحية “بلبل” بريف عفرين، عن فقدانه منزله وممتلكاته نتيجة عملية “غصن الزيتون”، وقال لـ “تآزر”:[12]

“بعد نزوحي إلى حلب، مطلع شباط/فبراير 2018، بقيت متواصلاً مع جيراني الذين بقوا في عفرين، أو ممن عادوا إليها لاحقاً، وعلمت منهم أن منزلي قد دُمر بالكامل، نتيجة تعرضه للقصف من قبل الطائرات الحربية التركية، في أواخر شباط/فبراير 2018، قبل أن يتم نهب كامل محتوياته من قبل عناصر فرقة السلطان مراد التي تمركزت في القرية عقب احتلالها”.

 

فقدت ولدها ومنزلها في آن واحد:

عاشت عائلة “شيرين/اسم مستعار” (47 عاماً) لحظات عصيبة أثناء الهجوم التركي على بلدتها في ريف عفرين، حيث فقدت العائلة أحد ابنائها نتيجة القصف التركي الذي رافق عملية “غصن الزيتون”، فضلاً عن الاستيلاء على ممتلكاتها عقب نزوحها قسراً.[13]

سردت الأم الثكلى لـ “تآزر” لحظة فقدان ابنها قائلةً:

“في اليوم الخامس والثلاثين من بدء العملية العسكرية التركية، سقطت قذيفة على الفرن الآلي في ناحية شران، وفقد على إثرها عدد من المدنيين حياتهم، من بينهم ابني البالغ من العمر (19 عاماً)، ذلك أثناء ذهابه لشراء الخبز، حيث ذهب ولم يعد، ولم نرَ حتى جثته بعد أن تحول بدنه لأشلاء متناثرة”.

بتاريخ 25 شباط/فبراير 2018، غادرت العائلة مسقط رأسها في ناحية “شران”، بعد اشتداد القصف التركي على ريف عفرين، دون أن تحمل معها شيئاً من متاعها وممتلكاتها، بل حملت فقط حزناً عميقاً على ولدها الذي لم تحظى بفرصه دفنه بسلام.

حتى نيسان/أبريل 2018 تلقت العائلة أخباراً تفيد باستيلاء فرقة “السلطان مراد” على ممتلكاتها، وإسكان مقاتليها وعوائلهم في منزلها، وقد تحدثت الشاهدة حول ذلك قائلة:

“خيّم الحزن علينا بفقدان ولدي، أغلى ما أملك في هذه الدنيا، ووصلتنا لاحقاً أخبار باستيلاء مقاتلي فرقة السلطان مراد على ممتلكاتنا وإسكان عائلاتهم فيها، ما زاد من حالنا سوءاً، كما علمنا من الجيران أن منزلنا قد تمّ تحويله إلى سجن في البداية، لكن بعد مرور ستة أشهر تمّ تسليمه إلى أحد عناصر الفرقة، الذي يقيم فيه مع عائلته، بعد نهب كافة محتوياته”.

 

استيلاء وتهديد:

تلقى “شيخو وليد/اسم مستعار” (47 عاماً) اتصالاً من أحد عناصر “الجيش الوطني السوري” في عفرين، عقب احتلالها من قبل تركيا، في آذار/مارس 2019، طالبه بدفع فدية مالية لقاء عدم مصادرة ممتلكاته وبساتينه الممتدة على مساحات واسعة في ريف المدينة، ومنحه مهلة محددة للتنفيذ.[14]

رفض الشاهد دفع الفدية المالية، وتحدث لـ “تآزر” حول ما جرى قائلاً:

“بعد مرور خمسة أيام على انتهاء المهلة المحددة، ورفضي دفع الفدية المالية، أخبرني أحد جيراني أن الفصائل المسلحة قد صادرت أحد معاملي وحوّلت صالته إلى حظيرة للأغنام التي سرقتها من ريف عفرين”.

حتى أواخر أذار/مارس 2018، استولى أحد عناصر فصيل “أحرار الشرقية” على منزل “وليد” في مدينة عفرين، إذ لم يتمكن من العودة تفقد ممتلكاته بسبب التهديد المستمر له من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري” بالسجن والتعذيب، وقد تحدث الشاهد حول ذلك قائلاً:

“لم أفكر في العودة إلى عفرين، لذا طلبتُ من أحد أقربائي هناك أن يتفقّد منزلي وأن يرسل لي صوره، لكنّه رفض وأخبرني بأنّ لا أحد يستطيع الاقتراب من المنزل بعد أن تمّ الاستيلاء عليه، وسيكون من يحاول عُرضة للاعتقال والتعذيب، ويُجبر على دفع فدية مالية لقاء حريته”.

وأضاف الشاهد/الضحية أنّ ناحية “راجو” التي ينحدر منها، لم يتبقَ فيها سوى 50 عائلة كُردية، من أصل أكثر من ألف عائلة كانت تقطنها قبل عملية “غصن الزيتون”، حيث حالت الانتهاكات التي ترتكبها القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” إلى مغادرتهم للمنطقة وعدم قدرتهم على العودة.

