الخميس, أبريل 18, 2024

بيار روباري: هل حقآ مشروع الدولة الكردية طوي؟

آراء
25d825a825d9258a25d825a725d825b12b25d825b125d9258825d825a825d825a725d825b125d9258a-1569856

أعداء الكرد شيعة وسنة، يساريين ومحافظين، يرددون هذه الأيام وبكثرة ونشوة عالية، إن الحلم الكردي بالإستقلال وبناء الدولة إنتهى، وقد يكون للأبد. يستندون في ذلك إلى خسارة الكرد لنصف مساحة اقليم جنوب كردستان، ومن ضمنها مدينة كركوك الغنية بالنفط والغاز. إثر إنقلاب عائلة جلال طالباني بشكل خسيس على قيادة حزبهم ومبادئه وسياساته. ودخل نجل الطالباني بافيل، ووالدته هيروا أحمد، ونفرٌ من أقربائهم من نفس

العائلة، في صفقة قذرة مع الجنرال الفارسي قاسم سليماني، وأحد أبرز مسؤولي الحشد الشيعي الطائفي هادي العامري، وعلى ضوء الإتفاق تم تسليم مدينة كركوك الكردستانية للحكومة العراقية، دون إطلاق رصاصة واحدة!!

كل ذلك نكاية بمسعود البرزاني، حاكم الإقليم الغير شرعي، والذي أقصى عائلة خصمه

من الحكم وحرمها من كعكة النفط والغاز. أي أن هدف العملية برمتها، هو إزاحة عائلة المستبد والفاسد الحالي مسعود البرزاني، ليحلوا هم محله، أي عائلة الطالباني، لأنها لم ترتوي تمامآ بعد من الفساد، مثل منافستها. ومن أجل ذلك ضحت بالحلم الكردي في الدولة، ومعها كركوك ونصف مساحة الإقليم.

جلال الطالباني، بسبب إصراره على البقاء في سدة حزبه الى أن مات، لم يترك خلفه سوى حزب مشرذم ومنقسم، الى تيارات وأجنحة متصارعة فيما بينها، وعائلة كل هدفها في الحياة، هو النهب والسلب، والتسلط على رقاب الناس، والوصول للسلطة بأي طريقة كانت. وبسبب فشله في توريث الحزب على الطريقة البرزانية، لذا تمرد أبناءه بعد وفاته، ولم يعد يقبلون بالفتات، وهم يرون أبناء مسعود البرزاني، وأولاد إخوته، يستحوذون على كل شيئ، لذا قرروا إختصار الطريق، وقاموا بقلب الطاولة على راس مسعود وزمرته، بدعم من ملالي طهران الأفاعي. وفي النتيجة لن يجنوا سوى الخيبة والعار.

إن الإدعاء بأن الحلم الكردي بالدولة قد طوي، يجانب الصواب لسببين على الأقل، لأن الكرد ليسوا موجودين فقط في العراق. وثانيآ إن حلم الدولة والتطلع للإستقلال، لا يمكن أن ينتهي إلا بإنتهاء الإمة الكردية، وهذا من رابع المستحيلات أن يحدث. وبناءً عليه لا الاستفتاء صار من الماضي، كما يدعى رئيس الوزراء العراقي- الشيعي حيدر العبادي، ولا حلم الدولة والإستقلال طوي، كما يتمنى ذلك أعداء الكرد. فالإمة الكردية، أمة حية وباقية، وعمر القضية الكردية في العراق أكثر من مئة عام. ومثل هذا الكلام وأكثر قيل بعد القضاء على جمهورية كردستان الديمقراطية، بقيادة الراحل قاضي محمد.

المشروع الكردي لا زال حيّا يرزق وباقٍ، ويحتاج فقط لبعض الوقت لينهض من جديد، وهذا مرتبط بترتيب البيت الكردي أولآ، وثانيآ، بتغير ظروف المنطقة والمزاج الدولي،

حتى يطل هذا المارد برأسه من جديد. إنني واثق كل الثقة، من أن صفحة المشروع الكردي، في إقامة الدولة لم يطوى ولن يطوى، وبالتأكيد سيكون هناك جولات أخرى عديدة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو عسكري، ما دام العراق تكاد تصبح دولة دينية كاملة الأركان، ومن مذهب واحد على غرار شاكلة النظام القائم في ايران.

ولكن في المقابل خسارة مدينة كركوك ليست “إنتكاسة” كما يدعي مسعود البارزاني المغتصب للسلطة بقوة السلاح، والذي ختم حياته بعار كبير. إن ما حصل في كركوك وشنكال وغيرهما من المدن الكردستانية، هزيمة بكلّ معنى الكلمة. وهذه الهزيمة سببها خيانة القيادات الكردية من عائلتي الطالباني وخصمه اللدود البرزاني. ولو أنه أعطي الأمر للبيشمركة بالقتال، لما استطاعات جحافل الحشد الشيعي الطائفي، من تدنيس تراب كردستان، وإحتلال شبر واحد منها. المسؤولية تقع على عاتق عائلتي الطالباني والبرزاني، الذين رفضوا القتال والدفاع عن الإقليم بكرامة، وتقديم الغالي والنفيس في سبيل ذلك.

