كردستانية “الموصل” وكردية “الشبك”

كوردأونلاين |

مهدي كاكائي

في الحقيقة لا نحتاج إلى إثبات كردية الشبك، حيث أنهم يتكلمون اللهجة الهورامية (ماچۆ) التي قد تكون أقدم لغة كردية، ومع ذلك نستعين ببعض المصادر الرصينة التي تُثبت كردية الشبك، حيث أنّ عدداً من العنصريين، الذين يفتقرون لأدنى إلمام باللغة الكردية والدين الشبكي، الذي هو من الأديان الكردية، يطرحون فرضيات من محض خيالهم وهلوساتهم، لسلخ هذه الشريحة الكردية من الشعب الكردي. كما نستند في هذه الدراسة إلى مصادر عديدة التي تُثبت أنّ أسلاف الكرد السوباريين هم بُناة مدينة الموصل وأن غالبية سكان محافظة الموصل كانوا من الكرد عبر تأريخها رغم عمليات التعريب بعد احتلال كردستان من قِبل المسلمين العرب ورغم التتريك الذي تعرضت له هذه المحافظة الكردستانية في العهد العثماني.
يتكلم الشبك اللغة الكردية (الشبك يتكلمون اللهجة الهورامية التي هي تقريباً تماثل وتشبه اللغة الميدية التي كانت لغة أسلاف الكرد الميديين (700 – 550 قبل الميلاد)، واللغة الپهلویة التي كانت اللغة الرسمية للإمبراطورية الساسانية (226 – 651 م).

*

يذكر المقريزي المتوفي في سنة 845 الهجرية (1442 م) ما يلي: (الكرد …. وهُم قبائل: منهم (الكَوْرانية “گۆران”) بنو كَوْران، (الهذبانية)، (البَشْنَوية)، (الشاهنجانية)، (السِّرلجية)، (اليَزُلية)، (المهرانية)، (الزرزارية)، (الكيكانية)، (الَجاك)، (اللُو)، (الدنبلية)، (الروادية)، (الدَيْسَنية)، (الهكارية)، (الحُميدية)، (الوركجية)، (المروانية)، (الجلالية)، (الشنبكية)، (الجُوبى) [1]. لا توجد قبيلة كردية باسم (الشنبكية)، بل أنّ حرف النون هو حرف زائد في اسم هذه القبيلة وبذلك فأنها القبيلة الشبكية، أي الشبك الذين هم موضوع دراستنا.
في نهاية صيف 1988 أمر النظام البعثي العراقي بتفريغ قرى الشبك من سكانها وهدم منازلهم وترحيلهم بسبب تمسّك الشبك بِكرديتهم ورفضهم لتغيير هويتهم إلى العربية، حيث تمّ تدمير (22) قرية من قُرى الشبك تدميراً جزئياً أو كلياً وتمّ ترحيل (3000) عائلة من الذين كانوا من سكان هذه القرى، إلى مجمعات سكنية، بُنيت حديثاً في سهل حرير بمحافظة هولير “أربيل” وكذلك تمّ ترحيل قسم منهم إلى منطقة بازيان ومنطقة چمچمال التابعة لمحافظة كركوك. تعرض الشبك أيضاً لحملات الأنفال. هكذا نرى أنّ الشبك ضحّوا بِحياتهم وممتلكاتهم وعاشوا حياة صعبة ومُزرية بسبب كرديتهم واعتزازهم بقوميتهم الكردية.
بناء مدينة الموصل: قام أسلاف الكرد السوباريون ببناء مدينة الموصل، وسمّوها باسم إلههم (“آ- أُوسار” أو “آسور”)، واتخذوها عاصمةً لهم. يذكر السيد عامر حنا فتوحي بأن الحاكم السوباري (كيكيا Kikkia) قام ببناء سور هذه المدينة وجعلها مدينة محصَّنة [2]. تغّيرَ اسم مدينة (آسور) إلى (آشور) خلال الحُكم الآشوري، حيث أنه في الكتابات الأكادية تمّ تبديل حرف (س) في الاسم (آسور) إلى حرف (ش)، وبذلك تمت كتابته بصيغة (آشور) بدلاً من (آسور) وتبنّى الآشوريون هذا الاسم ليكون اسماً لِإلههم وعاصمتهم ودولتهم. قام الملِك السوباري (أُوشپيا Ushpia)، ببناء معبدٍ للإله السوباري الأكبر (آ- أُوسار “آسور”) على أساس لِمعبدٍ سومري قديم، والذي كانت تتم فيه عبادة الإلهة (إنانا Innana) التي تُسمّى عند الأكاديين بـ(عشتار) وتمت تسمية هذا المعبد باللغة السوبارية (ئي خورْزاك كورْكورا Ê- Xurzak- Kurkura) [3]. كان البابليون يلفظون الإله السوباري (آسور)، بصيغة (آشور) والذي أصبح اسماً للآشوريين ولإلههم ومملكتهم. هكذا نرى أنّ أسلاف الكرد السوباريين بنوا مدينة الموصل قبل حوالي (5000) خمسة آلاف سنة.
بعد اسقاط الإمبراطورية الآشورية من قِبل الميديين والبابليين، أعاد الميديون تعمير (الحصن العبوري) أي (قلعة الموصل) وأسكنوا فيه جنودهم وشيّدوا حولها القرى والدور التي سكنها الفلاحين والصناع من الفُرس والكرد واللورّ وبعض النصارى.
أسس الميدي (نودشيروان) قلعة الموصل ولذلك أصبح اسم الموصل في أيام الإمبراطورية الميدية (نودشير)، نسبة إلى اسم مؤسسها وأنّ أول من أطلق اسم الموصل على هذه المدينة هو (راوند بيوراسف).
القائد اليوناني (كزينفون Xenophon‏) (430 – 354 قبل الميلاد)، في كتابه (أناباس) (رحلة العشرة آلاف مقاتل)، كان قد مرّ بمدينة الموصل أثناء رجوعه من (بابل) إلى (اليونان)، في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، فقد ذكر اسم (الموصل) “موسيلا” و ذكر وجود الكرد (كردوخ) في منطقة الموصل، و صعوبة اجتيازه لبلدهم، بسبب محاربتهم له، و تكبيد جيشه العديد من القتلى والجرحى، ولم يذكر (كزينفون) في كتابه، وجوداً للعرب في منطقة الموصل أو في العراق، وذكر أن جيشاً يونانياً أتى من جهة بغداد وعبر الزاب الأكبر عن بُعد بضع كيلومترات من ملتقى الزاب بِنهر دجلة ثم توجّه إلى شواطئ دجلة، حيث وجد مدينة عظيمة تُدعى (لاريسا) وقريباً منها هرم جسيم …. ثم مشى اليونانيون من (لاريسا) مسافة ستة فراسخ (30 كيلومتر تقريباً) في يوم واحد، فبلغوا قلعة جسيمة متهدمة قريبة من مدينة تُسمى (موسيلا) (مدينة الموصل الحالية)، كان الميديون يسكنونها.
كان الرحّالة الإيطالي (ماركو پولو (Marco Polo من بين أوائل وأشهر الرحّالة الأوروپيين التي تجوّلت في آسيا خلال العصور الوسطى، ودامت جولاته لمدة (24) سنة على طريق الحرير، فوصل إلى الصين ثم منغوليا، حيث أصبح من المُقرّبين للزعيم المنغولي (كوبلاي خان Kublai Khan). تم سرد قصة رحلة پولو في كتاب المليون (Il Milione)، الذي يُطلق عليه عادةً اسم “رحلات ماركو پولو”. يذكر الرحالة الإيطالي (ماركو پولو) في كتابه المذكور والذي كان قد مرّ بمدينة الموصل في سنة (1280) ميلادية ما يلي: (إذا خرج المرء خارج أسوار الموصل، لَوجد قبائل قوية المراس تعيش في حالة البداوة وعلى السلب والرعي تُسمى الكرد).
قام الملِك الساساني، أردشير ببناء مدينة خاصة بالكرد قرب مدينة الموصل الحالية وسماها “بوذ أردشير”. الشبك الذين إستقروا في قرية (باشبيثه)، على سبيل المثال في سنة (557 هـ) (1162 م)، أدخلوا معهم فن البناء الساساني إلى هذه المناطق، حيث تميزت دورهم بأشكالها المخروطية. هذا يُشير بوضوح إلى انتماء الشبك إلى الساسانيين.
يذكر (أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري) المتوفي في بغداد سنة (892) ميلادية، في كتابه الشهير (فتوح البلدان) عن دخول مدينة (الموصل) من قِبل المسلمين العرب واستيطان العرب فيها ما يلي: ولّى (عمر بن الخطاب) (عتبة بن فرقد السلمي) الموصل سنة عشرين، فقاتله أهل (نينوى)، فأخذ حُصنها وهو الشرقي عنوةً، وعبرَ (دجلة) فصالحه أهل الحُصن الآخر على الجزية، ثم فتح (المرج) وقُراه، وأرض (باهذرة)، و(باعذرى)، و(الحنانة)، و(المعلة)، و(دامير)، وجميع معاقل الكرد.
يذكر المؤرخ (ليسترنج) بأنّه (كانت الموصل في سنة (358) هجرية (969 ميلادية) بلدة طيبة عامرة الأسواق، نواحيها ورساتيقها كثيرة الخيرات، فمن ذلك رستاق نينوى وفيه قبر النبي يونس، وكان جلّ أهلها في المائة الرابعة للهجرة من الأكراد).
يذكر المستشرق النمساوي (جوزيف ڤون هامر) أنّ سكان الموصل هم كرد، يتكلمون اللغة الكردية، وعلاوةً على ذلك يعرفون العربية والفارسية والتركية.
كان (آل عبد الجليل) ينتمون إلى عائلة كردية التي أفرادها كانوا ولاةً على الموصل في العهد العثماني من سنة (1726) إلى سنة (1834) ميلادية، أي أنّ أفراد هذه العائلة حكمت ولاية الموصل لمدة (108) سنة بشكل متواصل ولم تستطع الحكومة العثمانية من إبعادهم عن حُكم ولاية الموصل، حيث كلما حاول السلاطين العثمانيون إبعاد هذه العائلة عن حُكم الموصل وتعيين شخص آخر من خارج هذه العائلة الكردية والياً على ولاية الموصل، كان سكان الموصل والقوات الانكشارية المتكونة منهم، يثورون وينتفضون ضد إبعاد الوالي الكردي، فتضطر الحكومة العثمانية إلى إلغاء تعيين الوالي غير الكردي. هذا يؤكد على أن الكرد كانوا يُشكلون أكثرية سكان الموصل.

صحيفة روناهي

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية