ضرورة حل المشاكل مع الاقليم وعودة العلاقة الطبيعية

كوردأونلاين |

مصطفى محمد غريب

منذ سقوط النظام الدكتاتوري (2003) وقيام المحاصصة الطائفية بقيادة أحزاب الإسلام السياسي وبخاصة التنظيمات والأحزاب الشيعية وحلفائهم يتم وضع العراقيل تلو العراقيل للوقوف ضد إقامة علاقات طبيعية مع الكرد وحكومة الإقليم وهو مؤشر خطر بعد مرور أكثر من عشرين عام بدأت تعود الشوفينية المرتبطة بعقلية عنصرية لدى البعض من المسؤولين وتنظيماتهم الدينية السياسية ، بعد اكثر من عشرين عام والمادة الدستورية ( 140) تنتظر التطبيق بلا جدوى لأن البعض مازال يعتقد أنه من الممكن إعادة التاريخ الى الوراء وإعادة الإقليم للسيطرة المطلقة بحجة مصلحة البلاد وبالحقيقة هي فكرة رجعية قامت منذ تأسيس الدولة العراقية ، لم تكف الاعمال العدوانية الموجهة ضد الكرد وكردستان العراق يوما والتاريخ خير شاهد ورقيب ولن نخوض في ذاك التاريخ وحوادثه وما جرى من توجهات شريرة للسيطرة وضم الإقليم وتقطيع اوصاله ولنا مثال في محافظة كركوك والعديد من المناطق المختلطة التي هيمنت عليها السلطات في عهد الإمبراطورية العثمانية وحتى بعد تأسيس الدولة العراقية بعد ثورة العشرين عام ( 1920 ) وقد قام المجلس التأسيسي المنعقد في 23 / آب / 1921 بانتخاب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق الذي بدأ في رسم تاريخه ومستقبله كدولة مستقلة ليدخل الى التاريخ ويسجل مسيرته، لم يستقم الأمر للكرد في العهد العثماني
ففي ( 1909 – 1914) قامت انتفاضة شعبية في كردستان العراق مما اثار حقد العثمانيين فقامت بحملة عسكرية على مناطق بارزان واعدمت الشيخ عبد السلام البرزاني ومن معه في الموصل عام 1914، لم يخضع الكرد بالمطلق، بل كانت شرارة الثورة والرفض مستمرة حتى قيام الدولة العراقية ولهذا عندما جرى استفتاء حول الموصل فقد صوت الكرد الى جانب الدولة العراقية الجديدة، إلا أن الكرد وعلى الرغم من التغييرات الجديدة على خارطة الجغرافيا حيث جرى الحاق وتقسيم كردستان كلها بين العراق وايران وتركيا وسوريا وارمينيا ، وهكذا كانت اتفاقية سايكس بيكو التي وقعت في ( 16 / 5 / 1916 ) ساهمت في قيام الدول القومية في الشرق الأوسط ونهاية لطلب الكرد لإقامة دولة خاصة بهم حيث انتهى حلم قيام الدولة الكردية المستقلة، وماذا حصل بعد توقيع الاتفاقية وتنفيذها، الاضطهاد والقهر وهضم للحقوق القومية حيث اصبح ملايين الكرد بلا وطن وتشردوا إضافة الى ما ذكرناه من دول في بقاع الدنيا وأصبحت بالتتابع خاضعة لقوانين ودساتير سنت في البلدان التي خرجت من هيمنة الاستعمار العثماني ودخلت الى هيمنة الاستعمار البريطاني والفرنسي وغيرهما
النظام التركي الطوراني من الد أعداء الكرد واعتبرهم اتراك جبليين لأنهم يطالبون ببعض الحقوق، ولم يقصر نظام الشاه وابيه وخير مثال ما حدث لجمهورية مهاباد الشعبية الديمقراطية الكردية التي اعلن عنها في عام 1946 لكنها لم تدم سوى ( 11) شهراً لأن ايران أرسلت قوى عسكرية وسيطرت عليها واعتقلت رئيس الجمهورية قاضي محمد وشقيقه والعديد من القيادة الكردية وبشكل خسيس اعدمت قاضي محمد وبسقوط الشاه محمد رضا بهلوي ( 11 / 2 / 1979) وتلاه النظام الإسلامي الإيراني الشيعي بقيادة خميني حيث اندلعت انتفاضة في أواسط اذار ( 1979) قادها الكرد حيث أصبحت اقوى انتفاضة في ايران واطاحت بالقوات الإيرانية ” إلا أن هجومًا كبيرًا وقع في ربيع 1980 من قبل الحرس الثوري الإيراني حيث أطاحت بالانتفاضة الكردية وسيطرت على مناطقها لكن الكرد لم يستسلموا على الرغم من خسارتهم فشكلوا مجموعات ونفذوا هجمات اشتبكوا مع الحرس الثوري الذي اوغل في القتل والتدمير وحسب البعض من الإحصائيات فقد قتل نحو ” 10000 شخص ، منهم 1200 كردي من السجناء السياسيين تم إعدامهم في المراحل الأخيرة للانتفاضة، وتجدد النزاع والصراع في عام (1989 ) عندما اغتيل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الدكتور عبد الرحمن قاسملو في النمسا / فينا بتاريخ ( 13 / تموز / 1978) بأوامر هاشمي أحمد رفسنجاني وأحد المنفذين كان محمود احمدي نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية الأسبق ودولة النمسا لديها ادلة ثبوتية عليه.
في العهد الملكي الجديد العراق، سرعان ما دب الخلاف مع الحكومة المركزية وكان القرن العشرين حافلاً بالتمردات والخلافات ومنذ البداية تنصلت بريطانيا والمملكة العراقية من وعودهما بجعل الكرد شركاء لكنهم بدلاً من الشراكة حلت السيطرة والهيمنة مما جعل الكرد ينظرون بعين الريبة لهذا الشريك الجديد الذي اعلن السيطرة على كردستان العراق وخلال الحكم الملكي حدثت عدة انتفاضات وتمردات ومظاهرات وهيأت الأوضاع في كردستان العراق مع باقي محافظات العراق لثورة ( 14 تموز 1958) ، ثورة تموز جاءت لكي تعيد البعض من الأوضاع الى وضعها الطبيعي فأكد الدستور الجديد على مشاركة العرب والكرد في الوطن وهي بادرة جيدة إلا أنها بقت تراوح في مكانها على الرغم من العفو عن قادة الكرد وفي مقدمتهم ملا مصطفى البرزاني وعلى الرغم من الإعلان عن الاخوة العربية الكردية لكن سرعان ما بدأ العد التنازلي ثم قيام ثورة 11 / أيلول / 1961 وراحت الأمور تتعقد يوماً بعد آخر وبخاصة بدأ الحملة العسكرية وتوغلها في مناطق كردستان، الأوضاع في البلاد لم تكن مستقرة وكان التآمر عبارة عن تخطيط جديد للإطاحة بثورة 14 / تموز وهذا ما تسنى لقوى الردة الرجعية وتحالفاتها مع البعث العراقي والجهة القومية والبعض من الضباط وفي مقدمتهم عبد السلام عارف فكانت الانتكاسة ونجاح انقلاب 8 / شباط / 1963 الدموي، ولم تستقر الأوضاع في كردستان لا حقا أبان الحكومات المتعاقبة حتى قيام الانقلاب الثاني وعودة حزب البعث وتحالفه مع ضباط مدعومين من قبل المخابرات الامريكية والإنكليزية ، لقد حدث تطور طفيف بخصوص الحقوق المشروعة للشعب الكردي وكانت اتفاقية ( 11 / آذار / 1970) من اجل الحكم الذاتي لثلاث محافظات ذات الأغلبية الكردية وضمن حدود مشتركة وهي محافظة دهوك ومحافظة أربيل ومحافظة السليمانية ، اما كركوك فقد كانت هناك خلافات حولها لا بسبب اغلبية السكانية بل الحقيقة وجود آبار البترول واهميتها للحكومة كما نصت الاتفاقية على قضايا أخرى مثل ” تمثيل الكرد في هيئات الدولة ” تنفذ خلال أربعة سنوات، لم يكن نظام البعث صادقاً لا مع القضية الكردية ولا مع تحالفاته السياسية وكلما في الأمر اعتمد سياسته الميكا فيلية التي انتهجها صدام حسين للتخلص من كل ما يعيق استلامه رئاسة الجمهورية وإبعاد حتى اقرب الاشخاص اليه احمد حسن البكر وبهذا الحقبة استولى صدام حسين واصبح الدكتاتور المطلق فانتهت اتفاقية ( 11 / اذار/ 1971) وانتهت قضية التحالف مع الحزب الشيوعي العراقي وخلال حقبة توليه السلطة كاملة كانت القضية الكردية عبارة عن حبر على الورق وشنت السلطة حملاتها التدميرية متزامنة مع قتل عشرات الآلاف من الكرد وتهجير مئات الآلاف حسب خطط شوفينية عنصرية وكذلك استخدام الأسلحة المحرمة دولياً ثم حملة الانفال المشؤومة التي شنتها القوات العراقية للنظام الدكتاتوري بقيادة صدام حسين ضد الكرد العراقيين في كردستان خلال عامي ( 1988و1989) حيث قدرت اعداد الضحايا اكثر م ( 180) الف كردي هذه الضحايا وضحايا الأسلحة المحرمة دوليا إضافة للذين سجنوا او قتلوا او شردوا، في الختام اصبح الحكم الذاتي عبارة عن يافطة يرفعها النظام السابق حسب مصلحته ومتى يريد.
ان نتائج سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 تحققت باحتلال البلاد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وكان الامل يراود القوى الوطنية بحقبة جديدة من اجل البناء والتخلص من التركة المظلمة وان من اولويات هذه الحقبة قيام الدولة المدنية ووفق دستور عادل وحل أكثرية المشاكل بما فيه انهاء الخلافات بخصوص قضية الشعب الكردي وتحقيق الفيدرالية وانهاء النزاع حول المناطق المختلف عليها والتي كانت محط العديد من التمردات والحروب والانتفاضات التي قام بها الكرد العراقيين ضد الحكومات المتعاقبة هذه التركة الثقيلة العقدية ارتحلت الى الأوضاع الجديدة بعد 2003 على الرغم من وجود المادة 140 من الدستور الجديد للجمهورية العراقية حيث نصت حول ” المناطق المتنازع عليها ” بعد الاحتلال والسقوط في نيسان 2003 والآليات لثلاث كمراحل
1 ـــ التطبيع أي حل الخلافات حول التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك ومناطق متنازع عليها اوجدها النظام الدكتاتوري
2 ـــ الإحصاء السكاني للمناطق لمعرفة التركيبة السكانية الجديدة بعد عمليات التهجير والاستيلاء على المناطق
3 ـــ اجراء الاستفتاء حول رغبة المواطنين في هذه المناطق وحدد تاريخه قبل ( 31 / كانون الأول / 2007 )
4 ـــ شكلت لجنة اثناء حكومة إبراهيم الجعفري برئاسة حميد موسى من اجل تطبيق المادة 140 لم تستمر بعد ان جاء نوري المالكي حيث شكلت لجنة جديدة أسندت رئاستها الى وزير العدل حينها هاشم الشبلي الذي استقال من منصبه ليحل محله رائد فهمي، لأسباب وتدخلات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي فقد اعيد تشكيل لجنة جديدة في ( آب / 2011 ) انيطت رئاستها لوزير النقل هادي العامري وكانت هناك اعتراضات على تعيين هادي العامري، إلا أن التعقيدات والتدخلات السياسية والفنية حالت دون تطبيق المادة المذكورة حتى من قبل الحكومات التي تعاقبت بعد نوري المالكي حيث أصبحت مشكلة جدلية بين الأحزاب والتنظيمات الشيعية والسنية واعترض البعض وبخاصة العرب والتركمان في كركوك بأن المادة 140 قد انتهى سقفها الزمني في ( كانون الأول / 2007 ) وتحت حجة واهية “تعديل الدستور ” صبت في تأجيج الصراع والنزاع ثم خلافات عديد من بينها قضية الجمارك والنفط ورواتب الموظفين في الإقليم، كما طغت تعقيدات جديدة على أثر الخلافات بين الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني وتقاسم النفوذ ، إن الخلاف الكردي الكردي أدى الى تشجيع القوى التي تهدف الى افشال المادة ( 140) ووضع العصا في إيجاد حلول منطقية للخلافات ما بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم وذلك تحت طائلة ” لينهي الكرد خلافهم وانقسامهم اولاً ” وقد عملت هذه القوى المعادية للإقليم والكرد جهد ما تستطيع فعله حيث اهملت ثم اركنت المادة المذكورة على الرف في محاولة لإلغائها او انهائها تقريبا منذُ وزارة نوري المالكي ثم حيدر العبادي والدكتور عادل عبد المهدي الذي اقيل بسبب انتفاضة تشرين والمظاهرات المضادة وآخرهم مصطفى الكاظمي، اما حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حيث اعلن وزير العدل خالد شواني موافقة “رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني على إعادة تشكيل اللجنة العليا لتفعيل المادة 140 الدستورية المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان” مما اثار الكثير من التساؤلات بعدما عطلت المادة المذكورة في عام ( 2014) والجميع عرف انها كانت وما زال خلاف مركز فرز الكثير من التفاعلات بما فيها على المستوى الأمني في وبخاصة في كركوك والمناطق المتنازع عليها، ان الادعاء العدواني بانتهاء زمنية المادة ( 140 ) من قبل البعض حسمته المحكمة الاتحادية العراقية واعلى سلطة قضائية وانهت الجدل السياسي والقانوني وأقرت المحكمة في بيان رسمي “بأن هذه المادة لا تزال سارية المفعول إلى حين تنفيذ كامل مُتطلباتها الخاصة بإعادة الأوضاع في المناطق العراقية المُتنازع عليها إلى ما كانت عليه قبل عمليات التغيير الديموغرافي عبر التهجير وإسكان القادمين الجُدد، التي مارسها النِظام العراقي السابق”
ان موضوعة اعتماد العلاقة الطبيعية مع الكرد وحكومة الإقليم مازالت تشغل الرأي العراقي والقوى الوطنية والديمقراطية لأنها مفتاح حل المشكلة لترتيب البيت العراقي وانهاء حالات التوتر السياسي والأمني ثم لتنتهي المماحكات السياسية بين القوى العربية والكردية والتركمانية ويجب معالجة قضية كركوك وفق مفهوم الأغلبية للقوى السياسية الكردية في مجلس محافظة كركوك وانهاء قضية المحافظ المؤقت الذي عين من قبل الحكومة العراقية ، كما هناك قضية مهمة أخرى ان يجري الاتفاق الى حين تطبيق المادة المذكورة المنصوص عليها في الدستور حول اشتراك قوات البيشمركة والمؤسسة الأمنية الكردية في إدارة المناطق المتنازع حولها مثلما كانت بعد ( 2003 )
اذن يجب
اولاً: على حكومة محمد شياع السوداني عدم الرضوخ لتأثيرات بعض القوى الشيعية داخل حكومته وخارجها من الحلفاء التي تتمثل في استمرار النزاع مع حكومة الإقليم ، وفي البداية حل الأشكال حول رواتب عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين والعاملين في المؤسسات الأمنية “البيشمركة والاسايش “، ثم انهاء تعدد نقاط الجمارك التابعة للميليشيات التي تسلب التجار وغيرهم بدون وجهة حق وقضايا اخرى
وثانيا : من المهم ان تقوم القوى السياسية الكردية بأنهاء الخلافات الداخلية وتوحيد الموقف السياسي والأمني والجغرافي والتخلي عن الموقف المتعصب وتبني التعاون الإيجابي لمصلحة الكرد اجمعهم وبخاصة قضية الرواتب، وانهاء هذا التقسيم في مناطق السيطرة والتفتيش واعتبار جميع العراقيين مواطنين لهم الحق في الدخول إلا من تثبت ادانته او اشتراكه بأعمال إرهابية ضد الدولة والاقليم.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية