قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة” في تقرير إن فصيل صقور الشمال المنضوي تحت لواء “هيئة ثائرون للتحرير” يضغط على نازحين مقيمين في قرية كمروك بريف عفرين شمالي سوريا لإخراجهم من بيوت تم الاستلاء عليها مسبقاً بهدف إسكان مقاتليه وعوائلهم.
-
خلفية:
إبان عملية “غصن الزيتون” التي شنتها تركيا والجيش الوطني السوري/المعارض في منطقة عفرين في آذار/مارس 2018، تم تشجيع عشرات آلاف النازحين الآخرين للقدوم إلى المنطقة الواقعة في شمال غرب سوريا.
كان من أبرز تلك المناطق التي قدم منها النازحون: ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية في ريف دمشق، حينها قامت فصائل المعارضة السورية آنذاك، وبموافقة ومساعدة من الجيش التركي وعدد من المنظمات الإنسانية، بإسكان جزء كبير من عوائل مقاتليها إضافة إلى مدنيين نازحين، في منازل السكان الأصليين من الكرد الذي أًجبروا على مغادرة المنطقة آنذاك بسبب العملية العسكرية والانتهاكات التي رافقتها.
شهدت عفرين، ومنذ سيطرة فصائل المعارضة المسلحة عليها عمليات استيلاء واسعة وممنهجة لممتلكات السكان المحليين تحت مسمى “غنيمة حرب”، ووصلت في بعض الأحيان حد استثمار تلك الممتلكات المسلوبة، وتأجيرها إلى نازحين آخرين. وتحولت إلى تجارة ينتفع منها قادة المجموعات في تلك الفصائل، وسبق أن أعدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقارير مفصّلة حول تلك الممارسات، منها التحقيق الذي كشف النقاب عن ملايين الدولارات التي يحصل عليها “أبو عمشة” سنوياً.
مؤخراً، وفي مطلع أيلول/سبتمبر 2022، قام الفصيل الذي يطلق على نفسه اسم “صقور الشمال” بقيادة “حسن حاج علي”، والملقب باسم “حسن الخيرية”، والمنضوري تحت لواء “هيئة ثائرون للتحرير”، والمسيطر على قرية كمروك/الجمركية في ناحية معبطلي/مباتا، بمطالبة 25 عائلة نازحة من منطقة الرستن في ريف حمص الشمالي بإخلاء المنازل التي يقيمون فيها والتي تعود ملكيتها لمواطنين كرد كانوا قد نزح جزء منهم سابقاً بسبب العملية العسكرية، فيما هجّر جزء آخر تحت التهديد بالاعتقال و”المساءلة” في حال رفضهم إخلاء المنازل.
وبحسب الشهادات التي حصلت عليها “سوريون” لغرض هذا التقرير، فقد كان هدف الفصيل من وراء إخلاء تلك المنازل هو إسكان مقاتلي الفصيل وعوائلهم فيها، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الساكنين السابقين في تلك البيوت.
في الوقت الراهن، يسكن في قرية كمروك أكثر من مئة عائلة نازحة من مناطق سوريّة مختلفة، منها 25 عائلة من ريف حمص الشمالي ويسكن هؤلاء في منازل الكرد الذين نزحوا من القرية، كما يسكن في القرية مجموعة من سكانها الأصليين، معظمهم من كبار السن الذين بقوا فيها بهدف الحفاظ على ممتلكاتهم وبعضهم ممن عاد إلى القرية عقب نزوحه سابقاً.
-
كيف حصل النازحون على منازل السكان الأصليين بداية؟
تحدثت “سوريون من أجل الحقيقة” مع عدد من المدنيين النازحين من منطقة الرستن والمقيمين حالياً في منازل تعود ملكيتها لمواطنين كرد في قرية كمرك/الجمركية، وأكدّت المصادر أنهم حصلوا على المنازل في شهر أيار/مايو 2018، أي بعد أقل من شهرين على سيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية على المنطقة. وذلك بموافقة من القوات التركية التي كانت متواجدة مع فصيل “فرقة السلطان مراد” بداية في القرية.
لاحقاً، وفي عام 2019، حاز النازحون على موافقة فصيل “صقور الشمال” لاستمرار السكن في تلك المنازل، وذلك بعد فرض سيطرته على القرية بعد خلافه مع فصيل “السلطان مراد”.
المصدر الأول: وهو مدني من منطقة الرستن، بريف حمص، ومقيم في قرية كمروك قال في شهادة حصرية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بداية شهر ايلول/سبتمبر 2022، حول قضية طلب الفصيل منهم إخلاء المنازل ما يلي:
“عندما خرجنا من الرستن تمّ نقلنا إلى مدينة عفرين، وهناك أخبرنا الناس أن هناك قرية خالية بلا سكان وأنه يمكننا السكن فيها، وبالفعل توجهنا إلى القرية ورأينا هناك عناصر من فرقة السلطان مراد وجنود أتراك، أخبرناهم أننا نازحون وليس لدينا مكان نقيم فيه، فقام الجنود الأتراك بالسماح لنا بالسكن في منازل القرية، بعد أنّ قاموا بتفتيش المنازل وتفكيك بعض الألغام والمتفجرات منها قبل أن ندخلها.”
أكّد المصدر أيضاً أن القوات التركية تواجدت مع عناصر من الاستخبارات التركية وفرق نزع الألغام إضافة إلى عدد من المترجمين الذين تواصلوا مع النازحين وسمحوا لهم شفهياً بالسكن في تلك المنازل، ثم قامت منظمات بتقديم مساعدات إنسانية لبعض العائلات. وفيما يتعلق بطريقة نقل النازحين، عاد المصدر وأضاف ما يلي:
“بداية، تم تجميع المهجرين القادمين من ريف حمص الشمالي بالباصات الخضراء في مدينة إدلب. بعدها مباشرة، قامت عدّة منظمات إنسانية بجلب باصات كبيرة، وشجّعت النازحين على التوجه لعفرين. وعند وصولنا إلى عفرين، بدأ عناصر فصائل المعارضة المسلّحة باستقطاب النازحين إلى القطاعات التي كانوا يسيطرون عليها تل الفصائل. علماً أن نازحين اختاروا قرى ومناطق معينة بسبب وجود أهالي لهم/نازحين سبقوهم إلى تلك القرى/البلدات.”
شاهد ثاني، أكّد في شهادة حصرية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأن العديد من العائلات النازحة من الرستن ومناطق أخرى، تم إجبارهم على دفع مبلغ مالي يتراوح بين 4 آلف و15 ألف ليرة سورية للفصيل المسيطر آنذاك لقاء أجار شهري عن المنزل الذي يقطنون فيه، وارتفعت قيمة الإيجار تدريجياً حتى وصلت إلى 50 دولار أمريكي وسطياً. أي أنّ الفصيل أسكنهم في منازل مستولى عليها ثم قام بأخذ بدل إيجار من جميع العائلات النازحة.
-
استغلال الفصيل للنازحين ومحاولة إخراجهم ليست الأولى:
على رغم من “حصول العائلات النازحة على منازل شبه مجانية” في منطقة عفرين، بسبب قيمة الآجار المتدنية المفروضة عليهم من قبل الفصيل العسكري المسيطر بداية، إلا أن الفصائل المسيطرة تقوم باستغلال حاجتهم بشكل متكرر كما يتضرر هؤلاء المدنيون من الخلافات والنزاعات على الموارد الاقتصادية المستمرة بين الفصائل.
منذ عام 2018، كانت قرية كمروك/الجمركية ضمن محور معارك يديره فصيل “صقور الشمال” بشكل أساسي مع تواجد لفصائل أخرى، وتمركز في القرية فصيل “السلطان مراد” بداية إلى حين أن توصل الفصيلان إلى اتفاق أدى إلى انسحاب الأخير من القرية.
مع انسحاب “السلطان مراد” ودخول مجموعات من “صقور الشمال” إلى القرية، قامت هذه المجموعات لاحقاً بطلب إخلاء المنازل، وفي كل مرة يتم فيها تبديل المجموعات أو تغيرات في قادة الفصيل يطالب فيها العناصر الجدد بإخلاء المنازل من المدنيين النازحين لصالح عناصر الفصيل، وحول هذا قاله مصدر ثالث في شهادة حصرية أخرى لسوريون، بداية شهر أيلول/سبتمبر 2022، حيث أفاد بما يلي:
“في عام 2019 وبعد خروج السلطان مراد من القرية نقم علينا فصيل صقور الشمال وحاول مراراً إجبارنا على الخروج من المنازل وخيرونا بين الانضمام للفصيل أو تسليم سلاحنا الفردي الخفيف مع تهديد باستخدام القوة، وحدثت الكثير من المشاكل وتكرر الأمر كثيراً حتى تدخل الرائد (أنور الحسين) القيادي في السلطان مراد وحسم الأمر لصالح المدنيين.”
وتابع الشاهد:
“مؤخراً، وخلال شهر آب/أغسطس 2022، وعلى خلفية مقتل أحد قيادي الفصيل في المنطقة (حسن الجمعة) الملقب (الفردونة)، حدث الكثير من التغيرات في صفوف قادة مجموعات الفصيل وتم تبديل ونقل الكثير منهم، ومع نهاية شهر آب، أصبح المسؤولان عن القرية يدعيان: الشيخ أبو عبد الرحمن عنجارة والمسؤول الأمني أبو أحمد أمنية، وبعد نحو أسبوع من توليهما مسؤولية القرية بدأوا مطالبتنا بإخلاء المنازل تحت تهديد السلاح والاعتقال، وذلك بحجة أن عناصر الفصيل وعوائلهم أولى بالسكن فيها.”
بعد نحو ثلاثة أيام من رفض العائلات النازحة إخلاء المنازل واصدارهم بياناً استنكار (انظر الصورة رقم 2) على ممارسات الفصيل، حاول الفصيل الاحتيال/الالتفاف على المدنيين وخداعهم للتوقيع على عقود إيجار (الصورة رقم 3) على أنها استبيان تقديم مساعدات وإحصاء مقتنيات المنزل والمرافق، وبالفعل وقعت عدة عائلات نازحة على تلك الأوراق وحين تم كشف الحيلة رفضت باقي العائلات التوقيع وقام الفصيل بتهديدهم بالاعتقال بحال استمرار الرفض.
مصدر رابع، وهو أحد أفراد إحدى العائلات المتضررة، قال في حديثه مع “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بعض رفض بعض العائلات التوقيع، ما يلي:
“بعد ان رفضنا التوقيع على عقود الايجار، بدأت التهديدات بالاعتقال تارة وبالملاحقة القانونية تارة أخرى، وفي يوم 1 أيلول/سبتمبر أرسلوا لنا بلاغ/إنذار بإخلاء المنازل ومراجعة مقر الفصيل المعروف باسم سجن المعصرة في الساعة الواحدة من يوم 3 أيلول/سبتمبر في محاولة منهم لاستدراجنا إلى المقر البعيد عن القرية واعتقالنا كي لا يجرء أحد على معارضتهم، ولكن بعد التصعيد الشعبي الذي حصل وتدخل وجهاء من المنطقة ومناطق أخرى وعدد من القادة تمّ حل الموضوع وترك الأمور على وضعها الراهن والتراجع عن إخلاء المنازل، ولكن بشكل مؤقت.”
-
وثائق ملحقة:
المصدر: ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=8138