 

نهب أعمال تراثية كُردية:

يستذكر الفنان التشكيلي “حنيف عثمان حمو” (66 عاماً) بأسى بعض لوحاته الفنية حول التراث الكُردي، والتي تمّ نهبها والاستيلاء عليها وعلى منزله في قرية “مسيكان/موسكه” بناحية “راجو” في ريف عفرين، وقد قال لـ “تآزر” حول ذلك:

“لا زلت اتذكر تلك اللحظة من شهر نيسان/أبريل 2018، حين وصلني خبر من أحد الجيران مفاده أن عنصراً يتبع لأحد فصائل الجيش الوطني السوري قد استولى على منزلي في القرية، والذي كان محاطاً بأشجار الزيتون المثمرة”.

تمثل لوحات “حمو” تلك، التي يسرد من خلالها التراث الكُردي، إرثاً تاريخياً قيّماً بالنسبة له، لكنها معظمها سُرقت أو تمّ تشويهها بشكل متعمد، ويقيم الشاهد حالياً في مدينة حلب، التي نزح إليها مع عائلته نتيجة عملية “غصن الزيتون” التركية، وقال لـ “تآزر” إنه يخشى العودة إلى عفرين مجدداً:

قررنا عدم العودة في ظل سيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة على المنطقة، نظراً للانتهاكات التي ترتكبها هذه الجماعات بحق السكان الكُرد العائدين إلى منازلهم“.

تُظهر الصورة الفنان التشكيلي “حنيف حمو” في مرسمه ضمن منزله في قرية “مسيكان/موسكه” بناحية “راجو” في ريف عفرين، قبيل احتلالها من قبل تركيا في عام 2018. المصدر: الشاهد حنيف حمو.

 

تحديات العودة:

لم يحظَ النازحون قسراً من عفرين، في أحيان كثيرة، حتى بفرصة تفقد ممتلكاتهم عقب الاستيلاء عليها كنتيجة لعملية “غصن الزيتون” التركية، كما في حالة “رمزي رشيد” (67 عاماً)، الذي تمّ الاستيلاء على منزله في قرية “ميدان أكبس” بناحية “راجو” في ريف عفرين.

علم “رشيد” من جيرانه في القرية أن منزله قد تمت مصادرته وإسكان عائلة أحد مقاتلي “الجيش الوطني السوري” فيه، وتحدث لـ “تآزر” حول ذلك قائلاً:

“أخبرني أحد الجيران، ممن عادوا إلى القرية عقب احتلالها، أن منزلي قد تمّ الاستيلاء عليه من قبل عنصر في الجيش الوطني السوري، الذي يقطن فيه مع عائلته منذ حينها، وكنت قد زرعت بمحيطه بستاناً يضم نحو 20 شجرة حمضيات، كالبرتقال والمانجو والرمان والتفاح والإجاص والتين”.

يقيم الشاهد حالياً في قرية “بابنس” بمنطقة الشهباء شمالي حلب، التي تخضع لسيطرة مشتركة بين وحدات حماية الشعب YPG وقوات الحكومة السورية، وقد أوضح لـ “تآزر” إنه لا يستطيع العودة إلى قريته في ريف عفرين، خوفاً على حياته، وبرر ذلك قائلاً:

“بعد نحو عام من احتلال عفرين، أي خلال عام 2019، طلبت أحد الجيران، عبر اتصال هاتفي، زيارة منزلي وتفقده من الداخل، وأثناء محاولته زيارة المنزل، منعه المسلّح الذي يسكن في المنزل من ذلك، وطرده مهدداً باعتقاله إن عاد مجدداً، واعتقالي إن فكرت في العودة”.

وفضلاً عن الاستيلاء على منزل الشاهد، فأن منازل أخرى تعود ملكيتها للمدنيين النازحين قسراً من قرية “ميدان أكبس” في ناحية “راجو” بريف عفرين قد تمّ تدميرها خلال عملية “غصن الزيتون”، دون تعويض أصحابها، ذلك بحسب الإفادات التي حصلت عليها “تآزر” من سكان القرية.

في قصة أخرى، علمت “أمينة بدران/اسم مستعار” (51 عاماً) النازحة قسراً من عفرين، أنّ منزل عائلتها قد احتُرق، كما تمّ الاستيلاء على بستانهم في قرية “المطلة/زاركا” بناحية “راجو” في ريف عفرين، من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري”. [15]

سردت “بدران” تفاصيل قصتها لـ “تآزر” قائلةً:

 “بعد مضي شهر على نزوحنا من عفرين، نتيجة عملية (غصن الزيتون) التركية، وتحديداً في شهر نيسان/أبريل 2018، عاد شقيق زوجي إلى المنطقة، وصُدم برؤية منزل شقيقاه، وأحدهما زوجي، قد احتُرقا بالكامل، كما وجد أن فصائل الجيش الوطني السوري قد استولت على بستان زوجي الذي يضم 35 شجرة زيتون مُثمرة”.

حذر المسلّحون الذين استولوا على بستان العائلة، شقيق زوج الشاهدة، من الاقتراب من البستان مرةً أخرى، وهددوه بالاعتقال والتعذيب حتى الموت في حال عودته إلى المنطقة مجدداً.

تحدثت “تآزر” إلى شاهد آخر من ناحية “راجو” في ريف عفرين، والذي قال:

“نظراً للانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل المسلّحة بحق السكان الكُرد العائدين إلى منازلهم وأراضيهم، قررت عدم العودة، وكلفني ذلك خسارة بستاني البالغة مساحته 58 ألف م2، والذي يضم نحو 350 شجرة زيتون بعمر ست سنوات، بالإضافة إلى 6 محلات تجارية كانت تحتوي على مواد ومستلزمات لديكور المنازل، تقدر قيمتها بنحو 70 ألف دولار أمريكي”.

ارتكبت فصائل “الجيش الوطني السوري” معظم انتهاكات حقوق الإسكان والأرض والملكية في منطقة عفرين، لكن في أغلب الأحيان لم يتسنَ للضحايا تحديد الفصيل المسلّح المسؤول عن الانتهاك بدقة، كما هو الحال مع النازح “شكري حمو/اسم مستعار” (72 عاماً)، الذي تمّ الاستيلاء على منزله ومحطة محروقات ومعمل لمواد البناء ومغسلة بريف ناحية “شران”، دون أن يعلم هوية الفصيل الذي استولى على ممتلكاته.[16]

تحدث الشاهد لـ “تآزر” قائلا:

“استولت الفصائل المسلّحة على جميع ممتلكاتي وممتلكات أبنائي، وعلمت أنهم قاموا بتأجير محطة المحروقات الخاصة التي كنت أملكها، لأحد النازحين الذين استقدمتهم تركيا إلى المنطقة عقب احتلالها”.

وقال الشاهد إنه يخشى العودة إلى عفرين، لا سيما بعد تعرّض أحد أقربائه ممن عادوا، للاعتقال والتعذيب، بذريعة التعامل “المزعوم” مع الإدارة الذاتية و/أو قوات سوريا الديمقراطية.

معظم النازحين قسراً ممن تحدّثت إليهم “تآزر” قالوا إنهم يخشون العودة إلى مناطق سكنهم الأصلية أو حتى تفقد ممتلكاتهم بعد النزوح، خوفاً من التعرّض للاعتقال والتعذيب على يد فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض المدعوم من “أنقرة”، نتيجة استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي شمال سوريا، وإفلات مرتكبيها من العقاب، فضلاً عن عدم وجود آليات انتصاف فعالة.

 

———————-

[1] تمَّ توثيق ذلك أيضاً في تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، الصادر في شهر أيلول/سبتمبر 2020، وتحديداً في الفقرة 46 والمتوفر على الرابط التالي (آخر زيارة للرابط: 26 كانون الأول/ديسمبر 2022).

[2] سوريا: رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة يحذر الجمعية العامة من أن الحرب ضد الشعب السوري مستمرة بلا هوادة، الأمم المتحدة، بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. (آخر زيارة للرابط: 26 كانون الأول/ديسمبر 2022).

[3] المبدأ 21 من المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي، التي تم اعتمادها في النمسا عام 1998، والمقر في الجلسة الرابعة والخمسون للجنة حقوق الإنسان. (آخر زيارة للرابط: 26 كانون الأول/ديسمبر 2022).

[4] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قاعدة بينات القانون الدولي الإنساني، قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، القاعدة رقم 129. (آخر زيارة للرابط: 26 كانون الأول/ديسمبر 2022).

[5] المصدر السابق نفسه.

[6] النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (هـ) (٨”).

[7] تمَّ إخفاء معلومات الشاهد بناءً على رغبته.

[8] تمَّ إخفاء معلومات الشاهد بناءً على رغبته.

[9] تمَّ إخفاء اسم الشاهد، وبعض المعلومات بناءً على رغبته.

[10] تمَّ إخفاء اسم الشاهد، وبعض المعلومات بناءً على رغبته.

[11] تمَّ إخفاء معلومات الشاهد بناءً على رغبته.

[12] تمَّ إخفاء اسم الشاهد، وبعض المعلومات بناءً على رغبته.

[13] تمَّ إخفاء معلومات الشاهدة بناءً على رغبتها.

[14] تمَّ إخفاء معلومات الشاهد بناءً على رغبته.

[15] تمَّ إخفاء معلومات الشاهدة بناءً على رغبتها.

[16] تمَّ إخفاء معلومات الشاهد بناءً على رغبته.

The post أين بيتي: انتهاكات حقوق الملكية في شمال سوريا تُكرّس التغيير الديمغرافي appeared first on تــآزر.

​  

تــآزر 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

Exit mobile version