فضّلَ الناخبون الأتراك، الأحد الماضي، الشعبوية على الديمقراطية الليبرالية، حيث أسفرت جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية، عن فوز واضح لرجب طيب أردوغان، وذلك نتيجة موافقة حوالي 52% من الناخبين في تركيا على تعهد الرئيس أردوغان بجعل تركيا عظيمة مرة أخرى. وعلى الرغم من سوء الإدارة الاقتصادية بشكل جلي، إلا أنهم يعتقدون بأن أردوغان سيسير بتركيا نحو العظمة الإمبراطورية.
استخدم أردوغان كل الإمكانيات المتاحة له بصفته كرئيس لتركيا؛ مثل موارد الدولة، والسيطرة الإعلامية، وقوانين الانتخابات المواتية، من أجل إلحاق الهزيمة بخصمه. فقد ظهر منافسه، كمال كيليجدار أوغلو (74 عاماً)، والموظف المدني السابق، كمرشّح رئاسي من طرف المعارضة، بعد أن خضع خصم أردوغان الأكثر شعبية، أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول، لمحاكمة شكلية في كانون الثاني/يناير 2022 وتم استبعاده من الترشح في الانتخابات الرئاسية.
خلال الحملة الانتخابية الأكثر إثارة للانقسام في الداخل التركي، استُهدِف كيليجدار أوغلو بسبب هويته العلوية، واتهمه أردوغان بأنه مؤيد للمثليين و”مجتمع الميم”، ومدعوم من طرف “الإرهابيين”. ففي التجمعات الانتخابية، عرض أردوغان مقاطع فيديو مزيفة تصور قادة حزب العمال الكردستاني وهم يغنون أغنية الحملة الانتخابية للمعارضة.
وصرّح أردوغان بهذه الخصوص قائلاً: “حتى لو كان مزيفاً، ماذا يعني ذلك؟”
إلى جانب ذلك، فإن التوجه الجيوسياسي لتركيا -أيضاً- كان حاضراً في الانتخابات، حيث قال أردوغان: إن الرئيس بايدن يدعم منافسيه، بينما تذمّرت المعارضة من التدخل الروسي، وذهب كيليجدار أوغلو إلى حد التغريد باللغة الروسية محذراً موسكو بالبقاء بعيدةً عن هذا السباق. بالإضافة إلى ذلك، ابتعد أردوغان بشكل متزايد عن حلف الشمال الأطلسي وطوّر علاقات أوثق مع روسيا، وتمكن من تأمين الدعم المالي من روسيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، على شكل قروض من البنك المركزي؛ لتفادي الأزمات الاقتصادية في تركيا، وهذا ما سمح له بتقديم المنح، وزيادة الأجور في الفترة التي سبقت الانتخابات.
وعليه، فهذا الفوز ليس فوزاً للرئيس التركي فقط، وإنما فوز لنادي الأنظمة الاستبدادية العالمي.
لكن هذه ليست نهاية القصة بالنسبة لتركيا، فمع استمرار تولي أردوغان السلطة لمدة خمس سنوات إضافية، من شبه المؤكد أنه سيقوم بتعطيل المؤسسات أكثر فأكثر، وترسيخ النظم السياسية الاستبدادية في طبيعة نظام الحكم في البلاد خلال سنوات حكمه. إلّا أن عملية الانتخابات تمت بمتابعة دقيقة، حتى لو لم تكن حرّة ونزيهة.
وفي حين أن أردوغان قد يرى النتائج على أنها موافقة على سياساته المحلية ومساره الجيوسياسي غير المنحاز، إلا أنه لا ينبغي أن يشعر بثقة مفرطة، فقد أصبحت البلاد في حالة استقطاب شديدة. وعلى الرغم من التأثير على الأغلبية الضئيلة برسالته الشعبوية، إلا أن الحسابات الاقتصادية تلوح في الأفق؛ فقد انخفض احتياطي البنك المركزي التركي مرة أخرى إلى مستوى سلبي. ويشعر الاقتصاديون بالقلق بشأن خفض قيمة العملة أو ضوابط رأس المال، لمنع حالة الهلع المالي خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ذات مرة، حذّرني صحفي تركي منفي منذ أكثر من عقدين من الزمن: «تركيا ستفطر قلبك». وهذا ما حدث مراراً وتكراراً، كما حدث الأحد الماضي.
ومع ذلك، فقد تحلّى 25 مليون مواطن تركي في جميع أنحاء البلاد بالشجاعة، للتصويت لصالح منصة المعارضة بقيادة كيليجدار أوغلو، على الرغم من الدعاية الحكومية المستمرة، والاستفزازات الطائفية، ومخالفات يوم الانتخابات. هذا الرقم (25 مليون) أكبر من عدد سكان معظم البلدان الأوروبية، ويُعتبر شهادة على قُدرة الديمقراطية المستدامة للمجتمع التركي على الصمود. هؤلاء الـ 25 مليون ينحدرون من المدن الرئيسية في تركيا، والمناطق الساحلية المزدهرة، ويمثلون الطبقات المهنية والمثقفة. إنهم يريدون التغيير، ولن يتم شراء ذممهم بسهولة أو تشتيت انتباههم.
ففي الأسبوع الماضي، حصلت النجمة التركية “ميرفي ديزدار” على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي عن دورها في فيلم ” “About Dry Grasses(حول الأعشاب الجافة). حيث أهدت جائزتها “لكل الأرواح المتمردة في تركيا، في انتظار أن تعيش الأيام الجميلة التي تستحقها”. فالانتخابات التركية كشفت عن أنه يمكن تأجيل أحلامهم، ولكن لا يمكن القضاء عليها، وهذا ما يجب ألا ينساه أردوغان.
…………………………….
آسلي أيدن تاسباس: صحفية تركية سابقة، وزميلة زائرة في “معهد بروكينغز” في واشنطن.
صحيفة واشنطن بوست.
ترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=24752