التطورات الأخيرة لم تكن في صالح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ويبدو أن هنالك فرصة حقيقية لهزيمته وحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرر إجراؤها في 14 من أيار/مايو الجاري.
يأمل أردوغان بإعادة انتخابه بالتأكيد، حتى ولو ليتسنى له ترأس احتفالات ذكرى مئوية تأسيس الجمهورية التركية فقط، والتي ستقام في وقت لاحق خلال هذا العام.
تم الإعلان عن تأسيس تركيا الحديثة في 29 من تشرين الأول/أكتوبر 1923، برئاسة مصطفى كمال أتاتورك، كأول رئيس لها. ومن أكبر انجازاته هو استبدال الحكم العثماني القديم، والاستبدادي، والديني، بحكم علماني بصيغة غربية في الإدارة. ومنحه البرلمان بشكل رسمي لقب “أب الأتراك” لاحقاً.
على مدى 20 عاماً مضوا، كان أردوغان يحكم البلاد، أولاً كرئيس للوزراء، ومن ثم كرئيس لها منذ العام 2014. وقد أمضى أردوغان، وهو من أشد المقربين لجماعة الإخوان المسلمين، معظم فترات حكمه محاولاً نسف بعض إنجازات أتاتورك.
الميول السلطوية
تحول حكم أردوغان إلى حكم شبيه بالاستبدادي، وهو تطورٌ تسارعَ بعد الانقلاب المناهض للحكومة في تموز/يوليو 2016، والذي لا تزال بعض جوانبه غير واضحة، إلى جانب إظهاره الميول الاستبدادية منذ البداية.
بعد سجن الآلاف من المعارضين السياسيين والصحفيين والشخصيات العامة البارزة، قام أردوغان أيضاً – وبشكل منهجي – بتقييد التغطية الحيادية للأحداث الوطنية والدولية من قبل وسائل الإعلام. وفقاً لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، فإن حوالي 90٪ من وسائل الإعلام الوطنية التركية تخضع الآن لسيطرة الحكومة. وفي مارس/آذار رفضت الحكومة تجديد رخصة البث لصالح الوسيلة الإعلامية الألمانية “دويتشه فيله”.
ومع ذلك، لا تزال سلطة أردوغان خاضعة لقيود معينة. فالنظام الانتخابي التركي تمكن من النجاح في البقاء مستقلاً إلى حد كبير من تدخل الحكومة. وبقيت العملية الانتخابية في تركيا، والتي ُتدار بإشراف مباشر، من البقاء حرة ونزيهة نسبياً.
تراجعت تقديرات الجمهور إزاء أردوغان وحزبه لأسباب عديدة. فبعد الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا في 6 فبراير/شباط، وعلى إثره ُترك ملايين الأتراك بلا مأوى، تعرض كل من الرئيس والحزب الحاكم لانتقادات واسعة، لفشلهم على المدى الطويل في إحداث إصلاحات في أنظمة البناء في البلاد قبل حدوث الكارثة. بالإضافة إلى شجبهم لسوء إدارتهم جهود البحث والإنقاذ بعد ذلك، بينما ُطرحت أسئلة حول مدى دقة المبالغ الضخمة التي تم جمعها عبر ما يسمى بضريبة الزلزال، المفروضة منذ عام 2002 (حوالي 4.7 مليار دولار بالمجمل)، وتم التصرف فيها.
أزمة تكلفة المعيشة
استقرت تكلفة المعيشة في الأشهر الأخيرة، وكذلك معدل التضخم، إلا أن هذه الأزمة المستمرة أثرت على كل الأسر التركية، وضغطت على إيراداتهم ومدخراتهم. لذلك بدأ أردوغان بإطلاق حملة إعادة انتخابه بتعهد حزبي بتخفيض مستويات التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي.
الخصم الرئيسي لأردوغان في الانتخابات الرئاسية هو كمال كيليجدار أوغلو. على عكس الانتخابات الرئاسية السابقة عندما واجه أردوغان معارضة مفككة، يتسابق كيليجدار أوغلو كمرشح لستة أحزاب معارضة. كما أنه يحظى بدعم غير رسمي من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد في تركيا، والذي يترشح للبرلمان تحت راية حزب آخر، اليسار الأخضر، لوجود دعوى قضائية بحقه، تزعم وجود صلات له بالمقاتلين الكرد.
تحالف الأمة بقيادة كيليجدار أوغلو، والمعروف أيضاً باسم الطاولة السداسية، متحد في رغبته في إعادة تركيا من النظام الرئاسي، الذي تم إنشاؤه في عهد أردوغان، إلى النظام الذي يقوده البرلمان. لتغيير نظام الحكم، يحتاجون إلى الفوز بـ 400 مقعداً من أصل 600 مقعداً في البرلمان التركي، أو360 مقعداً على الأقل لتقديم اقتراح لإجراء استفتاء.
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية، فإن أي مرشح يمكنه تأمين أكثر من نصف الأصوات هو الفائز المباشر. في حال لم يتحقق ذلك، سيذهب السباق الرئاسي إلى جولة ثانية؛ بعد أسبوعين. في هذه الحالة، أي حزب يفوز في الانتخابات البرلمانية سيكون حظوظه أفضل للفوز بمنصب الرئاسة.
ربما تقلصت فرص كيليجدار أوغلو في الفوز بالانتخابات مباشرة في الجولة الأولى بسبب قرار زميله السابق في حزب اليسار الديمقراطي، محرم إنجه، بالانضمام إلى السباق الرئاسي. ويترأس إنجه حزب الوطن القومي العلماني وله حضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي. يقال إن الناخبين الشباب على وجه الخصوص قد أعجبوا به على منصة تيك توك (TikTok).
من المعروف أن استطلاعات الرأي التي تسبق الانتخاب غير موثوقة. وتظهر الاستطلاعات الأخيرة المنشورة على الإنترنت، على الرغم من افتقارها إلى معلومات حول الأرقام التي تم استطلاعها أو الأساليب المتبعة، أن كيليجدار أوغلو يتقدم على أردوغان. وأظهرت نتائج استطلاع نُشر في 14 أبريل/نيسان أن كيليجدار أوغلو حصل على 50.3٪ مقابل 43.8٪ لأردوغان.
أظهر استطلاع أجرته منظمة “بوليت برو” نُشر في 22 أبريل/نيسان، بأن كيليجدار أوغلو حصل على نسبة 47.7٪ وبينما أردوغان حصل على نسبة 43٪.
إذا كانت هذه الأرقام تعكس حقيقة نوايا الناخبين في البلاد، فإن كيليجدار أوغلو لديه فرصة للفوز بالرئاسة في الجولة الأولى.
الانتقال السلمي للسلطة
هذا الأمر يترك السؤال مفتوحاً عما إذا كان أردوغان سيوافق، في حال خسارته، على انتقال سلمي للسلطة. في عام 2019، عندما خسر حزبه الانتخابات البلدية في اسطنبول، أصر أردوغان على إعادة الانتخابات حينها، ليٌصدم وقتها بأن الناخبين لم يعيدوا انتخاب الفائز الأصلي فقط، أكرم إمام أوغلو، وإنما بهامش أكبر بكثير من المرة الأولى أيضاً.
لن يشارك إمام أوغلو في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فقد أُدين بإهانة المسؤولين الحكوميين، وحُكم عليه بالسجن 31 شهراً في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ومُنع من كافة الأنشطة السياسية. ومع ذلك، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً في صحيفة لوموند الفرنسية، فهو لا يقبع في زنزانة ما، لكنه كان يتجول في البلاد منذ أسابيع ويتلقى استقبالاً حاراً. ولم تكشف الصحيفة كيف تهرًب من عقوبة السجن.
وتزيد استطلاعات الرأي العام من الإثارة، لكن الأصوات الوحيدة التي يتم فرزها هي تلك الموجودة في صناديق الاقتراع. هنالك عدة أسابيع متبقية لموعد الانتخابات، وكما يقول المثل، فإن “الأسبوع” هو وقت طويل جداً في السياسة.
…………………………..
مقال رأي.
نيفيل تيلر: كاتب بريطاني ومحلل سياسي وخبير في شؤون الشرق الأوسط.
صحيفة: جيروزالم بوست.
ترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات-قسم الترجمة.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=22556