الإثنين, ديسمبر 23, 2024

آلدار خليل: التوازنات الجديدة وزوال حقبة الماضي

لم تكن المعارضات التي أوجدت نفسها في ظروف الثورة السورية بأحسن حال من الذهنية التي تبناها النظام البعثي في تقربه من الشعب السوري على مدار عقود، لأنها بالأساس لم تُبن على عوامل وظروف وحقائق منطقية يمكن لها أن تسمو نحو صفة التعارض، حيث أنها كانت ولا تزال امتداداً لمخطط يصب في خدمة النظام أكثر من أي طرف، بحالتها المتفرقة التي لا تملك فيها قرار نفسها، كما أن ظروف تشكل المعارضات في سوريا ليس امتداداً لحال معارضة لها جذور في المشهد السوري، بسبب عدم وجود المعارضة الحقيقية أثناء حكم البعث، كما أنَّ تأقلمها مع حالة فقدان الثقافة الديمقراطية أو الانفتاح عليها لم تساهم في خلق تلك الصفوف التي يمكن وصفها بالمعارضة بخاصة في ظل تسرب طلاب البعث الذين كانوا أوفياء لعقود للنظام إلى أوعية المعارضة الحالية الدقيقة، وهذا ما شلّ دورها واكتمل فشلها من خلال بيع المصير والإرادة من قبل هذه المعارضات لقوى وأطراف خارجية تكيد للشعب السوري باطنياً.

إن حالة التغيير الطبيعي الناجمة عن تطور المجتمع تفرز معها وقائع وأمور جديدة خاصة في ظل وجود فوضى وأزمة لتعتري جوهر التوازنات السابقة، فوجود الأزمة مع طموحات مضمرة لشعوب مسحوقة واستفاقة تلك الشعوب المتوجهة نحو التغيير وكذلك ملاءمة الظروف العامة من أجل إعادة التنظيم، كلها تجلب معها توازنات تجعل الكثير من الأطراف الدولية تدخل في صلبها وبالتالي تقبلها كواقع، وهذا هو حال الشرق الأوسط الآن، حيث أنَّ ما يحدث الآن يؤكد على زوال حقبة الماضي وظهور تبدل ملحوظ في توازنات المنطقة، إذ أنَّ هذا التغيير مناقض للتوازنات الماضية، وبالتالي حال التوازن الجديدة ستجلب معها ضرورة وجود أطراف تستطيع تمثيلها كبديل للوضع القديم الذي لم يعد ملائماً.

وانعدام قراءة المعارضات للواقع بشكل جيد ينم على أمرين، أولهما عدم قربها من الواقع وحاجة الشعب، والثاني عدم قدرتها على فهم حقيقة الثورة، كلها كانت عوامل تؤكد على أنَّ المعارضة لم تدرك حقيقة التغيير الحاصل وأنَّ الحال القديمة قد انتهت، بدليل أنَّهم لا يزالون مصرين على طرح أفكار مصبوغة بعقلية الدولة القومية وجلّ همهم صدارة السلطة وفرض واقع وحياة لا تقل عن التي كانت موجودة لعقود، فهم لا يزالون يعيشون ضمن التوازن القديم الذي زال وحل محله واقع آخر بات يبحث عمن يمثله ويدركه من أجل تحقيق متطلبات المرحلة.

لقد استطاعت القوى المتطلعة نحو التغيير في روج آفاي كردستان إدراك حقيقة التوازنات الجديدة في المنطقة، وبالتالي رأت في انتهاج نهج مستقل وذاتي سيساهم في خدمة تطلعات الشعب السوري وشعوب المنطقة في الانتقال الحر، فقد كان الكرد من أكثر الضحايا للتوازن القديم، لذا اليوم الكرد من أكثر الأطراف الذين بادروا إلى النضال من أجل وجود دور لهم في التوازنات الجديدة واستيعاب حقيقة التغييرات وتبدل المعادلات، وبالتالي مكنتهم هذه القراءة من لعب دور قيادي هام في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة، حيث يطرحون اليوم مشروعاً منقذاً ملائماً لعموم من ظلمهم بالواقع القديم، وبالتالي بات الكرد يطرحون بديلاً للدولة القومية ويعالجون مفرزاتها بمشروع ثوري يؤدي إلى واقع جديد يلبي الحاجة الشعبية.

في ظل التبدلات الحاصلة عملت قوى أخرى للاستفادة من حالة الواقع الجديد، ومن أهمها القوى الداعمة للإسلام الراديكالي في المنطقة والجاهدة نحو نموه، وهذا ما جعلنا أمام مواجهة مع تلك القوى كوننا نّداً لها، فمشروعنا مغاير تماماً لمشروعهم ونحن نتوجه نحو وضع حالة التغيير في خدمة تطلعات الشعوب وتحريرها من الواقع القديم الذي لم يخلُ من الإبادات وأهمها الثقافية والسياسية، والطرف الآخر يحاول فرض واقع وفكر متطرف يجهض تلك المحاولات ويريد استثمار حالة التغيير والتوازن الجديد لصالح توسيع الفكر المتطرف ليطغى على المشروع الديمقراطي الذي نسعى إليه، ولذا فإن صراعنا هنا وبالتحديد مع داعش ليس بصراع عسكري فقط وإنما هو صراع فكري وثقافي وأيديولوجي في ظل السكرات الأخيرة للتوازن القديم.

إن أزمة الشرق الأوسط ليست بحديثة العهد وإنما هي امتداد لحال موجودة منذ سنوات وهي أزمة دولة بالصنف القومي خلّفت وراءها الكثير من المشاكل والعراقيل وعملت على منع تطور الشعوب في مسيرتها الحرة، وبالتالي أردت الآلاف من الضحايا بهذه العقلية ناهيكم عن واقع صعب وحياة مهددة بمزاجية الحاكم، وعند التمعن في قراءة الحاجة والانفتاح على حالة التغيير، نجد أنفسنا في مشروعنا الديمقراطي أكثر الأطراف التي تملك عوامل النجاح وقيادة التغيير، فنحن نطرح كل ما هو مغاير للحالة السابقة القديمة وخارج إطار العوامل التي ساهمت في كبت جماح الشعوب في تنظيم ذاتها ومجتمعاتها بما يتناسب مع طموحها وهذه هي حقيقة عملنا عليها ولا نزال، فشراسة الهجمات اليوم على مشروعنا تنم على نجاحه في تشخيص الواقع ومدى خطورته على القوى التي لا تريد نجاحه لأسباب تقضي على تحكمها بمصير الشعوب، فمشروع الاتحاد الفيدرالي لشمال سوريا اليوم يمثل نواة التغيير في الشرق الأوسط والقضاء على ذهنيته القديمة، فنحن نقيِّم في بعض المواضع مدى تلبيتنا لحاجة شعبنا من خلال المواقف المعادية وكلما زادت زدنا إصراراً ومتابعةً.
“روناهي”

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *