التصنيفات
حقوق الإنسان

منظمة: حصانة نظرية للقضاة السوري في ظل ضغوط السلطات التنفيذية والأجهزة الأمنية

قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إنّ تبعية الجهاز القضائي لرئيس الجمهورية ووزير العدل الذي يعتبر ذراع الرئيس التنفيذية في المؤسسة القضائية يُفرغ مبدأ “استقلالية القضاة” الوارد في الدستور السوري من مضمونه وينزع عن القضاة الحصانة القانونية.

وفي جاء في تقرير للمنظمة سلطت الضوء على فيه على قضية “فتون خير بيك” :

بتاريخ 27 أيار/مايو 2022، ناشدت القاضية “فتون خير بيك” الرئيس السوري بشار الأسد بصفته رئيساً للجمهورية ورئيساً لمجلس القضاء الأعلى، لحمايتها من شقيقتها “خلود خير بيك” التي قالت “فتون” عنها إنها ترتبط بعلاقات قوية مع ضباط رفيعي المستوى في الجيش السوري والقوى الأمنية.

المناشدة جاءت عبر مقطع مصور نشرته “بيك” على حسابها الشخصي في “فيس بوك“، وقالت “فتون” فيها إن أختها “خلود” كانت موقوفة منذ عام 2010 بعدّة دعاوى، منها الاحتيال والنصب على المواطنين والدولة، بالإضافة إلى دعاوى صرف نفوذ ومحاولة قتل.

وأضافت “فتون” بأن شقيقتها “خلود” تدّعي الارتباط بعلاقات قوية مع ضباط كبار في الدولة السورية، وهو ما يفسّر، وبحسب القاضية “فتون”، التهديدات التي وصلتها من عدّة شخصيات أمنية تحمل رتب عالية لدى الحكومة السورية، منهم العميد “قصي عباس” واللواء “غسان بلال” أحد القيادات الرفيعة في “الفرقة الرابعة”، التي يقودها شقيق الرئيس السوري “ماهر الأسد”.

وذكرت القاضية أن العميد “كمال حسن” رئيس “فرع المنطقة” (الفرع 227 التابع لشعبة المخابرات العسكرية) أرسل هو الآخر تهديدات شخصية لها بواسطة شخص يدعى “فادي. ر” مالك “صحيفة رحمو نيوز” وصاحب “جمعية البلابل السكنية”.

وفي ظل تلك الأجواء المشحونة، قررت القاضية “فتون” أخذ إجازة والمغادرة إلى دولة الامارات العربية المتحدة. لكن وبمجرد وصولها إلى الإمارات اتُّهِمت بدعوى قديمة عمرها 12 سنة، حسب قولها. مُتَّهمة كلاً من وزير العدل “احمد السيد” ووزير الداخلية “محمد رحمون” بفتح ملف الدعوى وزج اسمها فيه وأصبحت شريكة بالشروع بالقتل، ولم يسمحوا للمحامين الاطلاع على الإضبارة.

كما منعوها من التصرف بأملاكها، وتم وضع إشارة منع تصرف على المكتب الوحيد الذي تمتلكه في شارع “خالد بن الوليد” وسط العاصمة دمشق.

وفي منشور لاحق للقاضية “فتون” بتاريخ 5 حزيران/يونيو 2022، أكّدت مغادرتها سوريا وفقاً للإجراءات القانونية وحصولها على إجازة من وزير العدل قبل سفرها، ثم أخذ إجازة أخرى بعد وصولها إلى الإمارات.

  1. العزل لـ”مخالفتها تعليمات السلطات التنفيذية”:

لم تمر قضية القاضية “فتون” وما أثارته من جدل في الشارع السوري دون تدخل السلطات التنفيذية، التي وجهت لها “فتون” عدة اتهامات. ويشار إلى أن “فتون” هي قاضية في النيابة العامة التمييزية، من المرتبة الرابعة والدرجة الثانية.

وبعد حوالي شهر من نشر المقطع المصور، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد بتاريخ 27 حزيران 2022، مرسوماً حمل الرقم 175 لعام 2022. الذي نص على تنفيذ عقوبة العزل التي فرضها مجلس القضاء الأعلى بحق القاضية “فتون”، وتصفية حقوقها “وفقاً للقوانين النافذة”، معلا ذلك “لارتكابها أخطاء قانونية ومخالفات” دون إيراد تفاصيل حول ماهية تلك المخالفات.

وبذلك تكون السلطة التنفيذية قد أرسلت رسالة واضحة لكلّ المؤسسة القضائية في سوريا، مفادها أن لا أحد محصّن من العقوبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأي تنازع مع الحكومة السورية والأجهزة الأمنية والشبكات المتصلة بها. متجاهلة كل النصوص القانونية ومبدأ سيادة القانون. فمن المفترض أن تزود الحصانة القضائية القضاة بنوع من الاستقلالية حتى يتسنّى لهم القيام بأعمالهم بشفافية بعيداً عن أي ضغوط.

  1. استقلال وحصانة قضائية معطلة في ظل تدخل السلطة التنفيذية:

أعادت التهديدات التي واجهتها القاضية “فتون” أثناء توليها منصبها قضية استقلال القضاء إلى الواجهة، وخاصة من جهة تسلّط الأجهزة الأمنية والسلطة التنفيذية على المؤسسة القضائية، وحرمان القضاة من الاستقلالية. وذلك على الرغم من وجود نصوص ضمن الدستور السوري تضمن تلك الاستقلالية.

فقد نصت المادة 134 من الدستور السوري النافذ رقم 94 لعام 2012 بأن “القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون“، وبحسب الفقرة 2 من المادة 133 من الدستور يكفل مجلس القضاء الأعلى توفير الضمانات اللازمة لحماية استقلال القضاء. وكانت الغاية من هذه النصوص القانونية حماية القضاة من أي مؤثر أو ضغط قد یتعرضون له من قبل الأفراد الآخرين أو السلطات التنفيذية.

وتظهر هشاشة القوانين التي يجب أن تحمي القضاة وكذلك الحصانة القضائية التي من المفترض أن يتمتع بها أعضاء السلطة القضائية في سوريا من خلال واقعة تسجيل فيديو القاضية “فتون خير بيك”، بعد أن غادرت (هربت) من سوريا خوفاً من بطش الأجهزة التنفيذية، وعدم قدرة القانون والمؤسسة القضائية من إضفاء أي نوع من أنواع الحماية الفعلية لها، أو حتى إمكانية فتح تحقيق مستقل وشفاف حول الاتهامات التي وُجّهت لها.

وهو ما يبقي على سؤال محوري، حول مدى إمكانية حماية وصيانة حياة القاضي المهنية والجسدية من سطوة السلطات التنفيذية والشبكات المرتبطة بها، وذلك في ظل عدم قدرة القضاة على مراجعة أي جهة أخرى تتولى حمايتهم من تدخل السلطات التنفيذية وتهديدهم بسلامتهم الجسدية، أو التضييق عليهم من خلال منع التصرف بأملاكهم كما صرحت القاضية “فتون خير بيك” حول مكتبها.

ونجد في التطبيق العملي أن القضاة في سورية على مختلف درجاتهم يتبعون لمجلس القضاء الأعلى: وهو أعلى سلطة قضائية في سوريا، ومكلف بتعيين القضاة ونقلهم وعزلهم.  ويرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية (رئيس السلطة التنفيذية)، وبالتالي فإن القضاة يتبعون لرئيس الجمهورية. وذلك حسب الفقرة 1 من المادة 133 من الدستور السوري النافذ التي نصت على أنه: “يَرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية، ويُبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه”.

ويشغل وزير العدل منصب نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى (رئيس الجمهورية)، بحسب المادة 65 من “المرسوم 98 لعام 1961 قانون السلطة القضائية وتعديلاته. كما يرأس وزير العدل عملياً السلطة القضائية. ونصف أعضاء مجلس القضاء الأعلى موظفين تابعين له، فمعاون وزير العدل هو موظف في وزارة العدل، ورئيس إدارة التفتيش القضائي وفق قانون السلطة القضائية هو موظف تابع لوزير العدل، كما يترأس وزير العدل النيابة العامة. وبالتالي فهو يرأس النائب العام الذي يأتمر بأوامره، وهذا ما يُعظِّمْ من نفوذه على أعضاء السلطة القضائية، ويسلب القضاء استقلاله.

 فالجهاز القضائي خاضع وتابع لرئيس الجمهورية وذراعه التنفيذية في المؤسسة القضائية الذي هو وزير العدل فعلياً. وهو ما يفرغ تلك الاستقلالية من أي مضمون وينزع عن القضاة العاملين أي حصانة قانونية، ويجعلهم في الواقع العملي غير متمتّعين بأي حصانة قضائية عندما تكون السلطة التنفيذية وأذرعها طرفاً في أي نزاع أو خلاف بين المؤسسة القضائية والحكومة وأجهزتها التنفيذية.

  1. ضمانات شكلية خلال محاكمة القضاة:

يتمتع القضاة بوضع خاص يختلف عن المواطن الطبيعي، وهناك بعض الضمانات “الشكلية” للقضاة في أثناء محاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها في الوظيفة أو خارجها.

فقد نصت المادة 114 من قانون السلطة القضائية على أنه: “في الجرائم التي ارتكبها القضاة أثناء قيامهم بالوظيفة أو خارجها لا تقام دعوى الحق العام إلا من قبل النائب العام، وذلك إما بإذن من لجنة تؤلف من رئيس محكمة النقض واثنين من أقدم مستشاريها أو بناء على طلب من مجلس القضاء الأعلى عندما يتبين أثناء المحاكمة المسلكية وجود جرم.”

وفي كلتا الحالتين نستنتج أن القاضي المدعى عليه بارتكاب جرم مازال تحت رحمة رئيس مجلس القضاء الأعلى ونائبه من خلال الصلاحية المعطاة لهم بالإذن في تحريك دعوى الحق العام بحق القاضي المدعى عليه، ما يجعل جل القضاة في حالة خوف وتردّد في عملهم وغير محميين من أي مؤسسة في الدولة.

وعلى فرض اعتبار أن القضاة لديهم حماية من خلال حصر تحريك الدعوى العامة من قبل النائب العام بناء على طلب اللجنة الثلاثية أو المجلس الأعلى للقضاء، نجد أن رئيس الجمهورية والأجهزة التنفيذية التابعة له سواء الوزراء أو رؤساء الأفرع الأمنية، يمكنهم القفز فوق أي نص قانوني وتهديد حياة القاضي، عن طريق إصدار أوامر من قبل وزير العدل للنائب العام بتحريك دعوى ضد القاضي.

فالنائب العام معين من قبل وزير العدل وتابع له إدارياً ووظيفياً وبالتالي يجد القاضي نفسه معرّى من أي نوع من الحماية التي يجب تقدمها الدولة له.

  1. من هي الجهات المخولة بمنح إصدار إذن لمحاكمة القاضي؟

كما ذكرنا سابقاً، هناك جهتان مخولتان بإصدار الإذن فيما يتعلق بالمحاكمة وهما:

  • اللجنة الثلاثية: تتألف من رئيس محكمة النقض واثنين من أقدم مستشاريها، وهي تصدر الإذن بناء على طلب يقدمه النائب العام إما من تلقاء نفسه، أو بناء على شكوى مقدمة إلیه من المضرور في الجريمة (الفقرة 2 من المادة 114 -قانون السلطة القضائية).
  • مجلس القضاء الأعلى: حيث تناولت المواد من 105 إلى 113 من قانون السلطة القضائية الحالات التي تمكن مجلس القضاء الأعلى من إعطاء الإذن أو إجراء المحاكمة المسلكية للقضاء. فقد نصت المادة 108 منه على أنه: “يحال إلى مجلس القضاء الأعلى القضاة الذين يخلّون بواجباتهم ويسيئون بقول أو عمل أو كتابة إلى كرامتهم الشخصية أو كرامة القضاء أو يخالفون القوانين والأنظمة العامة”.

ويستنتج من متن النص بأنه جاء واسع وفضفاض (يخلون بواجباتهم ويسيئون) فما هي المعايير لتحديد معنى ودرجة الخلل أو الإساءة؟

ويمكن استغلال حالة الغموض في ذلك النص من قبل السلطات التنفيذية لتجريد القاضي من أي حماية قانونية وحصانة قضائية يمكن أن تحميه، وذلك عبر اتهامه بأنه أساء إلى كرامة القضاء كمؤسسة أو انتقد أداءها أو خالف الأنظمة العامة، في حال خالف أي من تعليمات وزير العدل أو رئيس الجمهورية والأجهزة التنفيذية الأخرى، على اعتبار أن تلك التعليمات والقرارات الصادرة منهم يمكن اعتبارها جزءاَ من النظام العام.

علماً أن إجراءات المحاكمة للقاضي المتهم تجري بصورة سريّة بحسب الفقرة الثانية من المادة 111 من قانون السلطة القضائية، ما يجعل مساهمة الرأي العام السوري معدومة وينزع عن القاضي المدعى عليه أي نوع من الحماية الشعبية عبر المشاركة في تشكيل رأي عام مساند للقاضي وقضيته. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تجري المحاكمة بشكل يمنع القاضي من الدفاع عن نفسه أو الاطلاع على الإضبارة والتهم الموجهة إليه (وهذا ما أشارت إليه القاضية فتون خير بيك).

وعطفاً على ذلك، يمكن كـف يد القاضي (منعه من ممارسة عمله) المحال إلى مجلس القضاء الأعلى بقرار من المجلس نفسه، فإذا تبيّن للمجلس أثناء المحاكمة المسلكية للقاضي ارتكابه لجريمة، فإنه يطلب من النيابة العامة إقامة الدعوى ضده، وبذلك يبقى القاضي تحت رحمة ومزاجية المجلس الأعلى للقضاء، وهو فعلياً مسيطر عليه من قبل الأجهزة التنفيذية.

  1. من هي المحكمة المختصة بمحاكمة القضاة؟

حددت المادة 115 من قانون السلطة القضائية بأن محكمة النقض بهيئتها العامة الناظرة بالقضايا الجزائية تعتبر مرجعاً قضائياً للنظر بالدعوى، وهي أعلى مرجع قضائي يفترض أن يحيط القاضي بضمانات محاكمة عادلة.

 وفي الواقع العملي نجد أنه لا يمكن لهذه الهيئة مخالفة تعليمات وزير العدل ورئيس الجمهورية في حال رغب الجهاز التنفيذي بمحاكمة القاضي المراد عزله أو معاقبته، والسبب هو أن السلطة التنفيذية المتمثلة برئيس الجمهورية ووزير العدل يترأسان السلطة القضائية برمّتها كما ذكرنا سابقاً.

كما يحق للمحكمة أن تكفّ يد القاضي المدعى عليه بقرار منها وتعتبر القاضي مكفوف اليد حكماً بعد صدور مذكرة التوقيف بحقه أو من تاريخ تركه الوظيفة وقبل صدور المذكرة.

كما يحق للهيئة العامة إنهاء مفعول قرار كفّ اليد، وإخلاء سبيل القاضي أثناء المحاكمة إذا كان موقوفاً. مع الإشارة إلى أن توقيف القضاة يكون في غرفة خاصة بقصر العدل.

وفي نهاية المحاكمة تصدر المحكمة قرارها إما بالإدانة أو البراءة أو بعدم المسؤولية وهذا الحكم يكون مبرماً، باستثناء الحكم الغيابي الذي يقبل الاعتراض (استئناف القرار الغيابي) خلال الأيام الخمسة التي تلي تاريخ تبليغ الحكم. بحسب الفقرة 17 من المادة 116 من قانون السلطة القضائية التي تنص على أن:

“الأحكام والقرارات التي تصدرها محكمة النقض وفقاً لأحكام هذا الفصل مبرمة وغير تابعة لطريق من طرق المراجعة سوى الاعتراض على الأحكام الغيابية في ميعاد خمسة أيام تبدأ من اليوم الذي يلي تاريخ التبليغ.”

  1. توصيات:

  • تشكيل لجنة تطويرية للسلطة القضائية، تتشكل من شخصيات ذات خبرات قانونية مقبولة على الصعيد المحلي وأن يتم من خلال هذه اللجنة إعادة تأهيل القضاة وتدريبهم وتطويرهم بالاشتراك مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية.
  • البدء بمناقشة مشروع عصري وحديث لقانون السلطة القضائية يمنح الحصانة ويضمن الاستقلال الفعلي للقضاة من تغول السلطات التنفيذية على أعمالهم. وأن يكتب هذا القانون على هدي المبادئ الاساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1985، وإلغاء تلك النصوص التي تتيح للسلطة التنفيذية التحكم بالسلطة القضائية، سواء الواردة في الدستور أو في قانون السلطة القضائية.
  • جعل صلاحية تعيين القضاة من اختصاص مجلس القضاء الأعلى وبشرط ألا يكون لرئيس الجمهورية ووزير العدل (السلطة التنفيذية) أي دور في تعينهم.
  • -إنهاء أي دور لوزير العدل في الإشراف الإداري (التنقلات القضائية) على المحاكم وجعل ذلك من اختصاص مجلس القضاء الأعلى الغير خاضع للسلطات التنفيذية.
  1. ملحقات:

صورة رقم (1) – مجموعة من الوثائق التي نشرتها القاضية “فتون خيربيك”، أكّدت من خلالها الحصول على إذن سفر من وزير العدل ومغادرة من مطار دمشق بشكل نظامي.

صورة رقم (2) – المرسوم الرئاسي الذي قضى بعزل القاضية “فتون”.

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

Exit mobile version