قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في تقرير لها إنّ تعيين أعضاء لجنة العفو الخاص من قبل رئيس الجمهورية هو تكريس لهيمنة السلطة التنفيذية على أعمال السلطة القضائية ودليل إضافي على عدم استقلالية وحيادية الأخيرة.
وجاء في تقرير للمنظمة بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2022، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم “رقم 108” لعام 2022، القاضي بإعادة تشكيل “لجنة العفو الخاص” في وزارة العدل السوريّة. وذلك بالاستناد إلى أحكام قانون السلطة القضائية في سورية “رقم 98” لعام 1961، وقانون أصول المحاكمات الجزائية السوري “رقم 112” لعام 1950.
ضمّت اللجنة الجديدة سبعة قضاة من وزارة العدل، مؤلفة من رئيس اللجنة القاضي “فؤاد درويش”، وأربعة قضاة أساسيين هم: “محمد جمال الدين الخطيب” و”رغيد التوتنجي” و”محمد ماهر بدوي” و”زياد إدريس”. وجاءت هيكلية اللجنة المذكورة تماشياً مع نصّ المادة (459) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تنصّ على أنّ تكون اللجنة مؤلفة من خمسة قضاة في المرتبة الأولى أحدهم الرئيس، يعيّنون جميعهم بمرسوم. على أنّ تنظر في طلبات العفو الخاص.
كما ضمّت اللجنة عضوين متممين هما القاضيان: “مخلص قيسية” و”ياسر عياش”. وتكون مهمة العضوين المتممين الرئيسية عادة، إكمال النصاب القانوني في اللجنة (خمسة قضاة) في حال غياب أحد الأعضاء الأساسيين.
ويلاحظ أنّ اللجنة المشكّلة مؤخراً لم تضمّ في عضويتها أيّ قاض/سيدة، وجاءت قبل تسعة أيام من صدور مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022، والذي نصّ على منح “عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ 30 نيسان/أبريل 2022، وهو المرسوم الذي تمّ بموجبه الإفراج عن مئات المعتقلين.
إنّ إعادة تشكيل لجنة العفو الخاص قبل عدّة أيام من صدور مرسوم العفو، يوحي بنيّة الحكومة السورية الشروع في دراسة أحكام الإعدام الصادرة بحق السوريين/ات والمحالة إلى “لجنة العفو” من قبل وزير العدل، وذلك إمّا لإنفاذ (إعطاء صبغة النفاذ) أحكام الإعدام، أو لاقتراح العفو عنهم، وهي من صلب صلاحيات تلك اللجنة بحسب القوانين السورية.
علاوة على ذلك، فمن المرجّح أن تقوم لجنة العفو بأعضائها الجدد، بدراسة بعض أحكام الإعدام التي أصدرتها محاكم الجنايات السورية (القضاء العادي) ولم تنفذ بعد بحق المحكومين، وذلك إما لاقتراح العفو عن المحكومين أو لإنفاذ أحكام الإعدام بحقهم.
مع العلم أن لجنة العفو السابقة أسهمت في إنفاذ أحكام الإعدام بحق 24 محكوماً بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر 2021، بعد (أخذ رأي لجنة العفو الخاص)، واتهام بعض الأشخاص بإشعال الحرائق.
واستندت لجنة العفو الخاص في إنفاذ أحكام الإعدام تلك إلى عدة مواد من قانون العقوبات السوري منها المواد (573 – 574 – 575- 576 -577- 578). علماً أن حجر الأساس لعقوبة الإعدام في تلك النصوص هي المادة 577 والتي نصت على أنه في حال أدت تلك الحرائق إلى وفاة إنسان عوقب المجرم بالإعدام في الحالات التي نصت عليها المادتان 573 و574.
فيما يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة في الحالات المذكورة بالمادتين 575 و576، وفي حال أصيب إنسان في الحالات المذكورة بالمادتين 575 و576، تزداد نصف العقوبات المذكورة فيها.
ماذا تقول المادة 577:
إذا نجم عن الحريق وفاة إنسان عوقب المجرم بالإعدام في الحالات التي نصت عليها المادتان 573 و 574 وبالأشغال الشاقة المؤبدة في الحالة التي نصت عليها المادتان 575 و576 ويزاد على العقوبات المذكورة في هذه المواد النصف إذا أصيب إنسان بعاهة دائمة.
ما هي مهام لجنة العفو ودور رئيس الجمهورية في إنفاذ أحكام الإعدام؟
تتألف لجنة العفو الخاص في وزارة العدل من خمسة قضاة من المرتبة الأولى (قضاة ذوو خبرة وأقدمية حسب التسلسل الوظيفي الهرمي في وزارة العدل)، كما يتمّ تعيين أحد أعضاء اللجنة الخمسة كرئيس لها، ويجري تعيينهم وفق مرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى، كما في حالة المرسوم الحالي 108.
تباشر اللجنة مهامها واختصاصها عندما تحال إليها أحكام الإعدام النهائية (المبرمة)، الصادرة عن القضاء العادي (محكمة الجنايات)، وذلك بعد تصديق القرارات من قبل محكمة النقض السورية ، أمّا بالنسبة لقرارات الإعدام الصادرة عن المحاكم الأخرى كالمحاكم الاستثنائية (محكمة الإرهاب والمحاكم العسكرية والمحاكم الميدانية) فلا تتمتع هذه اللجنة بأي سلطة أو اختصاص فيما يتعلق باقتراح العفو عن أحكام الإعدام.
يظهر دور رئيس الجمهورية/الدولة في تفعيل أحكام الإعدام الصادرة من محاكم الجنايات، من خلال صلاحياته الواسعة في تعيين أعضاء لجنة العفو أو استبدالهم، وبالتالي فمن الطبيعي أن تخضع اللجنة لأوامر رئيس الجمهورية في قبول دراسة ملفات معينة أو لنفاذ أحكام الإعدام بحق البعض الاخر.
كما تتيح نصوص التشريعات المحلية صلاحيات موسعة لرئيس الجمهورية في إنفاذ قرارات الإعدام، بحسب الفقرة 1 من المادة 43 في قانون العقوبات العام السوري التي نصت على ما يلي: “لا ينفذ حكم بالإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة”. وبالتالي أصبحت اغلب أحكام الإعدام تحت رحمة لجنة العفو ورئيس الجمهورية.
ويصادق رئيس الجمهورية على أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم الجنايات العسكرية، بحسب نص المادة 89 من قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية، على ما يلي: “في حالة الحكم بالإعدام ترفع القضية الى مقام رئاسة الجمهورية بواسطة القائد العام للجيش والقوات المسلحة مع الملاحظات التي يراها بعد استطلاع رأي مجلس الدفاع”.
كيفية تقديم طلبات العفو:
من الناحية النظرية، تقدم طلبات العفو إلى رئيس الدولة مباشرة، أو بواسطة وزير العدل (ممثل السلطة التنفيذية)، بموجب استدعاء موقع من قبل المحكوم عليه/طالب العفو، أو وكيله القانوني بموجب وكالة مصدقة، أو أحد افراد أسرته، وتكون نفقات تقديم الطلب معفاة من الرسوم والطوابع (المادة 460 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
أما في التطبيق العملي، نجد أن المحكوم عليهم يجهلون حقهم القانوني في تقديم طلب العفو إلى رئيس الجمهورية، وذلك بسبب غموض النصوص القانونية لدى شريحة واسعة من السوريين، وعدم درايتهم بتلك التشريعات المحلية، خاصة إذا لم يكن المحكوم عليه قد وكّل محامياً عنه، لعدم قدرته المالية مثلاً أو لأي سبب آخر، وهذا ما يقتضي وجود آلية معينة يتمّ من خلالها إعلام المحكوم عليهم بالإعدام بموجب حكم قضائي مبرم بحقّهم في تقديم طلب العفو الخاص إلى رئيس الجمهورية.
ترى منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أن لجنة العفو الخاص تلعب دوراً جزئياً في موضوع إنفاذ الإعدامات بحق السوريين/ات، إذ يتحمل رئيس الجمهورية الجزء الأكبر في إنفاذ أحكام الإعدام بحق السوريين/ات، نظراً للصلاحيات المطلقة المعطاة إليه في المادة 43 من قانون العقوبات العام، والمادة 454 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
آلية عمل “لجنة العفو الخاص” في تفعيل أحكام الإعدام:
عادة ما يقوم وزير العدل بإحالة أوراق الدعوى (أحكام الإعدام) مرفقة بتقرير النائب العام لدى المحكمة التي أصدرت حكم الإعدام.
تدرس لجنة العفو الملف نظرياً، وتعطي رأيها في وجوب تنفيذ عقوبة الإعدام، أو استبدالها بعقوبة أخف خلال مدة خمسة أيام كحد أقصى، بحسب “المادة 461 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”. ويفترض أن تمارس اللجنة مهامها واختصاصها بشكل حيادي ومستقل عن إملاءات السلطة التنفيذية.
ثم يضع رئيس اللجنة أو من ينيب عنه من أعضائها تقريراً موجزاً عن وقائع القضية، والأدلة التي أسس الحكم عليها، وعن أسباب طلب العفو، أو الأسباب الموجبة لإنفاذ عقوبة الإعدام، أو إبدالها بغيرها (463 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
ورأي هذه اللجنة من الناحية العملية غير ملزم لرئيس الدولة (وهو ما يُستنتج من نص المواد القانونية ذات الصلة).
أما بالنسبة للعقوبات الأخف من الإعدام، فإن اللجنة لا تستطيع ممارسة مهامها إلا في حال أمر رئيس الدولة بعرض الطلب على اللجنة، بحسب المادة 462 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على “فيما خلا الحكم بالإعدام لا يعرض طلب العفو على اللجنة إذا أبدى النائب العام رأيه برده ما لم يأمر رئيس الدولة بعرض الطلب على اللجنة”.
علاوة على ذلك، إذا رفض رئيس الدولة طلب العفو بعد دراسة اللجنة للطلب المقدم من قبل المحكوم عليه بعقوبة (الأشغال الشاقة المؤبدة أو لمدة عشر سنوات فأكثر)، فلا يحق له أن يتقدم بطلب عفو جديد قبل انقضاء ثلاث سنوات في الحالة الأولى (الأشغال الشاقة) وانقضاء مدة سنتين في الحالة الثانية (مدة 10 سنوات أو أكثر). تبدأ المدة من تاريخ إبلاغ المحكوم عليه قرار رفض رئيس الجمهورية طلب العفو (المادة 467 من أصول المحاكمات السورية).
خلفية:
بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر2021، أعلنت وزارة العدل على صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، تنفيذ حكم الإعدام بحق 24 شخصاً، متهمة إياهم بارتكاب “أعمال إرهابية”، وتم تصديق أحكام الإعدام بحق المحكومين من قبل محكمة النقض وذلك بعد أخذ رأي لجنة العفو الخاص السابقة بوجوب تنفيذ قرارات الإعدام.
حيث صدرت أحكام الإعدام (السابقة الذكر) بشكل سريع ومستعجل، ويبدو أن تلك الأحكام افتقرت إلى أبسط الضمانات القانونية للقيام بمحاكمات عادلة، التي يجب أن تضمن حق الطعن ومراجعة القرارات القضائية، ما يشكل مخالفة للدستور السوري النافذ لعام 2012 في المادة 51 الفقرة 3 منه والتي نصت على ما يلي:
“حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون، وتكفل الدولة المساعدة القضائية لغير القادرين وفقاً للقانون”.
ويُلاحظ مما سبق ذكره أنّ رئيس الجمهورية (رئيس السلطة التنفيذية) يتمتع بصلاحيات واسعة جداً للتدخل بأعمال السلطة القضاية، فبالإضافة إلى أنّه يترأس مجلس القضاء الأعلى ويقوم بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تمّ منحه صلاحية تسمية أعضاء لجنة العفو الخاص موضوع هذه الورقة، وهذا يتناقض مع مبدأ استقلال السلطة القضائية المنصوص عليه في الدستور السوري الحالي لعام 2012، إذ نصّت المادة 132 منه بأنّ “السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال ويعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى”، كما نصت المادة 134 من الدستور نفسه على أن “القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون”، ويتناقض أيضاً مع المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985، والتي أكدت بأن على الدولة أن تكفل استقلال السلطة القضائية، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.
المصدر: سوريون من أحل الحقيقة والعدالة
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=3977