الجمعة, أبريل 19, 2024

عريب الرنتاوي: لا حل سياسيا لسورية بـ ‘تغييب’ أكرادها

آراء
25d825b925d825b125d9258a25d825a82b25d825a725d9258425d825b125d9258625d825aa25d825a725d9258825d9258a-1206144

سيُسجل تاريخ سورية الحديث أن أكرادها، أيا كان الإطار الذي ينظمهم، وحدات الحماية أو قوات سورية الديمقراطية “قسد”، قد لعبوا دورا كبيرا في الحرب على الإرهاب، وحرروا مساحات واسعة من سورية مما يُسمى “تنظيم الدولة الإسلامية – داعش”، وهم اليوم، ينشرون سيطرتهم على ما يقرب من 30 في المئة من مساحة سورية الإجمالية، وقد عملوا على نحو لصيق مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، واحتفظوا بعلاقات عمل وتعاون وثيقة مع روسيا، ونسجوا خيوط تحالفات مع أوساط عربية سورية، ومع دول وكيانات عربية أخرى.

بل ويمكن الذهاب أبعد من ذلك للقول: بأن المناطق التي سيطر عليها الأكراد وحلفاؤهم كانت الأكثر هدوءاً وتنظيما وانتظاما… أجريت فيها انتخابات لإدارات ومجالس محلية، وتمتعت فيها النساء بقدر كبير من الحرية والمشاركة، بما فيها المشاركة الميدانية في المعارك والمجابهات مع “داعش”، بخلاف مناطق سيطرة الجماعية الإسلامية المتشددة، التي أذاقت المواطنين “كأس المرارة”، ونكلت بنسائها ورجالاها، فيما ظلت المناطق الخاضعة للفصائل الأخرى، وتحديدا فصائل الجيش الحر و”الفصائل المتلبسة” عرضة لحروب “الأخوة الأعداء” ونهباً للفوضى ومظاهر البلطجة والتعدي على الحقوق والحريات والكرامات.

لا يعني ذلك، أن الحركة الكردية السورية، لم تقترف الكثير من الأخطاء والخطايا، فهي كغيرها من الأطراف المنخرطة في “حرب الجميع ضد الجميع” في سورية، تورطت في اتفاقات “مثيرة للشبهة” مع “داعش” مؤخرا، وتكشفت عن أحلام وتطلعات للهيمنة والتسلط، واتخذت إجراءات ضد المكونات الأخرى في مناطق سيطرتها، لا يمكن قبولها أو تبريرها، وتكشفت عن أطماع تفوق طاقة الأكراد والسوريين جميعا على الاحتمال، وخلّفت لنفسها عداوات وضغائن لدى بعض أطراف المعادلة السورية.

لكن المهم، أن أكراد سورية باتوا على الأرض قوة رئيسة وفاعلة في المشهد السوري، بل وتقع في المرتبة الثانية من حيث الاقتدار والانتشار، بعد قوات النظام وحلفائه، لاسيما بعد دحر داعش عن مساحات واسعة من الأراضي السورية، ومع ذلك، لاحظنا أن ممثلي هذا الفريق غابوا، أو بالأحرى غُيّبوا، عن مساري جنيف وأستانا، مثلما جرى استبعادهم من مسار سوتشي وإجراءاته التمهيدية حتى الآن، فكيف لفريق بهذا الحجم والقوة على الأرض، أن يغيب ويُغيّب عن موائد التفاوض وغرفه المغلقة؟ … وهل من مصلحة سوريا استثناء هذا الفريق وإقصائه؟ … وهل يمكن تصور حل نهائي للأزمة السورية، من دون انخراطه الفاعل في مجريات هذا الحل، ومن لحظة البداية وحتى إسدال الستار على الفصل الأخير؟ … وكيف يمكن لجماعات و”منصات” يعرف رعاتها وداعموها، أنها لا تحظى بوزن وتمثيل حقيقيين، لا داخل سورية ولا خارجها، أن تحضر في مسارات جنيف وأستانا وسوتشي – بعد حين – وأن تغيب عنها قوة فاعلة ورئيسة بحجم الحركة الكردية وحلفائها؟

موسكو أبدت منذ زمن رغبة في إدماج الحركة الكردية السورية في مجريات الحل السياسي واتفاقات التهدئة الميدانية التي رعتها وأشرفت عليها، وموفدو موسكو ساجلوا نظراءهم الأتراك والإيرانيين بضرورة انخراط الأكراد في مسار سوتشي ومؤتمر “الحوار الوطني السوري”، وهو المؤتمر الذي سبق لموسكو أن أطلقت عليه مؤتمر “شعوب” سورية، في إشارة خاصة إلى أكراد سورية … و”مشروع دستور جديد لسورية”، الذي عرضته موسكو على المعارضة السورية في بدايات مسار أستانا، تحدث عن “فيدرالية” سورية، تلاقي مطلب الأكراد الرئيس، ويعترف على ما يبدو بـ “الأمر الكردي الواقع” … لكن حلفاء موسكو وأصدقاءها، وتحديدا تركيا وإيران والنظام، عارضوا هذا التوجه، وإن بدرجات متفاوتة من الحدة والتشنج.

