التصنيفات
القسم الثقافي

تشكيلية سورية تعلقت بالسفر بحثا عن أفق للفن

هالة الفيصل هي ابنة سياسي سوري عريق، من مدينة حمص، نشأت في بيئة سياسية، حيث كان والدها واصل الفيصل زعيما سياسيا ووزيرا في الدولة السورية، درست الفنون الجميلة في دمشق، ثم الديكور في المعهد العالي للسينما في موسكو، ثم في المدرسة العليا للفنون في باريس، وأخيرا النحت في نيويورك، كما عاشت خلال سنوات حياتها في العديد من البلدان على غرار إيطاليا وألمانيا وإسبانيا وأميركا، لكنها تحن دائما لموطنها دمشق حيث تجاور جبل قاسيون بإطلالته الشامخة.

“العرب” التقت الفيصل في دمشق فسألتها أولا عن تأثير نشأتها السياسية على حياتها عامة وفنها خاصة، فقالت “كنت متأثرة بالسياسية ومبهورة بها بشكل كبير، كانت تُعقد في بيتنا الاجتماعات، وكنت طفلة صغيرة لا أعرف ما يدور حولي، لكنني كنت معجبة بالحالة عامة، نما بداخلي حوار عنيف، عمّا كنتُ أسمعه، وخاصة في ما يتعلق بالإنسان وكيف يساعد أخاه الإنسان عندما يكون فقيرا أو محتاجا، لكنني عندما كبرت لم أنتسب لأي حزب سياسي، حتى والدي ترك الحزب وهو في مناصب قيادية عندما رأى أن هنالك اختلالا ما، ولم يقبل أن يؤسس حزبا منشقا وظل في كل حياته اللاحقة وفيا لأفكاره”.

وهذه البيئة انعكست على فن الفيصل، حيث كرّست قسما كبيرا من فنها للمرأة، التي كثيرا ما دارت حوارات في بيتها عن ضرورة المحافظة على حقوقها، فباتت تدافع عن وجود المرأة كونها نصف المجتمع، وتقول في هذا الخصوص “أول معرض أقمته كان دفاعا عن المرأة بالريشة والكلمة أيضا، حيث واجهت وابلا من الانتقادات حينها”.

درست هالة الفيصل في أربع دول هي سوريا والاتحاد السوفييتي وفرنسا وأميركا، وعن رصيدها من العلم وما عرفته من حضارات أثناء هذه الرحلة، تقول “أثناء دراستي المبكرة، امتلكت طاقة كبيرة وكل المواد العلمية وكنتُ الأولى في الدراسة، أذكر أنني عندما التقيت، فالنتينا تيريشكوفا، أول رائدة فضاء في التاريخ، امتلكت رغبة أن أكون أول رائدة فضاء عربية، ولكن مع المرحلة الأولى من الشباب، انتسبت لمعهد لتعليم الرسم، وكان هنالك الأستاذ أحمد السباعي، الذي له كبير الفضل عليّ في توجهي للفن، كنت أرسم وهو يقول لي أنت فنانة، وكان يعرض صوري على الزملاء”.

وبتشجيع من أحمد السباعي دخلت كلية الفنون، وفي دمشق تعلمت الفنون في أول مرحلة، وفي الاتحاد السوفييتي درست الديكور في المعهد العالي للسينما، وهي مرحلة تقول عنها الفنانة السورية “هي مرحلة ثرية امتدت من عام 1985 واستمرت بعدها خمس سنوات، كانت صدمة حضارية لي وعالم جديد، دخلت المستشفى وأعطوني مهدأ، كنّا خمس طالبات في غرفة واحدة، لاحقا عندما تعلمت اللغة وتعرفت على بساطة الناس أحببتهم، وكانت مرحلة غنية وهامة جدا، تعلمت فيها الكثير من الفن الكبير الذي كان موجودا في موسكو”.

وفي ذلك المعهد تعرّفت الفيصل على نخب مثقفة من جميع أنحاء العالم، وهي التي تدرس يوميا من التاسعة صباحا إلى الرابعة مساء السينما، ثم تتحاور في الفترة المسائية مع جنسيات مختلفة حول مشاريعهم الفنية ورؤاهم السياسية. أما عن مرحلة باريس، فتقول “كنت فيها في عامي 1994 و1995 كانت صدمة حضارية جديدة، وهو جو مختلف تماما، الأناقة و’الشياكة’ في الكلام وحتى في طريقة الأكل”.

وتضيف “كنت حين أدخل مطعم ما، أشاهد الفن هناك، ففي المطعم كل طاولة بلون، والعلاقة بين الأستاذ والطالب مختلفة عن الاتحاد السوفييتي، ففي روسيا تحمل معنى التبجيل والتفخيم، لكنها في باريس مختلفة، يمكن أن يكون الأستاذ صديقك، وهناك أيضا تفاصيل أخرى متعلقة بالفن، مثلا، عندما درست في الاتحاد السوفييتي، كان الطلاب يرسمون الموديل الذكوري العاري، وكان الرجل الذي سيُرسم يبقى بسرواله الداخلي، هذا الأمر مختلف في فرنسا، حيث يقف الرجل عاريا تماما أمام الطلاب الذين يشرحون الجسم الإنساني فنيا لرسمه”.

والفكرة، كما تقول الفيصل “أن الفنان يجب أن يرسم أولا الجسم البشري كما هو بكامله وحقيقته، ثم يتسنى له أن يكسر ما شاء من القواعد حتى يرسم لوحاته، بيكاسو كان يقول “رسمت سبعين عاما، حتى استطعت أن أرسم بعدها بعفويتي”. أما أميركا فتعترف الفيصل “أضافت لي معلومات جديدة وخبرة كبيرة، هي عالم آخر، يسير بسرعة هائلة، عشت في نيويورك، وشاهدت عظمتها، كرهتها أولا، لكنني عندما تعلمت لغتها أحببتها، كانوا يهتمون بي عندما علموا أنني سورية وعربية، الأميركان أذكياء أخذوا كل شيء مميز في العالم، لكن ليس هنالك شيء على الأرض، كله يطير في الهواء، لذلك لا تشعر في أميركا بالأمان النفسي”.

عن تعاملها مع اللغات الثمانية التي تعرفها وكيف تحمل قيم أممها في نفسها قالت هالة الفيصل لـ”العرب”، “عرفت أن الإنسان يعرف المقابل الحقيقي في إنسان آخر عندما يتقن لغته، بحسب اللغة تفهم الشخص، عندما تريد معرفة شعب ما يجب أن تعرف لغته، عشت في العديد من البلدان، وتعلمت لغاتها رغبة مني في معرفة شعوبها، مثلا في نيويورك اقرأ بالإنكليزي وفي فرنسا أقرأ بالفرنسية وفي سوريا أقرأ بالعربية”.

وتسترسل “الدماغ آلية معقدة ومرنة وتلقائية في الآن ذاته، عندما أكون في بلد ما أتآلف معه وأحكي لغته وأنسى أنني أعرف لغات أخرى، تعلمت أكثر من لغة وأحببت الخصوصية التي تميزها عن غيرها، أحببت الفرنسية كونها لغة حساسة وجميلة وأدبية، وعندما تعلمت الإنكليزية صرت مبتعدة عن الفرنسية، فهي لغة الانطلاق والحرية، الألمانية رائعة بالمنطق الذي تحتويه، وهو المرتبط بالعاطفة”.

وعن تجاورها مع جبل قاسيون، وحتمية اللقاء به في كل عام، تقول “قاسيون ودمشق عموما هما سبب وجودي المتكرر في سوريا حديثا، اشتياقي لبيتي وإطلالته على قاسيون الذي يمثل لي شموخا كبيرا، هو صامد وثابت لا يهمه ما يجري من حوله، أدعي أنني أتعلم من الطبيعة كثيرا، من الجماد وحتى الحيوان، هل شاهدت حيوانا مكتئبا، لا، لأنه يعيش بعيدا عن الإنسان، نحن بحاجة للعودة إلى الطبيعة، في ألمانيا أذهب للحديقة والتصق بالعشب في اندماج مع الطبيعة، هذا المكان هو الرحم الذي لا أستطيع ولا أريد أن أخرج منه أبدا، كذلك لحمص التي أعيد اكتشافها حاليا مكانة كبيرة في قلبي”.

وعن مشاريعها المستقبلية في الغناء والتمثيل، تختم الفيصل حوارها مع “العرب” بقولها “لم أترك الغناء أبدا، ما زلت أتدرب على القيثارة، وقريبا سيكون لي مشروع غنائي مشترك مع شخصين سأفصح عنه في إبانه، كذلك واصلت التمثيل في ألمانيا، وأعمل حاليا على بروفة مسرحية جديدة، أما في سوريا فلا مانع عندي البتة من إعادة التجربة في حال طرح عليّ نص يناسبني”.

نضال قوشحة
“العرب” اللندنية

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version