الإستفاء الكردي أجري، ولن تستطيع أي قوة في العالم الغاء نتائجه، وهو استفاء قانوني وشرعي ودستوري بكل المعايير، ولا غبار عليه من هذه الناحية على الإطلاق. والكرد لن يتخلوا عن هذا المشروع، وخاصة في ظل سيطرة الشيعة على كامل مفاصل الدولة، وتحويلها إلى دولة دينية، من لون طائفي واحد، موشح بالسواد، تتبع المرشد الصفوي في طهران، ويكون الحشد الشعيي الطائفي عمودها الفقري، بدلآ من بناء جيش عراقي وطني، مكون من جميع القوميات والطوائف والمذاهب. وهذا ما دفع بالكرد الى إجراء الإستفتاء، وأخذ رأي الشعب في الأمر، بعدما سُدت كل الأبواب أمامهم. بسبب تصرف الحكومة العراقية وكأنها حكومة الشيعة فقط، خلال السنوات القليلة الماضية. وثانيآ، عدم قدرة العبادي، التخلص من إرث سلفه نوري المالكي وسياسته الإقصائية، والتي حولت العراق إلى مجرد تابع بل مقاطعة إيرانية، كما صرح بذلك مسؤولين ايرانيين كبار. وفي الختام، لا يوجد أمام الشيعة والكرد سوى خياريين هما:

الخيار الأول: الخيار التجيكسلوفاكي.

إنفصل السلوفك والتجيك، دون إطلاق رصاصة واحدة، وتم التوقيع على وثيقة فض الشراكة بشكل سلمي. وجرى تنظيم كافة الاتفاقيات التي تنظم العلاقات المستقبلية بين الدولتين الجديدتين، إضافة الى معاهدة صداقة وتعاون. وجرت عملية الانفصال، وتحديد الحدود الجغرافية، وتقسيم الثروة بطريقة سلسلة، وفق مبدأ 2 الى 1، إستنادآ كان عدد كل طرف، فعدد مواطني التشيك حينذاك، كان ضعف عدد مواطني سلوفاكيا. عملية التقسيم بدأت كما هو معلوم عام 1993، ولم تنتي فعليا إلا في عام 2000، ولم يقتصر التقسيم على الثروة والممتلكات فقط، وإنما شملت نحو 2800 معاهدة، كانت تربط بين

تشيكوسلوفاكيا السابقة والعالم الخارجي. وكما شملت الحدود الجغرافية للدولتين، حيث

تم اجراء 18 تعديلآ على الحدود المشتركة، وجرى تبادل أراضي من قبل الجانبين هنا وهناك. وبهذه الطريقة السلمية والسلسة، ادخل التشيك والسلوفاك مصطلحا جديدا، إلى القاموس السياسي الحديث اسموه “الطلاق المخملي”.

الخيار الثاني: الخيار اليوغسلافي.

في الحالة اليوغسلافية، أصر الصرب على فرض الوحدة بالقوة، على كافة قوميات المكونة للجمهورية، مما حدا بالقوميات الإخرى رفض هذه الوحدة، والوقوف بوجها. ومن هنا كانت بداية الحرب العرقية في يوغسلافيا، وبدايتها كانت من جمهورية البوسنة والهرسك، في شهر أذار عام 1991، وانتهت بحرب “كوسوفو” في 21 من شهر حزيران عام 1999. النتيجة كانت تفكيك الدولة، وحفر جرح غائر في نفوس الجماعات المختلفة، والعدواعة التي خلفتها هذه الحرب الإجرامية العبثية، التي أثارها ستدوم لمئات الأعوام القادمة. هذا عدا الدمار الاقتصادي والعمراني الذي حلى بالبلاد.

فعلى على العرب بشيعتهم وسنتهم، أن يختاروا أحد الخيارين، وأنا متأكد بأنهم كالحمقى سيختارون الخيار الثاني أي اليوغسلافي، لأنه الأقرب إلى نفسياتهم وسيكولجياتهم الإجرامية، التى تعشق الدماء والموت، وتفضله على الحياة والبقاء. فهذا هو ديدنهم

منذ ألاف السنين. وما على الكرد إلا أن يتحضروا لهذا السيناريوا، ويكفوا عن ترديد شعار الحوار مع بغداد كالبغبغاء. فهؤلاء الناس لا يعرفون شيئ اسمه الحوار على الإطلاق.

وأخيرآ، قد يتسأل أحدهم ويقول: هل نسيت خيار التوافق والعيش المشترك؟ لا، لم أنسى وإنما لا أؤمن بجدوى هذا الخيار في الحالة العراقية. لأننا ككرد جربنا العرب السنة، ما يقارب 80 عامآ، والنتيجة كانت إبادة الشعب الكردي بالكيماوي والغازات السامة. والشيعة أيضآ جربناهم، ولم ننال منهم، سوى قطع الأرزاق (الرواتب)، والإقصاء عن الحكم، وإستعداء الأتراك والفرس على الكرد وحضهم على حصارهم بهدف قتلهم جوعآ إضافة لإحتلال مناطقهم من جديد، وتحريض الكرد على بعضهم البعض، بدلآ من شكر على محاربة تنظيم داعش، والإعتراف بنتائج الإستفتاء، وإحترام رغبة الشعب الكردي في الإستقلال. ما قيمة ومعنى وحدة العراق، وأنت أجبرت الكرد على هذه الوحدة، عنوةً؟ لذا في أي لحظة تسنح الفرصة للكرد، سينفصلون ويشكلون دولتهم على تراب وطنهم كردستان، شاء من شاء وأبى مَن أبى.

25 – 10 – 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *