التصنيفات
القسم الثقافي

نظرية النموذج في القصص القرآني- قصة يوسف (عليه السلام) أنموذجا

د. ژینۆ عبدالله

في القُرآن الكريم، سورة يوسف (عليه السلام) هي السورة الوحيدة من السور الطوال، تتفرد لسرد قصّة واحدة تستغرق السورة بأكملها. وتحتوي القصّة على بطل أساس وأبطال وشخصيّات أخرى هامشيّة. إن تحديد دور أي من الشّخصيّات أمر فائق الأهميّة لتحديد مغزى القصّة ومقصدها. وقد دُرِست سورة يوسف من القرآن الكريم، في شتى المجالات، بحيث قد يقال لم يبق من السورة ما يُدرّس، ولكن الجميل في القرآن الكريم، كونه كتاب عطاء في كل زمان ومكان.
“نظرية النموذج في القصص القرآني- قصة يوسف (عليه السلام) أنموذجا” هذا ما كتبته أ.م. د. نيان شريف من مشورات دار النيبور للطباعة والنشر -العراق2022.
جاء الكتاب على فصلين مع مقدمة وتمهيد وخاتمة بأهم الاستنتاجات. ففي الفصل الأول، تحدثت الكاتبة من خلال مجموعة من مباحث حول نظريّة النّموذج، عن: اللِّسانيّات المعرفيّة، وعلم الدّلالة المعرفيّ، والنظرية الكلاسيكيّة للتصنيف: النّظريَّة التّعريفيّة للمفاهيم، ونشأة نظريّة النّموذج ومفهومها، والنُسخة القياسيّة والموسعة من النّظريَّة، والبُعد الأُفقي والعمودي، والشَّبة العائلي، والسِّمات المثاليّة، والنّموذج بين الأُلفة والتواتر، وبين الموضوعيّ والذاتيّ، والغموض وتعدد المعنى والشبكات الشُعاعية. أما الفصل الثاني، فجاء تطبيقًا لنظريَّة النّموذج على سورة يوسف (عليه السلام).
عندما عزمت الكاتبة على الكتابة في نظريّة النّموذج (prototype theory) وهي إحدى النّظريَّات الدّلالية المعرفيّة (cognitive semantics)، وقد اختيارها على قصة يوسف كمجال للتطبيق وذلك لأمرين، أحدهما: كونها تقع في سورة واحدة وغير متفرقة على القُرآن الكريم كغيرها من القصص. والأمر الآخر، نظريّة النّموذج تحتاج إلى استبيان، ومن المعلوم أن الاستبيان لابد أن يكون في شيء معروف لدى الأفراد الذين يقع الاختيار عليهم، وأن يكونوا على دراية تامة بموضوع الاستبيان. كما معروف أيضا أن قصة يوسف وبسبب تأليف فيها بشتى الوسائل، قد أعطت خلفية واضحة لمحتويات القصّة وشخصيّاتها. وقد حُدِدت مراتب الأبطال والشخصيّات في هذه القصّة، من خلال تحليل سورة يوسف تحليلاً دلاليًا معرفيًا وحسب النظريّة وعلى نتائج الاستبيان المستخدم في الدّراسة. توحي نتائج الاستبيان حسب البنية الشعاعيّة (radial structure)، بأن قصّة يوسف (عليه السلام) تمثل نموذجًا لقصّة تتكون أعضاؤها من المركزيّة ابتداء بيوسف (عليه السلام) وانتهاء بإخوة يوسف كأعضاء هامشيّة. والبنية الشعاعية عبارة عن درجة الانتماء الإنسان لفئته، فكلما كان العضو قريبًا من فئته لاحتوائه على أكثر السِّمات الأساسة والحميدة، يكون قريبًا من مركز الدّائرة. وكلما كان العضو يمثل درجة عضويّة متدنية لفئته، لاحتوائه على أكثر السّمات الهامشيّة، يكون بعيدًا عن مركز الدّائرة. لذا يختلف كثير من الناس في التقاط الصّورة الذهنيَّة لهم. والناظر لهذه القصّة لا يرى أثرًا لنموذج الشّخصيّات التي لا تنتمي إلى الفئة الإنسانيّة بمعناها الجوهري. مما يدل على تأثير النّموذج المركزيّ يوسف (عليه السلام)، فهذا النبي (عليه السلام) استطاع أن ينقذ الكثير من الشّخصيّات الموجودة في القصّة، وأن يمسك بأيديهم ويرجعهم إلى طريق الصواب. فكان النبي يوسف (عليه السلام) نبيًا مُخّلِصًا لأهله ولأهل مصر، لذا كانت سمة النبوة من سماته الأساسة. كما تحتل امرأة العزيز المرتبة الثامنة من الفئة، في حين يحتل إخوة يوسف المرتبة الحادية عشرة، على الرغم من كونهم النموذج نفسه. سأترك سبب كون مرتبة امرأة العزيز أعلى من إخوة يوسف، مع الكثير من التفاصيل والمفاجآت الموجودة في الكتاب للقارئ.

أ.م. د. نيان شريف

عضو الهيئة التدريسية في قسم اللغة العربية/ كلية اللغات/ جامعة السليمانية- العراق. تحمل الدكتوراه في علم الدلالة من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 2016. ولها عدد من الكتب والبحوث المنشورة في المجلات المتخصصة وفي بلدان مختلفة كـ (مجلة الأستاذ في العراق، ومجلة هرمس في مصر، ومجلة المجمع العلمي على الشبكة العالمية في المملكة العربية السعودية، مجلة الإشعاع ومجلة العمدة في اللسانيات وتحليل الخطاب في الجزائر، ومجلة العاصمة في الهند، ومجلة الدراسات الثقافية واللغوية والفنية في ألمانيا). كما شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية والندوات.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

Exit mobile version