شيء ما كنا ان نتوقعه , طالبة تضع صورة صدام حسين على قبعتها في مسيرة تخرج وامام الالاف من المشاركين في الاحتفال , او ان شاب عراقي يقف مترحما على نظام العراق السابق و ذهاب ” الزمن الجميل “! مثل هؤلاء المواطنين بكل تأكيد لم يعيشوا محنة العراقيين تحت ظل نظام دموي طال 35 عاما قضاها احرار العراق في رعب وتهميش وازمات متلاحقة . او ان هؤلاء الشبان ينحدرون من عوائل كانت مستفيدة من امتيازات النظام لها ولأولادها . لأنه , لا تجد مواطن حر يتذكر شيء جميل من ذلك الزمن الجميل . المواطن الحر يتذكرا جيدا فقط كيف كانوا يقفون في طوابير طويلة انتظارا لوصول بيض المائدة , ولا يحصل عليها الا ذو الحظ العظيم . وكيف ينسى مواطن عاش فترة الثمانينيات الانتظار الممل لسيارة المصلحة وتكدس المواطنين فيها ؟ وكيف ينسى مواطن رعبه من ” الرفاق ” وغير ” الرفاق” من الذين لا يخافون الله , من التقارير الحزبية والتي تأخذهم مباشرة الى الإعدام والسجن الطويل ؟ ولا اعرف مخلوق سوي يبكي على نظام كان يجند و يأخذ خريجي الجامعات الى ساحات القتال مع ايران , والخدمة كانت تطول اكثر من عشرة سنوات . عشرات الالاف من المجندين تسرحوا من الجيش ليجدوا انفسهم بدون عمل وبدون معيل لهم . ولا اعتقد ان شخصا حرا يقبل ان تحمل الأجهزة الأمنية عائلة المعدوم كلفة طلقات النار التي قتلت ابنها. وهل يقبل شخص يحمل ذرة من الإنسانية ترحيل عشرات الالاف من العوائل العراقية بحجة انهم لا يحملون الجنسية العثمانية ورميهم على الحدود الإيرانية بدون اكل ولا شرب ولا مال ولا من يعرفونهم ؟ البعض اخذ من داره وأولاده في المدرسة او يقاتلون بجانب القوات العراقية ضد ايران !

قصص وغصص مرت على العراقيين من نظام القمع السابق تستحق ان تكتب في مجلدات حتى تكون مصادر للجيل الجديد بان لا يسمحوا لظهور نظام مثله . كان من المفروض بالحكومات العراقية المتلاحقة إقرار بعض قصص إرهاب النظام في المناهج الدراسية استذكارا وتخليدا لضحاياه. لقد كانوا بعشرات الالاف , ومنها مأساة قضاء حلبجة الكردي . هذا القضاء استشهد منه 5000 مواطن في ساعة واحدة بواسطة القنابل الكيمياوية المحرمة دوليا يوم 16 اذار 1988. كان اغلب الشهداء من الأطفال والنساء والكبار والذي لم يعطي الاعلام العالمي حقه في التغطية في وقته نظرا لمتانة العلاقة التي كانت سائدة بين نظام صدام حسين و الرئيس الأمريكي رونالد ريغن . شفق نيوز نشرت تقريرا مطولا هذا العام عن الحادثة بمناسبة مرور ذكرى 33 للهجوم , اخذت بعض من فقراته مع تصرف بسيط , قالت فيه :
” ونفذ الهجوم بأوامر من صدام حسين نفسه كما أكدت التقارير والوثائق الرسمية التي كشفت لاحقا مع انهيار النظام في العام 2003، واشرف عليه وزير الدفاع الاسبق علي حسن المجيد الذي صار يعرف باسم “علي الكيماوي” او “علي حسن المبيد” نسبة الى جريمته التي شكلت “ابادة” موصوفة بحسب القانون الدولي اذا استهدف فئة عرقية محددة بهدف القضاء عليها.”
ويقول التقرير ان قوات البيشمركة بدعم من الحرس الثوري الإيراني توغلت في مناطق كردستان في 14 اذار ومن بين المناطق كانت حلبجة وناحية خورمال بالإضافة الى مخيمات للنازحين الكورد الذين تشردوا بسبب ما عرف باسم ” حملة الانفال” الوحشية والتي ذهب بها عشرات الالاف من الاكراد والتي قادها على حسن المجيد.
وفي 15 آذار ، كانت حلبجة بأكملها محررة بأيدي البيشمركة، الذين استقبلوا بالأفراح والاهازيج من اهل المنطقة بعد تحريرهم من سلطة صدام, ولكن افراحهم كانت ممزوجة بالخوف والتهجس من ردود فعل صدام حسين المعروفة بقسوتها وخروجها عن الروح الإنسانية , خاصة وان اهل حلبجة يتذكرون ما قام النظام ” سحق ” احد احياء حلبجة بالكامل في العام الذي سبقه بعد اندلاع تظاهرت احتجاج منددة بحملة الانفال .
ويقول التقرير ” وتحققت هواجسهم. ففي 16 اذار ، شن الطيران الحربي ضربات جوية كيميائية على حلبجة وخورمال. ولم يعرف رقم دقيق للضحايا ذلك ان الناجين من المدنيين وبمساعدة من البيشمركة كانوا يدفنون الضحايا بمقابر جماعية. لكن بشكل عام، اشارت المعلومات الى مقتل 5 الاف شخص، غالبيتهم من غاز الاعصاب، وغالبيتهم كانت من المدنيين.”
و يذكر التقرير ” وحتى اليوم، ما زالت حملة الأنفال وجريمة حلبجة يحيط بهما التعتيم خارج كوردستان وهي ملاحظة كانت سجلتها منظمة “هيومان رايتس ووتش” في العام 1993، اي بعد مرور خمسة أعوام على الهجوم الكيميائي. وكان الإقليم شبه مغلق امام العالم الخارجي في ذلك الوقت، ولم يتمكن الكورد من مشاركة معاناتهم وقصص هذه المأساة مع آخرين. وتشير الاحداث لاحقا الى ان العديد من الكورد نزحوا باتجاه الاراضي الايرانية وعولجوا هناك، وبينهم العديد من الاطفال، وهناك العديد منهم أكملوا حياتهم ودراستهم فيها.”

صور من مجزرة حلبجة 16 اذار 1988

ويتحدث التقرير عن موقف أمريكا من الجريمة, بالقول ” الدعاية العراقية، المدعومة من حليفتها الولايات المتحدة، أما نفت ما جرى او قللت من خطورة هذه الاحداث، او حرفت الحقائق. واضافت انه بعد أسبوع على هجوم حلبجة، أعلنت وزارة الخارجية الاميركية، مستندة على معلومات قدمتها وكالة الاستخبارات العسكرية، ان ايران استخدمت أيضا غازات قاتلة في حلبجة، وتسببت هذه المعلومة في خلق ما يكفي من التشوش لدرجة ان مجلس الامن الدولي في نيويورك، اضطر إلى تأجيل اصدرا قرار حول حلبجة لفترة استمرت لشهرين، ثم عندما اصدر القرار فإنه قام بإدانة “الطرفين” العراقي والايراني سوية بتهمة استخدامهما اسلحة كيميائية.”
ولكن على الرغم من محاولة الولايات المتحدة التشكيك بمنفذ الجريمة , الا إن ” العديد من الخبراء والباحثين ومنظمات دولية من بينها هيئات تابعة للأمم المتحدة، خلصت من جهتها الى ان نظام صدام حسين كان المسؤول المباشر عن الهجوم الكيميائي، فيما ما تزال معاناة الناجين من المجزرة الكيميائية يعانون حتى يومناً هذا بما في ذلك من أمراض السرطان ومشاكل التنفس والرئة والولادات المشوهة.”
في تقرير آخر لـ”مجموعة الأزمات الدولية” في العام 2002، تحت عنوان “تسليح صدام: دور العلاقات اليوغوسلافية” تخلص الدراسة إلى أن “الموافقة الضمنية” للعديد من حكومات العالم هي التي أدت أن يتسلح النظام العراقي بأسلحة الدمار الشامل”.
وفي الأخير أقول , لو كان اخوك او ابوك او امك او ابن عمك ضحية لهذا العمل المشين , هل كان بإمكانك ان تتغنى بهذا النظام الذي جاوزت جرائمه كل جرائم النازيين والفاشستيين ؟
المعلومات اخذت من : حلبجة .. القصة الكاملة لمدينة طمرت بالكيمياوي خلال دقائق, شفق نيوز, 16 اذار 2024.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية