التصنيفات
حقوق الإنسان رئيسي

طلب تصريح من المقررة الخاصة المعنية بالتعذيب حول أمر محكمة العدل الدولية بشأن أمر التدابير المؤقتة في قضية هولندا وكندا ضد سوريا

بيان:

أوّلاً: معلومات عن القضية

في 8 حزيران/ يونيو 2023، قدَّمت كندا وهولندا طلباً مشتركاً إلى محكمة العدل الدولية لمباشرة إجراءات ضد الجمهورية العربية السورية. يتعلق الطلب بمسؤولية سوريا الدولية عن “إخفاقها الجسيم والمنهجيّ” في الوفاء بالتزاماتها بحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة (سوء المعاملة) بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب.
طلبت هولندا وكندا من المحكمة أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة. وتشمل هذه التدابير، من بين أمور أخرى، الوقف الفوري للتعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي، وإتاحة الوصول إلى مرافق الاحتجاز، وتحسين ظروف الاحتجاز، وحظر إتلاف الأدلَّة، والكشف عن مواقع الدفن. وعلاوة على ذلك، طلَبَتا أن تقوم سوريا بتقديم تقارير منتظمة إلى المحكمة عن جميع التدابير المتَّخذة لتنفيذ التدابير المؤقتة، بدءاً من أجلٍ لا يتجاوز ستة أشهر من صدورها، وفي كلّ ستة أشهر بعد ذلك، ريثما يُحلَّ النزاع.
في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، أصدرت محكمة العدل الدولية أمرها الذي يشير إلى اثنين من التدابير المؤقتة. ينصُّ التدبيرُ الأوّل على أن تتَّخذ سوريا كل ما في وسعها من تدابير لمنع أعمال التعذيب وسوء المعاملة وضمان عدم ارتكاب موظَّفيها وأيّ مؤسسات أو أشخاص قد يخضعون لسيطرتها أو توجيهها أو نفوذها لأيّ أعمال من هذا القبيل. في حين ينصّ الثاني على أن تتَّخذ سوريا جميع التدابير لمنع إتلاف الأدلة وضمان الحفاظ عليها. وفي التوصّل إلى قرارها، نظرت محكمة العدل الدولية في مختلف التقارير التي أعدَّتها لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، والتي خلصت إلى وجود “أسباب معقولة للاعتقاد بأن الحكومة السورية استمرَّت في ارتكاب أعمال التعذيب وسوء المعاملة”.
وفي حين رحَّبت مجموعات الضحايا بالأمر بشكل صريح، واعتبرته “مؤشّراً قاطعاً على فظاعة أعمال التعذيب التي ترتكبها الحكومة السورية”، إلَّا أنها أعربت عن قلقها إزاء محدوديته الواضحة في معالجة خطورة الاختفاء القسري كشكل من أشكال التعذيب.[1] ويرجع ذلك أساساً إلى أنَّ أمر التدابير المؤقتة يفتقر إلى الدقة في تحديد التدابير المحددة التي يتعيَّن على الحكومة السورية تنفيذها لمنع التعذيب والحفاظ على الأدلة.

ثانياً: استمرار التعذيب على الرغم من قضية محكمة العدل الدولية وأمر التدابير المؤقتة

استمر التعذيب في سوريا بعد رفع قضية محكمة العدل الدولية. منذ 8 حزيران/ يونيو 2023، وهو التاريخ الذي رفعت فيه هولندا وكندا القضية وطلبت اتخاذ تدابير مؤقتة، حتى جلسة الاستماع العلنية في 10 /تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جرى توثيق ما لا يقلّ عن 15 حالة وفاة بسبب التعذيب من قِبَل السلطات السورية.[2]
أيضاً بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية أمرها بشأن التدابير المؤقتة في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، استمرّ التعذيب في سوريا. في شباط/ فبراير 2024، نشرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريراً يشرح بالتفصيل انتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها السوريون عند عودتهم إلى سوريا بعد فرارهم من البلاد. وخلص التقرير إلى أنَّ الكثير من العائدين السوريين يتعرَّضون لانتهاكاتٍ جسيمةٍ لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجاز التعسّفي والتعذيب والقيود المفروضة على حرية التنقّل والسكن غير اللائق وانتهاكات حقوق الملكية. وحصلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان على عدّة شهادات من العائدين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للحكومة الذين أفادوا بتعرّضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، واحتجازهم حتى اختفاء الجروح الظاهرة وآثار الأذى الجسدي قبل عرضِهم على قاضٍ أو الإفراج عنهم.[3] على سبيل المثال، وثَّق هذا التقرير حالةً تتعلّق بعائدٍ محتجَز في منشأة موالية للحكومة في دمشق. وكشف أنّ المحتجَز تعرَّض للضرب المبرح أثناء الاحتجاز. ولم يُسمح له بالمثول أمام قاضٍ (وكان قاضٍ عسكري في هذه الحالة) إلا بعد تلقِّيه جرعةً مكثَّفة لعدة أسابيع من الكورتيزون وأدوية أخرى لعلاج الكدمات وغيرها من أدلّة التعذيب.[4]
ويؤكّد التقرير الأخير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا في 9 شباط/ فبراير 2024، ويغطّي الفترة من 1 تموز/ يوليو إلى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2023، استمرار الحكومة في ممارسة الاحتجاز التعسُّفي والاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة، فضلاً عن حالات الوفاة في الحجز الحكومي، بما في ذلك تلك التي وقعت في سجن صيدنايا العسكري سيّئ السمعة، ما يؤكّد استمرار أنماط الجرائم ضد الإنسانية.[5] على سبيل المثال، وثّقت لجنة التحقيق الدولية حالة رجلٍ عاد إلى سوريا في إطار مبادرة “مصالحة” أقرَّتها الحكومة. ووفقاً للتقرير، شوهد الرجل آخر مرَّة على قيد الحياة، ولكنه كان أشبَهَ “بجثَّةٍ هامدة” في سجن صيدنايا العسكري من قِبَل عائلته في أواخر عام 2023. وفي وقتٍ لاحق، أبلغ أحد الوسطاءِ الأسرةَ بوفاته، ومع ذلك، لم تتمكن أُسرَتُه من الحصول على أيّ تأكيد رسمي بشأن وفاة الرجل أو موقعه الحالي.[6] وبالمثل، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 22 شباط/ فبراير 2024 بياناً وثَّقت فيه مقتل ما لا يقلّ عن 16 شخصاً تحت التعذيب منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية.[7] وهذا يسلّط الضوء على الاستخدام المستمرّ والمنهجي للتعذيب في سوريا على الرَّغم من قضية محكمة العدل الدولية وصدور أمر المحكمة بشأن التدابير المؤقتة.
علاوةً على ذلك، يستمرّ الاختفاء القسري سواءً كجريمةً قائمةً بذاتها أوكشكل من أشكال التعذيب الذي يتعرّض له الأفراد المختفون وعائلاتهم. طوال النزاع السوري، تعرَّض الآلاف للاختفاء القسري، ولا سيّما من قِبَل الحكومة. وقد ّوثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حتى تاريخ 18 نيسان/أبريل 2024، 112 ألف حالة لسوريين مختفين قسرياً، لا تزال مصائرهم وأماكن وجودهم مجهولةً، تاركين أفراد عائلاتهم في حالة من الترقّب وعدم اليقين تصل إلى حدِّ التعذيب الذي استمرّ بعد صدور الأمر.[8] ومنذ صدور أمر المحكمة، لم تبذل الحكومة السورية جهوداً فعَّالة للتحقيق في مصير المفقودين وتوضيح مصائرهم وأماكن وجودهم، وهو ما يؤكده رفض الحكومة السورية التعامل مع المؤسسة المستقلة للمفقودين في سوريا التي أنشأتها الأمم المتحدة مؤخراً. إضافة لذلك ، فقد أظهرت الحكومة السورية أيضاً بشكلٍ حثيثٍ نمطاً متعمّداً في مفاقمة معاناة العائلات من خلال إخفاء المعلومات عنهم، بما في ذلك إصدار شهادات وفاة للمحتجزين، وتقديم معلومات خاطئة لعائلاتهم عن سبب الوفاة، وإتلاف الأدلة والتلاعب بمواقع المقابر الجماعية، مما جعل العائلات غير قادرة على استعادة الجثث لتنظيم مراسم الجنائز. يؤكد أحدث تقرير صادر عن لجنة التحقيق، نُشر في شباط/ فبراير 2024، استمرار هذه الممارسة.[9]
من الأمثلة الأخيرة على تدمير الحكومة السورية للأدلة المرتبطة بالتعذيب والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء، تدميرُ موقعِ مقبرةٍ جماعيةٍ في القطيفة الواقعة في ضواحي دمشق. في كانون الثاني/ يناير 2024، أفادت رابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا أنَّ الحكومة السورية أجرت في كانون الثاني/ يناير 2023 عمليات جرف وتسوية موقع المقبرة الجماعية في القطيفة التي يُعتقد أنها تضم رفات العديد من المعتقلين السياسيين الذين أُعدِموا أو قُتِلوا تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز.[10] من خلال التلاعب بالمقبرة الجماعية وعدم الحفاظ عليها، أثَّرت الحكومة السورية سلباً على احتمالات استخراج الجثث المدفونة والتعرف عليها بنحوٍ فعّال، مما يتسبَّب في نهاية المطاف بإلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بحقّ العائلات في معرفة الحقيقة ويفاقَم معاناتِهم. على رغم أنَّ هذه الواقعة حدثت قبل صدور أمر محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة، إلا أنها واحدة من حوادث كثيرة توضّح تدمير الحكومة السورية الحثيث للأدلّة، وإخفاءها للمعلومات من خلال تدمير المقابر الجماعية. ولا يزال هذا الأمر يُعرقل حق عائلات الضحايا في معرفة الحقيقة، إذ لم تتخذ الحكومة أيّ إجراء للحفاظ على مواقع المقابر الجماعية بعد صدور التدابير المؤقتة.
وبالتالي فإنّ العائلات لا تتعرَّض للتعذيب نتيجة الاختفاء القسري فحسب، بل أيضاً بسبب إخفاق الدولة في إعمال حقّ هذه العائلات في معرفة الحقيقة. ويؤدي رفضُ تقديمِ المعلومات وإخفاؤها إلى تفاقُم الصدمة التي تعاني منها العائلات، ما يتسبب بمعاناة كبيرة تصل في حدّ ذاتها إلى مستوى التعذيب.

ثالثاً: الإصلاحات التشريعية المزعومة المتعلقة بالتعذيب في سوريا

قبل إصدار أمر التدابير الموقتة، أصدرت الحكومة السورية تشريعين محدَّدَين: قانون تجريم التعذيب، والتشريع المتعلق بإلغاء محاكم الميدان العسكرية. وفي حين أنَّ إجراء تقييمٍ تحليلي لهذه القوانين قد يبدو خارج نطاق هذه الورقة، إلّا أننا نعتقد أنّ هذه القوانين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقضية محكمة العدل الدولية وبمسألة ما إذا كانت التشريعات الحالية للحكومة السورية تُمكّنها من تنفيذ التدابير المؤقتة بفعالية وفقاً للمعايير التي تنصّ عليها اتفاقية مناهضة التعذيب. وقد عرضَت الحكومة السورية هذه التشريعات بشكل صريح في تقريرها المقدّم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان خلال المراجعة الدورية الرابعة في كانون الثاني/ يناير 2024 كجزء من إطار قانوني لحماية حقوق الإنسان في سوريا.[11]
سُنّ قانون تجريم التعذيب رقم 16 الصادر في 29 آذار/ مارس 2022، على رغم ادّعاءات الحكومة السورية المستمرة بأنَّ التشريعات المحلية القائمة تُجرّم التعذيب بشكل كافٍ. وقد صدر هذا القانون بينما كانت المفاوضات الرسمية بين هولندا وكندا من جهة، وسوريا من جهة أخرى، عملاً بالمادة 30 (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب، جارية. وقد روَّجت الحكومة السورية لهذا القانون كأداة لحماية حقوق الإنسان في سوريا. وقد يبدو للوهلة الأولى أنّ هذا القانون يتماشى مع اتفاقية مناهضة التعذيب، إذ يُقدّم تعريفاً شاملاً للتعذيب يعكس تعريف اتفاقية مناهضة التعذيب، كما أنّه يعاقب مرتكبي هذه الجريمة بعقوبات مشددة. ومع ذلك، رغم صدوره، لا يزال ضحايا التعذيب الذين يسعون إلى تحقيق العدالة وجبر الضرر يواجهون عقبات كبيرة بسبب الحصانة الممنوحة لمسؤولي الدولة بموجب القانون السوري. وهذا ما يجعل القانون غير قابِلٍ للتنفيذ عملياً، مما يُشكّل أهمَّ عائق أمام منع التعذيب، بما في ذلك الاختفاء القسري كشكل من أشكال التعذيب ضد عائلات المختفين.[12]
علاوة على ذلك، فإنّ القانون غير كافٍ لمعالجة الاستخدام الواسع النطاق والمنهجي للتعذيب في سوريا. وبالنظر إلى أنَّ سوريا لم تصادق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأنَّ قانون العقوبات فيها لا يعترف بالتعذيب كجريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب، فإن ذلك يضيف المزيد من التحديات أمام منع التعذيب في سوريا وتنفيذ التدبير المؤقت الأول. وفي هذا الصدد، من المهم الإشارة إلى أنَّ اللجنة المعنيَّة بحقوق الإنسان قد طلبت معلومات من الحكومة السورية بشأن التدابير المتخذة فيما يتعلق بقانون تجريم التعذيب رقم 16 وتطبيقه لمنع التعذيب وضمان إجراء التحقيقات والملاحقات القضائية وتعويض الضحايا. إلّا أن الحكومة السورية لم تقدم رداً واضحاً، بل اكتفت بسرد مواد هذا القانون مِن دون التطرق إلى الإجراءات الملموسة المتخذة للتصدي للاستخدام المنهجي للتعذيب وسوء المعاملة في سوريا.[13]
وبالتالي، فإن هذا القانون وحده لا يكفي لمنع التعذيب في سوريا. إذا كانت الحكومة السورية تنوي بصِدقٍ منعَ التعذيب، فيجب أن يترافق هذا الإجراء التشريعي مع إجراءات ملموسة. وتشمل هذه الإجراءات السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى مراكز الاحتجاز، والإفراج عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفياً، وتوفير معلومات عن مصير الأشخاص المختفين للتخفيف من معاناة أُسَرِهم، وإلغاء جميع أحكام الحصانة التي تمنع محاكمة موظفي الدولة المسؤولين عن التعذيب، وتنفيذ إصلاحات مؤسسية وأمنية شاملة. إلّا أن الحكومة أخفقت في اتخاذ أي إجراءاتٍ من هذا القبيل. لذلك، هناك مخاوف مشروعة من استخدام هذا القانون كجزء من دعاية الحكومة، وتصويرها على أنها أجرَت إصلاحاً تشريعيّاً يهدِف إلى منع التعذيب في سوريا.
علاوة على ذلك، أصدرت الحكومة السورية في 3 أيلول/ سبتمبر 2023 المرسوم رقم 32 القاضي بإلغاء المرسوم رقم 109 لعام 1968 وتعديلاته اللاحقة المتعلقة بإنشاء محاكم الميدان العسكرية في سوريا. في حين أنّ إلغاء هذه المحاكم قد يبدو أمراً إيجابياً بسبب تاريخها في قمع المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين، إلّا أن هناك مخاوف بشأن احتمال تكريس الإفلات من العقاب وفقدان الأدلة الحاسمة. اتسمت المحاكمات التي جرت أمام هذه المحاكم بالتعسّف والسريّة وتجاهُل الحق في المحاكمة العادلة، والاعتماد على الاعترافات التي انتُزِعَـت تحت طريق التعذيب. وغالباً ما كان الأفراد الذين حوكموا أمام هذه المحاكم يتعرَّضون للاختفاء القسري ويُحكَم عليهم بالإعدام في نهاية المطاف. ومما له أهمية خاصة بالنسبة إلى قضية محكمة العدل الدولية أنَّ المرسوم 32 ينصُّ على إحالة القضايا الجارية إلى القضاء العسكري للمحاكمة، تاركاً القضايا السابقة وسجلات المحكمة وأرشيفها مِن دون حل أو متابعة. إن عدم الوضوح فيما يتعلق بمصير السجلات والأرشيف يمكن أن يؤدّي إلى إتلاف الأدلة المتعلقة بتورط هذه المحاكم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب والاختفاء القسري. وهذا قد يعوق تنفيذ التدبير المؤقت الثاني، الذي يهدف إلى منع إتلاف الأدلة وبالتالي سيؤثر على حق العائلات في معرفة الحقيقة.
باختصار، لا تتوقع هذه الورقة أن تتناول المقرِّرة الخاصة هذين التشريعين من وجهة نظرٍ تحليلية أو تقييم مدى توافقُهِما مع التزامات سوريا الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. يمكن معالجة أوجه القصور فيهما من خلال رسالةٍ منفصلة من المقرِّرة الخاصة. إلّا أننا نعتقد اعتقاداً راسخاً أنَّ لهذين القانونين صلة كبيرة بتنفيذ التدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة، وبالتالي لا يمكن تجاهلها عند مناقشة تنفيذ هذه التدابير.

رابعاً: الحاجة إلى جهود موحَّدة لمراقبة تنفيذ التدابير المؤقتة

يؤكِّد أمرُ التدابير المؤقتة الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الأهمية الحاسمة للقانون الدولي في منع التعذيب وحماية ضحايا هذه الجريمة الخطيرة، ويبعث برسالة واضحةٍ مفادُها أنَّ المجتمعَ الدوليّ لن يتسامح مع استمرار الحكومة السورية في الاستخدام المنهجي للتعذيب وسوء المعاملة. ومع ذلك، وعلى رغم انقضاء ستة أشهر منذ صدور أمر التدابير المؤقتة، إلّا أن الحكومة السورية تواصِلُ استخدامَ التعذيب على نطاقٍ واسع، وآلاف الأرواح في مراكز الاحتجاز الحكومية على المحك. بالإضافة إلى ذلك، بإلغاء محاكم الميدان العسكرية مِن دون توضيح مصير القضايا السابقة وسجلات وأرشيف هذه المحاكم، من المحتمل أن تكون الحكومة السورية قد أتلفت الأدلة المرتبطة بالتعذيب والاختفاء القسري. وبالتالي فإنّ الحكومة لا تتقاعس فقط عن العمل على منع التعذيب والحفاظ على الأدلة، بل إنها تتمادى في استخدام التعذيب وإتلاف الأدلة.
في هذا الصدد، تلعب المقررة الخاصة المعنيّة التعذيب دوراً هاماً في تقديم توجيهات وتوصيات للحكومة السورية. نظراً للصفة الرسمية للمقرٍّرة الخاصة كونها خبيرةً للأمم المتحدة في قضية التعذيب، فإنّ خبرتها وتوجيهاتها يمكن أن تُساعدا بشكل كبير في تيسير امتثال الحكومة السورية لأوامر محكمة العدل الدولية والالتزامات القانونية الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. ويكتسب هذا الأمر أهميةً خاصة بسبب غياب التحديد والوضوح في أمر محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بأمثلةٍ ملموسة للتدابير التي يجب على الحكومة السورية اتخاذها لمنع التعذيب والحفاظ على الأدلة. قد تشمل هذه التوصيات، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

يجب على الحكومة السورية أن تقدِّم معلومات شاملة ومفصَّلة تُوضّح التدابير المحددة التي اتُّخِذت منذ صدور أمر التدابير المؤقتة لمنع التعذيب الذي يرتكبه مسؤولوها والحفاظ على الأدلة.
يجب على الحكومة السورية تقديم خطة شاملة تُحدِّد كيفية التنفيذ الفعال لقانون تجريم التعذيب رقم 16 لعام 2022 لمنع التعذيب. وينبغي أن تتناول هذه الخطة على وجه التحديد الاستخدام طويل الأمد والمنهجي للتعذيب، الذي يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، والحصانة المستمرة ضد مسؤولي الدولة الذين يُحتمل أن يكونوا مسؤولين عن التعذيب. وينبغي أن تشمل تدابير لضمان المساءلة عن الانتهاكات السابقة، ومنع الانتهاكات في المستقبل، وتوفير سبل الانتصاف للضحايا.
يجب على الحكومة السورية الكشف علناً عن سجلّات وأرشيف محاكم الميدان العسكرية الملغاة، حيث تُشكّل جزءاً مهماً من الأدلة المتعلقة بالتعذيب والاختفاء القسري ولا غنى عنها لضمان المساءلة وإنصاف الضحايا وإيصال الحقيقة إلى الأسر المتضررة.
يجب على الحكومة السورية منع الاختفاء القسري والتحقيق فيه وتوضيح مصير المختفين وأماكن وجودهم ونتائج التحقيقات ذات الصلة. وينبغي أن يشمل ذلك تحديد مواقع المقابر الجماعية والحفاظ عليها، والكشف عن المعلومات المتعلقة بأسباب وفاة المحتجزين، وإجراء فحوصات الطب الشرعي للرُّفات البشرية ومواقع الدفن، وتوفير المعلومات المتعلقة بإعادة الرُّفات إلى العائلات في حال الوفاة وضمان شفافية هذه النتائج. وفي هذا الصدد، يجب على الحكومة السورية التعاون مع مؤسسة الأمم المتحدة المستقلة المعنية بالأشخاص المفقودين في سوريا وتسهيل عملها لتحديد مصير ومكان وجود جميع المفقودين في البلاد، وهذا أمر ضروري لمنع المزيد من التعذيب الذي تتعرض له عائلات المفقودين.
يجب على الحكومة السورية تحسين ظروف الاحتجاز، والإفراج عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسُّفياً، وإغلاق مراكز الاحتجاز السرية والمراكز التابعة لأجهزة الأمن، وحصر الاحتجاز في مراكز نظامية خاضعة للإشراف القضائي. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة أن تضمن الوصول الفوري لمراقبة مستقلة في جميع أماكن الاحتجاز، وخاصة في مرافق مثل سجن صيدنايا وتلك الخاضعة لسيطرة أجهزة الأمن.
يجب على الحكومة السورية تقديم إحصاءات عن الأفراد المحرومين من الحرية، مصنَّفةً بحسب العمر والجنس والجنسية. وينبغي أن تشمل هذه البيانات عدد الأفراد المحتجزين رهن المحاكمة، وحالات الوفاة في مرافق الاحتجاز، وأسباب الوفاة، ونتائج أي تحقيقات في هذه الوفيات.
يجب على الحكومة السورية تقديم بيانات تفصيليّة حول التدابير المتخذة لتسهيل شكاوى أسر الضحايا، وإجراء التحقيقات، ومتابعة الملاحقات القضائية، وفرض العقوبات. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن توضِّح جهودَها لملاحقة مرتكبي هذه الانتهاكات وضمان توفير سبل انتصافٍ ناجعةٍ لأسر الضحايا.

المنظمات المرسلة:

البرنامج السوري للتطوير القانوني
المجلس السوري البريطاني
دولتي
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير
الشبكة السورية لحقوق الإنسان
اليوم التالي
العدالة من أجل الحياة
عائلات من أجل الحقيقة والعدالة
مركز أمل للشفاء والمناصرة
بيتُنا لدعم المجتمع المدني
ميثاق الحقيقة والعدالة
رابطة عائلات قيصر
ريليزمي
عائلات من أجل الحرية
تعافي
جمعية تآزُر من أجل الضحايا
تحالف عوائل الأشخاص المختطفين من قِبَل داعش (مسار)
الاتحاد العام للمعتقَلين والمعتقَلات
سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
المنتدى السوري في الولايات المتحدة الأمريكية
النساء الآن من أجل التنمية
رابطة المحامين السوريين الأحرار
مُحامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان
الرابطة الطبية للمغتربين السوريين
حرّاس حقوق الإنسان
المنظمة النسائية للعدالة الانتقالية
مركز وصول لحقوق الإنسان
عدالتي
مساواة
منظمة دار الشرق
فريق أصواتهم

_____________________________________________________________________________________________________________________

[1] مجموعة ميثاق الحقيقة والعدالة، “بيان حول أمر محكمة العدل الدولية بمنع التعذيب في سوريا”، (بالإنكليزية)، متاح على: https://hevdesti.org/en/statement-on-icj-order-to-prevent-torture-in-syria/

[2]  مداخلة هولندا وكندا (المحضر الحرفي) خلال الجلسة العلنية التي عُقِدت يوم الثلاثاء 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023، في قضية هولندا وكندا ضد سوريا، ص. 28، الفقرة 14.

[3]  المفوضية السامية لحقوق الإنسان ،”لم نخشَ الموت، بل الحياة هناك”، ( شباط/ فبراير 2024).

[4] نفس المرجع السابق، الفقرة. 88.

[5] تقرير لجنة التحقيق A/HRC/55/64، (شباط/فبراير 2024)، الفقرة 56-66.

[6]  نفس المرجع السابق، الفقرة. 61

[7]الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بيان صحفي، 22 شباط/فبراير 2024، متاح على: https://snhr.org/blog/2024/02/22/three-months-after-the-icjs-ruling-the-syrian-regime-has-blatantly-breached-it-killing-more-syrian-citizens-under-torture/ (آخر دخول في 30 نيسان/أبريل 2024)

[8]  الشبكة السورية لحقوق الإنسان (18 نيسان/أبريل 2024)، (آخر دخول في 18 نيسان/أبريل 2024).

[9] تقرير لجنة التحقيق A/HRC/55/64، (شباط/فبراير 2024)، الفقرة 56-66.

[10]  رابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا، “صور الأقمار الصناعية الأخيرة تكشف عن تعديلات أرضية في المقبرة الجماعية في القطيفة في سوريا،” كانون الثاني/ يناير 2024 (آخر دخول في 5 أيار/ مايو 2024)، متاح على: https://www.admsp.org/en/demolition-of-evidence/

[11] ردود الجمهورية العربية السورية على قائمة المسائل المتعلقة بتقريرها الدوري الرابع، CCPR/C/SYR/RQ/4، الفقرة. 4

[12] للاطلاع على تحليل متعمّق لهذا القانون، انظر تقرير البرنامج السوري للتطوير القانوني ومركز دياكونيا للقانون الدولي الإنساني “لا عدالة للتعذيب في سوريا: تحليل لقانون تجريم التعذيب لعام  2022 من خلال منظور حقوق الضحايا” (تشرين الثاني/نوفمبر 2023)، متاح على https://sldp.ngo/ar/blog/1551

[13]اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، CCPR/C/SYR/Q/4، الفقرة. 13؛ CCPR/C/SYR/RQ/4، الفقرة. 40-42

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

Exit mobile version