الخميس, أبريل 18, 2024

محمد أرسلان: حينما تفقد السياسة أخلاقها

آراء

تعاني مجتمعاتنا الشرق أوسطية من داء ابتلينا به منذ عقود من الزمن ولا زلنا نئن تحت وطأته بالرغم من الكثير من محاولات البحث عن الدواء الناجع للتخلص من هذا الداء الذي بات يلازمنا وراح ينخر في أجسادنا الشابة المترهلة وكأننا في نهاية عمرنا.

الاستمرارية في حالات وعوارض الداء لا تعني أننا في حالة صحية جيدة وإن كنا وما زلنا نتناول الدواء الذي وصفه لنا أطباؤنا السياسيون على أنه الدواء الأمثل لهذا الداء. فربما تكون العلة في الدواء أو حتى في الطبيب أو الاثنين معًا وليست بالضرورة أن أجسامنا باتت مقاومة لمفعول هذا الداء أو أنها تأقلمت معه.

المعلوم علميًا أن جسد الانسان حيّ وأنه يتكيف مع الدواء ولكنه بنفس الوقت لا يتقبل أي دواء للحالة المرضية التي نعيشها. حينها علينا معرفة الذات كما قال سقراط “اعرف نفسك”، فمعرفة الذات تعتبر نصف العلاج والنصف الآخر يكمن في معرفة الدواء الذي ينبغي علينا تناوله، أي دواء يصلح لأي داء. وهنا علينا ألا نتناول أي دواء لأي مرض نعاني منه.

نكاد نعاني ونحن نعيش في هذه المنطقة من مرض عضال منذ زمن بعيد ومن تداعياته أيضًا، بالرغم من أنه تم وصف أدوية محددة لنا وينبغي تناولها للتخلص مما نعانيه من حالات ترهل وقيء وغثيان ودوار مزمن.

الكل على يقين أن المريض يبحث عن الحل ولكن على الرغم من كافة المحاولات التي تمت ما زلنا نعاني ما زلنا الأمراض نفسها والتداعيات عينها.

هنا ينبغي علينا التوقف لبرهة ونسأل ذاتنا، لماذا؟ بالرغم من تناولنا لهذه الأدوية التي تم أمُرنا بتناولها إلا أننا لا زلنا نعاني المرض. إذًا، لماذا؟ فهل يكمن الخطأ في الدواء أم في توصيف وتشخيص الداء أم في الطببيب؟

لطالما عانينا من حالة سوسيولوجية وفقدنا وعينا من خلال موروث آمنّا به على أنه لا يمكن العيش من دونها وأنها أي هذه الموروثات والعادات هي أساس رقي وتقدم المجتمع وأنها المقياس في أنك الرجل الصالح أم الطالح في المجتمع. لنبتعد قليلًا خطوة إلى الوراء وننظر إلى اسلوب وطرق عيشنا والأدوات التي نستخدمها للوصول إلى العلاج لأمراضنا.

فعلا يمكن أن نقول إن معظم أمراضنا سببها الظروف الخارجية وأنه علينا التقوقع على الذات وسدّ كافة المنافذ المؤدية للخارج لنحمي ذاتنا من الميكروبات التي تأتي من الخارج، فماذا عن الفيروسات الداخلية المعششة في جسدنا منذ زمن طويل؟ حينما نطرح هذا التساؤل على أنفسنا علينا أن نقنع ذاتنا بالجواب اليقين البعيد عن تحصين الذات من العيوب، بل الاعتراف بأننا وذاتنا ربما كانت السبب الرئيس والمكمل للسبب الخارجي والذي بدوره يؤثر على صحتنا ونعاني بسببه ما نعانيه من أمراض مزمنة أصابتها الغرغرينا وما علينا إلا أن نُدخل ذاتنا في العناية المشددة ونتحمل آلام عملية العلاج التي ربما تطول أو تقصر وذلك يعتمد على مدى استفحال المرض فينا.

الفساد، البيروقراطية، المحسوبية، الرشوة والكثير من الامراض التي نعانيها أسبابها عديدة منها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكذلك الشخصية، فلا يمكن القضاء على هذه الامراض وغيرها ببتر العضو المصاب من الجسم فقط، بل ينبغي علينا معرفة الأسباب المؤدية لهذه الأمراض ومحاربتها بأساليب وطرق متعددة وعدم الاعتماد على طريقة محددة ووحيدة.

كلنا على يقين أن الثورات الشعبية التي قامت في منطقتنا كانت ملتحفة بحقوق الشعب بالعيش بكرامة وحرية بعيدًا عن الأمراض المستفحلة فيه، وهي جرس انذار لنا جميعًا بأنه لا يمكن تأجيل العلاج أو التداوي بأدوية تقليدية تم تجربتها عبر التاريخ ولم تنجح في استئصال المرض بقدر ما أجلته إلى حين.

لا يمكن الحديث عن مجتمع متقدم من دون أن يمتلك الفرد في هذا المجتمع لوعي المعرفة وإدراكه المستقبل عن طريق المنطق والحياة المجتمعية والسياسة الأخلاقية. من دون هذه القيم لا يمكن لنا التخلص من أي مرض مجتمعي مهما كان ومهما استعملنا من أدوية وأساليب للقضاء عليه، وأن أي دواء نستخدمه لن يتعدى سوى في إطالة عمر المريض الذي يحفر قبره بنفسه بفأس التكرار المعجّل في موته المحتم. كلما زاد الوعي المجتمعي المحقون بالسياسة المجتمعية الاخلاقية كلما اقتربنا من الحالة الصحية للمجتمع والعكس سيكون السير نحو الموت بإرادتنا إن كان بوعي أو بدونه. وإذا أردنا معرفة النتائج حين تكون السياسة بعيدة عن الأخلاق، فما علينا إلا النظر إلى سوريا والعراق واليمن وليبيا ومعظم ما حولنا من دول نرى كيف أن الشعب يئن تحت وطأة النظم الحاكمة.

“وما أتيت إلا لأتمم مكارم الأخلاق”، جملة واضحة فيها الكثير من الفلسفة الحياتية التي لا يمكن العيش من دونها، أي أن الأخلاق أساس كل شيء، السياسة، الاقتصاد، الثقافة، الحرب، السلام، الانسان، الرجل، المرأة، المجتمع، التكنولوجيا، اللغة، الوطن والفن وغيرها الكثير من المصطلحات التي نعيش فيها لا يمكن أن تستمر برونقها وجمالها وحيويتها من دون أخلاق. وهذا ما نعانيه في حاضرنا في أننا نفتقد الاخلاق المجتمعية في عملنا وعلاقاتنا المجتمعية والسياسية وكل ما يرتبط بهما. التحجيم من سلطة الدولة على المجتمع وتوسيع مسئوليات مؤسسات المجتمع المدني وإعطاؤها دورها الطليعي ربما تكون الخطوة الأولى نحو بناء الفرد المنتج البعيد عن الاستهلاك والمنفذ لما يقوله ويصفه له الآخرون.

السياسة لا تعني فقط العلاقات بين الدول فهذه ليست سياسة بل هي علاقات تقوم بها فئات من أجل مصالح معينة بين الطرفين، ولا يمكن حصرها فقط بأنها فن حكم المجتمعات. إذ، يمكن تعريفها على أنها اختيار أنسب السبل لتوفير متطلبات واحتياجات المجتمع. ولكن من الذي سيحدد ماهية ونوعية أفضل السبل والطرق هذه، هنا يأتي دور الأخلاق في تحديد هذه الآلية أو تلك. نقول الأخلاق وليس القوانين. لأن القوانين تم وضعها لحماية مصالح الفئة النخبوية الحاكمة في المجتمع، بينما الأخلاق هي القيم المحددة للعلاقات بين الأفراد ضمن المجتمع وبنفس الوقت بين المجتمعات. وهذا ما يؤكد أنه لا غنى عن المجتمع السياسي والاخلاق في عملية بناء المجتمع الجديد، وكل شيء بعيد عن هذا الهدف لا يعتبر سوى ديماغوجية البرجوازية والحداثة الرأسمالية التي لا همَّ لها سوى منافعها الشخصية الخاصة والتي تعتمد الليبرالية أساس كل شيء في تعاملها.
“صدى البلد” المصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *