الجمعة, مارس 29, 2024
حقوق الإنسان

منظمة حقوقية: “التجمعات السكنية” في عفرين: مخططات هندسة ديمغرافية أم مشاريع لإيواء نازحين؟

دعت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوربي اتخاذ مواقف صارمة تجاه محاولات التغيير الديموغرافية القسرية في عموم سوريا تحت أي مسمّى وضمان ألاّ تساهم المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار والتعافي المبكّر بترسيخ تلك العمليات وجعلها أمراً واقعاً.

ووثقت المنظمة في تقرير بناء المستوطنات في منطقة عفرين التي شكّل الكرد السوريون النسبة الأعظم من عدد سكانها تاريخياً.

نص التقرير:

ملخص تنفيذي:

بموافقة من السلطات التركية، قامت عدة من فصائل الجيش الوطني السوري/المعارض، ببناء واحدة من أكبر المستوطنات البشرية التي خُصصت في معظمها لإسكان مقاتلي الجيش الوطني السوري/المعارض وعائلاتهم في منطقة عفرين التي شكّل الكرد السوريون النسبة الأعظم من عدد سكانها تاريخياً.

بُني هذا “التجمّع السكني” على مساحة شاسعة في المنطقة المعروفة محلّياً باسم “جبل الأحلام“، والتي تشكّل جزءاً من جبل الأكراد؛ الترجمة العربية للتسمية التركية (Kurd Dagh) والتسمية الكردية (Çiyayê Kurmênc) وتتميز بموقع استراتيجي هام، كونه يطل على مركز مدينة عفرين، ويفصل بين مناطق السيطرة التركية الحالية من جهة ووحدات حماية الشعب YPG والقوات الحكومية السورية، وعدد من القواعد الروسية، من جهة أخرى.

أشارت الإفادات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على مدار أشهر لغرض هذا التقرير، بأنّ والي ولاية هاتاي التركية “رحمي دوغان – Rahmi Doğan” هو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء ذلك “التجمع”، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لعدد من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية من جهة والمجلس المحلي لمدينة عفرين من جهة أخرى، للبدء ببناء “التجمّع” على سفح الجبل وتخديمه، بعد أنّ عرضت مجموعة من الفصائل المعارضة وعلى رأسهم “الجبهة الشامية” فكرة المشروع على السلطات التركية.

تجاوز دور بعض المنظمات تقديم “الخدمات العامّة” لعائلات المقاتلين، إلى بناء قرى بأكملها، وذلك لإضفاء صبغة مدنية على المشروع المخصص أساساً لإسكان المقاتلين وعوائلهم؛ منها “قرية “كويت الرحمة” التي بُنيت بدعم من “جمعية الرحمة العالمية” ومتبرعين من دولة الكويت، وذلك بحسب “جمعية شام الخير الإنسانية” التي نفّذت مشروع المستوطنة.

وكانت صحيفة “الوطن” الكويتية، قد كشفت في تقرير لها بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2021، على أنّ هذه القرية المنشأة (كويت الرحمة) هي واحدة من مجموعة من “القرى النموذجية” التي سوف يتمّ بناؤها على الحدود التركية السورية.

أيضاً، قام المجلس المحلي لمدينة عفرين، والذي تمّ تشكيله من قبل الحكومة التركية بعد احتلالها عسكرياً كامل المنطقة عام 2018، وبموافقة من “دوغان” على منح وثيقة تمّ تداول اسمها على أنّها “ورقة تخصيص”؛ وقد علمت “سوريون” بأنّها تعتبر بمثابة “إثبات ملكية للبناء” دون الأرض.

بدأ التخطيط لإنشاء التجمّع (قرية كويت الرحمة والمساكن المحيطة به) على مساحات واسعة في “جبل الأحلام” مطلع عام 2021، وماتزال عمليات البناء مستمرة حتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا التقرير في شهر أيار/مايو 2022، ومن المخطط أن تمتد لتشمل “الجبل” كاملاً.

كشفت المعلومات التي حصلت عليها “سوريون” لغرض هذا التقرير أيضاً، أن تسعة فصائل تتبع للجيش الوطني السوري التابع للائتلاف السوري المعارض، متورطة بشكل أساسي في هذا المشروع وعلى رأسها “الجبهة الشامية” بقيادة “مهند الخلف” المعروف باسم “أحمد نور”. وقد لعب رجال الدين/الشرعيون في تلك الفصائل دوراً كبيراً في ترغيب المقاتلين بتسجيل أسماءهم وفي عمليات تقسيم المنطقة، ولاحقاً توزيع الأراضي على المقاتلين وعائلاتهم.

أيضاً، توصلت التحقيقات التي عملت عليها “سوريون” عن تورط عدد من المنظمات المحلية والدولية في عمليه الترويج للمشروع ودعمه، وأنه يهدف لإستفادة المدنيين منه بشكل أساسي، في حين أفادت الشهادات أنّ مقاتلي فصائل الجيش الوطني وعائلاتهم المنحدرة من مناطق ريف دمشق وحمص وحماه، كانوا المستفيدين الأساسيين من المشروع، حيث بلغت نسبة المستفيدين المدنيين نحو 25 بالمئة. وكان من أبرز هذه المنظمات هي منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، التي قدمت مواد بناء لكل مستفيد قدرت قيمتها بنحو ألف دولار أمريكي.

تجدر الإشارة إلى أن الموقع الذي بُني “التجمّع السكني” فيه وهو “جبل الأكراد/جبل حلب” تمثل مساحته ما يساوي 2 بالمئة من عموم مساحة سوريا، وهو منطقة أحراش ويعتبر الغطاء النباتي الأكبر في محافظة حلب، وقد تم اقتلاع مساحات واسعة من الأشجار/الأحراش وبناء مباني اسمنتية عوضاً عنها.

تشير الأدلّة التي جمعتها “سوريون”، إلى عدد من الانتهاكات لقوانين الاحتلال في شمال غربي سوريا، والتي تتحمل تركيا، كقوة احتلال، المسؤولية المطلقة عنها بموجب المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة. كما إنّ “التخصيص” الانتقائي لتراخيص البناء الذي يقدّم مصالح فصائل “الجيش الوطني السوري” على مصلحة المدنيين، على سبيل المثال، يشكّل تصرفاً تمييزياً في توزيع المساعدات. في هذا التصرف انتهاك للمادة 60 من اتفاقية جنيف الرابعة؛ وبالتالي فهو يخلق عائقاً بين المدنيين واحتياجاتهم الأساسية.

ومن المفيد هنا أن ننظر إلى قضية فلسطين؛ حيث وجدت محكمة العدل الدولية في عام 2004، بأن الجدار الحدودي الذي تشيده إسرائيل يخاطر “بإحداث المزيد من التغييرات في التكوين الديموغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة. . .” توازي إسهام الجدار في رحيل السكان الفلسطينيين من مناطق معينة (الفقرة 122). لذلك، على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية لم تذكر صراحةً أن الهدف من جدار الفصل هو التغيير الديموغرافي، نظراً للنمط الأوسع للأعمال الإسرائيلية، إلا أنّ بناء الجدار له أثر في تورط إسرائيل في هذه الجريمة ضد الإنسانية. بالنظر إلى نمط الانتهاكات التي وثقتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وغيرها من المنظمات في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية شمال غربي سوريا، من المحتمل أن المستوطنات يتم انشاؤها لتكون جزءاَ من هذه العملية الممنهجة لتغيير التركيبة الديموغرافية في عفرين، فهي تخضع لتغير واضح، نتيجة توطين السوريين النازحين من أجزاء أخرى من البلاد في أعقاب تهجير السكان الكرد بشكل أساسي، ووسط قمعٍ واسع للثقافة الكردية.

كما أنّ استمرار القوات المدعومة من تركيا في السيطرة على منطقة عفرين والاستيلاء وتأجير ممتلكات المدنيين الذين نزحوا أو فرّوا من المنطقة خلال عملية “غصن الزيتون”، يجعل أي عودة محتملة للسكان أمراً أكثر صعوبة. علاوةً على ذلك، على الرغم من الإدعاءات أن هذه المستوطنات يتم بناؤها على أراض تعود ملكيتها للدولة، لا بد من الإشارة هنا إلى أنّ القوانين الجزائية السورية وصفت التعدي على الأملاك العامة بالجرم وعاقبت عليه في القانون، إذ نصّت المادة 724 من قانون العقوبات العام رقم 148 لعام 1949 بأنه “يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر من أقدم على غصب قسم من الأملاك العامة المرفقة وغير المرفقة”.

وكما أشار “المركز السوري للعدالة والمساءلة” العام الماضي فيما يتعلق بالمستوطنات في عفرين، فإنه يتعين على المانحين من القطاع الخاص ومنظمات الإغاثة، فضلاً عن حكومات دولهم؛ ضمان توزيع المساعدات بشكل منصف وبطريقة لا تنتهك حقوق الملكية وعودة السكان المدنيين النازحين والفارين. ويبقى الأمر الأكثر أهميةً هو أن الحكومة التركية، بصفتها القوة المحتلة التي تمارس سيطرة فعالة في عفرين وأجزاء أخرى في شمال غربي سوريا، هي المسؤولة مباشرةً عن الانتهاكات والقضايا التي تنطوي عليها المستوطنات حتى الآن.

منهجية التقرير:

يعدّ هذا التقرير جزءاً من سلسلة تقارير بدأت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” العمل عليها  منذ العام 2021، وذلك بهدف توثيق وجمع الأدلّة حول القرى والمستوطنات غير القانونية التي بدأ بناؤها في منطقة عفرين، بعد استيلاء الجيش التركي على المنطقة بمشاركة مباشرة من فصائل الجيش الوطني السوري، عقب عملية “غصن الزيتون” عام 2018.

أجرى باحثٌ لدى “سوريون” زيارة ميدانية إلى المنطقة خلال شهر تموز/يوليو 2021، أولاً، حيث قام خلالها بمعاينة المكان الذي خصص لبناء التجمّع السكني فيه، وحصل على مجموعة من الصور والفيديوهات الحصرية، حين كان المشروع في مراحله الأولى.

ثمّ تتبع باحثون/ات آخرون من “سوريون” عمليات الاستيلاء والبناء، من خلال إجراء مقابلات مع 24 مصدراً، جميعهم على إطلاع مباشر بتفاصيل بناء الكتل السكنية في منطقة “جبل الإحلام”، بينهم عمّال إغاثة محليون، وشهود عيان، وعاملون في المشروع، اشترطوا عدم نشر معلوماتهم الشخصية لأسباب أمنية وخوفاً من الانتقام. إضافة إلى ذلك تمّ الحديث إلى عدد من المستفيديين وعدد من الأفراد من داخل الجيش الوطني السوري.

بعد الانتهاء من توثيق المعلومات والتفاصيل من المصادر المذكورة آنفاً، جُمعت معلومات إضافية من مصادر مفتوحة، وتمّ الحصول على صور أقمار اصطناعية حصرية للمنطقة التي تمّ بناء التجمّع السكني فيه، وذلك من أجل حصر المساحات التي تمّ البناء عليها.

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة