طلال محمد
ما أن تمّ الإعلان عن فوزِ “دونالد ترامب” في الانتخاباتِ الرئاسيّةِ الأميركيّةِ، حتى بدأت التوقّعات والتخمينات تطفو على السطح، بشأن خططهِ وسياساتهِ إزاء العديدِ من المسائلِ والقضايا والملفات الشائكةِ، من بينها الملف السوريّ، وبالتحديد الوجود العسكريّ الأميركيّ في شمالِ وشرق سوريا، واحتماليةِ سحبهِ لقواتِ بلادهِ من المنطقة، بحسب ما كشفَ عنه “روبرت أف كندي جونيور” الذي اختاره “ترامب” مؤخراً وزيراً في إدارته التي من المقرّر أن تتسلّم السلطة في يناير/كانون الثاني المقبل.
بالتأكيد، لشمالِ وشرق سوريا تجربة غير مريحة مع “ترامب”، فخلال ولايتهِ الأولى قرّر الانسحابَ من سوريا، إلا أنه تراجعَ بعد اعتراض وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون)، ليسمحَ بعد ذلك لتركيا والفصائل التابعة لها بشنّ عدوانٍ على مناطق الإدارة الذاتيّة، واحتلال مدينتي (رأس العين- سري كانيه) و (تل أبيض- كري سبي)، بعد تهجير أكثر من 300 ألف مواطنٍ من سكّانها، وتوطين الآلاف من أُسر مرتزقة الفصائل فيها، في عملية تغيير ديمغرافي واضحة.
الآن وقد عاد “ترامب” مجدّداً إلى البيت الأبيض، هل من الممكن أن يقوم بسحب القوات الأميركيّة من شمال وشرق سوريا؟.. إجابةُ هذا السؤال مرتبطةٌ بإجابة سؤالين آخرين، الأول: لماذا دخلت القواتُ الأميركيّة أصلاً إلى سوريا وماذا حقّقت من أهدافها؟. والثاني: هل من السهلِ اتّخاذ مثل هذا القرار في ظلّ الوضع الإقليميّ المشتعل والذي تمثّل إسرائيل أحد أطرافه؟..
بالنسبةِ إلى السؤال الأول، كثيراً ما كشفَ مسؤولون أميركيونَ عن ثلاثةِ أهدافٍ لوجود قواتهم في سوريا، الأول: محاربةُ الإرهابِ المتمثّل بداعش، والثاني: منعُ التمدّد الإيرانيّ، والثالث: تحقيقُ الاستقرار والوصول إلى حلٍّ أو تسويةٍ سياسيّةٍ للأزمة السوريّة.. فماذا حقّقت الولاياتُ المتّحدة من أهدافها الثلاثة حتى تنسحب؟.. في الواقع، لا شيء، سوى محاربة “داعش” الذي لا يزال يحتفظُ ببعضِ قوّته على شكلِ مجموعاتٍ متفرّقة يمكن لها أن تلتئمَ من جديدٍ إذا ما سنحت لها الفرصة… عدمُ تحقيق هذه الأهداف يُفترض أن يجعل مسألة الانسحاب أمراً مستبعداً، هذا إن لم تكن لدى واشنطن أهدافاً أبعد مما هو معلن.
وبالنسبة إلى السؤال الثاني، ففي اعتقادنا قضية الانسحاب باتت الآن أبعد مما كانت عليه في السابق، ووجود القوّات الأميركيّة في سوريا أضحت الآن أكثر ضرورةً وأهميّة من السابق، فحربُ إسرائيل على غزّة وجنوب لبنان وامتدادها جواً إلى سوريا، والضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، والدعم الهائل الذي تقدّمه الأخيرة لأذرعها في سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين لضرب إسرائيل، هذه التطوّرات كلها لا تنسجم مطلقاً مع مسألة الانسحاب، بل إنها تشير إلى احتماليّة تعزيز الوجود العسكريّ الأميركيّ في سوريا، وليس العكس.
ما سبق، يدفعنا إلى الاعتقاد بأن “ترامب” اليوم قد يختلف عن “ترامب” الأمس، بحكم أن تغييراتٍ كبيرة حدثت خلال فترة رئاسة “جو بايدن”، وهذه التغييرات قد تساهم في تغيير سياسة “ترامب” الخارجيّة، من بينها إمكانيّة الشعور بأهمية بقاء القوّات الأميركيّة في شمال وشرق سوريا بحكم الضرورة والواقع.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=57441