واشنطن، الحليف الأبرز للأكراد في سورية والداعم الرئيس لقوات قسد، دعت مؤخرا إلى إدماج أكراد سورية في مسار جنيف، ويبدو أن الموفد الأممي ستيفان ديمستورا التقط “الضوء الأخضر” الأميركي، ليبدأ مشاورات في هذا الصدد … ولا ندري كيف سيتطور الموقف الأميركي من هذه المسألة، وأين سينتهي.

وقبل عدة أسابيع، كانت دمشق تبعث برسالة تصالحية للأكراد في سورية، ووزير خارجيتها المخضرم وليد المعلم أعرب عن استعداد بلاده للقبول بمفاوضات مع أكراد بلاده من أجل التوصل إلى تفاهم حول شكل من أشكال “الحكم الذاتي” أو الإدارة الذاتية” … لم يقل الوزير شيئا عن “الفيدرالية” التي رفضتها حكومته من قبل، وترفضها من بعد، بيد أنه اشترط أن يكون الحوار مع الكرد، تحت سقف السيادة السورية، وفي إطار وحدة سورية.

العقدة الرئيسة التي تقف في وجه أكراد سورية وتطلعاتهم على اختلاف مستوياتها وأبعادها هي تركيا، وموقفها الرافض بشدة إشراك الأكراد في العملية السياسية وفي أية ترتيبات ميدانية، بل واعتبارهم امتدادا لما تسميه “إرهاب حزب العمال الكردستاني – التركي”، وتفضل إدراجهم في إطار الحرب الكونية على الإرهاب، بل وتتعامل مع “إرهاب الأكراد” بوصفه أشد خطورة من “إرهاب داعش”، وهي في الوقت الذي تُبقي فيه على قنوات الاتصال والتواصل مع “النصرة”، وتنسق خطواتها في إدلب مع هذا التنظيم الإرهابي وفقا للتصنيف الأممي، فإنها ترفض أي شكل من أشكال التحاور أو التواصل مع الحركة الكردية بشقيها السياسي والعسكري.

المقاربة التركية لمسألة أكراد سورية، لا تلقى قبولا من أحد تقريبا، لكن أنقرة بما لها من وزن وموقع وأدوار في أزمات الإقليم المختلفة، وبالنظر لتشابك مصالح دولية عديدة مع تركيا نجحت في “ابتزاز” أطراف عديدة بمن فيها واشنطن وموسكو، وأمكن لها أن تعطل مشاركة الأكراد في العملية السياسية بمختلف مساراتها وقنواتها حتى الآن، غير مدركة أنه من دون إدماج هؤلاء في النظام السياسي السوري الجديد الذي يجري التفاوض بشأنه، لا أمل في استرجاع أمن سورية واستقرارها، ولا أمل في حفظ أمن تركيا وحدودها على المدى الأبعد كذلك.

وأحسب أنه بات يتعين على كل من روسيا والولايات المتحدة أن تخرجا من دائرة الضغط والابتزاز التركيين، وأن تعملا سوية لإقناع أنقرة أو إرغامها على تقبل فكرة وجود مقعد كردي على موائد التفاوض والمحادثات، أولا لأن ذلك ضروري جدا لغايات حل الأزمة السورية سياسيا ومنع تقسيمها، وثانيا لأن أحدا لم يعلن موافقته حتى الآن على تشخيص تركيا للحركات الكردية السورية بوصفها حركات إرهابية، وإلا لما كانت واشنطن قد قدمت لها كل العون والإسناد، ولما كانت موسكو قد فتحت أبوابها أمام موفدي الحركة وقياداتها الذين لا ينقطعون عن زيارة موسكو والتداول معها.

يجب تشجيع الأكراد على المشاركة في العملية السياسية و”عقلنة” مطالبهم و”ترشيدها”، وهذا غير ممكن من دون أن يكونوا حاضرين على موائد التفاوض والاجتماعات … ويجب تحرير إرادة المعارضة السورية، من قبضة النفوذ التركي الذي يجعلها تردد ما تريد أنقرة أن تقوله على لسانها … ويجب إقناع النظام في دمشق، بأن “عقارب المسألة الكردية في سورية لن تعود إلى الوراء”، وأنه لن يكون قادرا على حكم سورية، بالوسائل والأدوات القديمة … ومن دون أن تتوافر هذه المقدمات، لن تكون “سورية ما بعد داعش”، في وضع أفضل مما كانت عليه قبلها.
موقع “الحرة”

شارك هذا الموضوع على

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *