الأحزاب السياسية مفتاح البناء الديمقراطي والمشاركة المجتمعية

كورد أونلاين |

كوثر دوكو

تلعب الأحزاب السياسية دورًا أساسيًا في بناء المجتمعات، حيث تعد الأداة الفعّالة لتحقيق الاستقرار والسلم في المجتمع وتنشيط الحياة السياسية والاجتماعية.
لأن دور الأحزاب السياسية هو النضال السلمي والعمل من خلال صفوف الجماهير وفئات المجتمع كافة، من أجل الوصول إلى قيادة المجتمع وإدارة شؤون الحكم حسب النموذج المعتمد في عليه في مختلف دول العالم.

والأحزاب السياسية عموماً، إما أن تكون في إدارة شؤون المجتمع، أو تكون في صفوف المعارضة السلمية.
وهنا لا بد أن نشير إلى أهمية التحالفات التي تشكلها الأحزاب فيما بينها، في مختلف دول العالم، وأهمية ذلك من أجل الوصول إلى إدارة المجتمع، والدولة.
والأحزاب من خلال برامجها السياسية والاجتماعية، تسعى لاستقطاب الجماهير ومختلف شرائح المجتمع، وتنصب جهودها من أجل كسب الدعم الشعبي وحجم الأصوات الانتخابية، بناء على البرامج التي تقدمها، والخطوط العامة للسياسات التي تعمل عليها.

وكذلك تعد الأحزاب السياسية بمثابة مظلة تجمع وتستقطب من خلالها فئات مختلفة من المجتمع، وتستقطب الشخصيات حيث تعكس تنوعه الثقافي والاقتصادي والاجتماعي. من خلال برامجها وأهدافها، وتعمل الأحزاب على تمثيل مصالح المجموعات المختلفة، سواء كانت تلك المصالح تتعلق بقضايا اقتصادية، اجتماعية، أو سياسية.
هذا التمثيل يسهم في تعزيز التعددية السياسية، ويضمن سماع جميع الأصوات في العملية السياسية. فالأحزاب هي التي تمكّن الأفراد من التعبير عن آرائهم واحتياجاتهم بشكل منظم، مما يجعلها وسيلة لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.

صياغة السياسات العامة وتقديم البدائل
ومن جانب آخر تلعب الأحزاب السياسية دورًا بارزًا في صياغة السياسات العامة من خلال برامجها الانتخابية التي تسعى للاستجابة لمتطلبات المجتمع واحتياجات أفراده. فهذه البرامج ليست مجرد وعود انتخابية، بل تعد بمثابة خريطة طريق تضعها الأحزاب أمام المواطنين، تعرض من خلالها رؤيتها لحل المشكلات القائمة وتحقيق التنمية الشاملة. كما أن المنافسة بين الأحزاب تتيح للمواطنين اختيار الأنسب من بين البدائل المطروحة، مما يعزز من ديناميكية العملية السياسية.

تمكين المواطنين من المشاركة السياسية
إن أحد أبرز أدوار الأحزاب السياسية هو تعزيز المشاركة السياسية للمواطنين. من خلال تقديم مرشحين يمثلون رؤى وبرامج متنوعة، تتيح الأحزاب الفرصة للأفراد للمساهمة في صناعة القرار السياسي، سواء عبر التصويت أو الانخراط في الأنشطة السياسية.
هذه المشاركة لا تقتصر على الانتخابات فقط، بل تشمل أيضًا المساهمة في مناقشة القضايا العامة، والانضمام إلى الفعاليات التي تنظمها الأحزاب، مما يسهم في تقوية الوعي السياسي لدى الأفراد.

تعزيز الرقابة الشعبية والحفاظ على الديمقراطية
تشكل الأحزاب السياسية آلية رقابية فعالة على أداء الحكومات. فهي من خلال المعارضة أو المشاركة في السلطة، تسعى لضمان الشفافية والمساءلة، مما يحول دون تركز السلطة في يد جهة واحدة.

الانتخابات، التي تعد الساحة الرئيسية لتنافس الأحزاب، تمنح المواطنين الفرصة لمحاسبة الحكومات بناءً على أدائها. هذا الدور الرقابي يعزز من ثقة المواطنين في النظام السياسي، ويضمن استمرارية العملية الديمقراطية.

الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة
تساهم الأحزاب في تحقيق الاستقرار السياسي من خلال خلق قنوات منظمة للنقاش السياسي والتعبير عن التوجهات المختلفة. فبدلًا من النزاعات غير المنظمة، تُسهم الأحزاب في تحويل التباينات إلى منافسة بنّاءة تخدم المصلحة العامة. كما تسهم الأحزاب في تعزيز التنمية المستدامة من خلال الترويج لسياسات تركز على حقوق الإنسان، المساواة، والحفاظ على الموارد.

وأما عن دور الاحزاب في هذا المجال لابدَّ من التطرق لواقعنا المشرقي، وخاصة السوري، عن الأحزاب السياسية في سوريا، كانت دوماً تدور في فلك القمع التاريخي من هيمنة العسكر وتغييب التعددية

الأحزاب السياسية في سوريا لم تأخذ حقها الطبيعي في العمل السياسي الحر أو القيادة المجتمعية، بل كانت دائمًا ضحية الملاحقة والقمع والإلغاء. بدأ هذا الواقع منذ انقلاب مارس 1949 الذي شكل بداية التغيرات الكبرى في بنية السلطة السورية. مع تتابع الانقلابات العسكرية، ومع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في انقلاب مارس 1963 حيث كان الإنقلاب الثالث داخل منظومة البعث في  1970،وهو الإنقلاب الذي كرّس لفكرة دولة البعث، حيث أصبحت سوريا تحت هيمنة العسكر الذين دمجوا الدولة بالحزب الحاكم. تحول حزب البعث إلى كيان شمولي، حيث لم يعد حزبًا سياسيًا فحسب، بل أصبح الأداة الوحيدة التي تعبر عن النظام السياسي، مما ألغى أي دور للأحزاب المعارضة.

على مدار عقود من الزمن، كان يُستخدم القمع والعنف لمنع أي محاولات لتطوير الحياة السياسية خارج الإطار الحزبي الواحد. كانت حالة الطوارئ، التي استمرت لأكثر من 50 عامًا، من أبرز أدوات النظام لتكريس سلطته المطلقة ومنع أي دور للأحزاب خارج إطار السلطة المطلقة، وتم الغاء أي دور للأحزاب المعارضة.
هذا الوضع خلق بيئة معادية للأحزاب السياسية، ما أدى إلى ظهور الأحزاب السرية التي كانت تعمل في ظروف معقدة وصعبة، دون أن تتمكن من تحقيق أي تأثير سياسي حقيقي بسبب القمع المستمر.

  1.  التحول من الثورة إلى حرب أهلية: تعطيل دور الأحزاب السياسية
    مع بداية الثورة السورية في 2011، كانت هناك فرصة حقيقية لاستعادة الحياة السياسية في سوريا، حيث انطلقت المظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية. في البداية، كانت الأحزاب السياسية في الداخل والخارج تتطلع إلى تقديم مشروع سياسي بديل يعزز من المشاركة الشعبية، ويعيد بناء الحياة الديمقراطية في البلاد.
    لكن سرعان ما تحولت الثورة إلى صراع عسكري مفتوح، مما أدى إلى تغييب كامل للأحزاب السياسية عن الساحة. أصبح الصراع العسكري هو المحور الأساسي، وتم تهميش الأحزاب لصالح الفصائل العسكرية التي كانت تفتقر إلى رؤية سياسية واضحة، حيث انحصر دورها في محاربة النظام أو الدفاع عن مناطق سيطرتها دون أي اهتمام بالقضايا السياسية الكبرى أو بمستقبل البلاد على المستوى الوطني.

    في ظل هذا الفراغ السياسي، ظهرت تنظيمات إرهابية مثل “داعش” و “القاعدة”، التي استغلت الفوضى لتفرض أجنداتها المتطرفة. هذه التنظيمات لم تقتصر على محاربة النظام فقط، بل سعت أيضًا إلى تدمير البنية الاجتماعية والثقافية لسوريا عبر نشر العنف والتطرف. وأصبح الشعب السوري رهينة بين فكي العنف المزدوج: من جهة النظام الذي قمع الاحتجاجات بشكل وحشي، ومن جهة أخرى، الجماعات المسلحة التي فرضت واقعًا جديدًا من العنف والتطرف.
    3. التأثيرات السلبية للحرب على المجتمع السوري ودور الأحزاب

مع اندلاع الحرب الأهلية، تراجعت الحياة السياسية إلى حد كبير، وتم تعطيل دور الأحزاب في توعية المواطنين وتعزيز الوعي السياسي. كان الوعي السياسي في سوريا يتراجع بشكل متسارع، حيث أصبح المواطنون يتجهون إلى الولاءات الطائفية أو المناطقية بدلاً من الانخراط في مشروع سياسي جامع يهدف إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية.
كان الصراع العسكري الطائفي سببًا رئيسيًا في تفكيك البنية الاجتماعية في سوريا. تعمقت الانقسامات بين مختلف الفئات والطوائف، وأدى العنف المستمر إلى تدمير التلاحم الاجتماعي والثقة بين مكونات المجتمع السوري. كما تسببت الخطابات الطائفية والمتطرفة التي رافقت الحرب في تعزيز الشقاقات، مما جعل من الصعب إعادة بناء سوريا كدولة موحدة.

  1. العنف المزدوج: القمع من قبل النظام والتنظيمات المتطرفة

كان للنظام السوري دور كبير في تعطيل العمل الحزبي عبر سياسات القمع الممنهج، لكنه لم يكن العامل الوحيد المسؤول. حيث ظهرت التنظيمات المتطرفة مثل “داعش” و “القاعدة” التي استغلت الحرب لتفرض واقعًا مختلفًا يستند إلى العنف والقتل. هذه التنظيمات ألقت بظلالها على أي مشروع سياسي يمكن أن يعبر عن مصالح الشعب السوري، حيث حولت سوريا إلى ساحة معركة مفتوحة للسيطرة على الأراضي تحت شعارات دينية متشددة.
التركيز على العنف العسكري والطائفي أدى إلى إضعاف أي محاولة لإحياء الحياة السياسية الحزبية، فكانت الأحزاب السياسية تفتقر إلى القدرة على التنسيق والعمل المشترك في مواجهة هذه القوى العسكرية. كما أن تنظيمات مثل “داعش” سعت بشكل ممنهج لتدمير الثقافة الوطنية السورية عبر تدمير المعالم الثقافية والرموز المدنية.

5. آفاق استعادة الدور الحزبي في سوريا
رغم هذا الواقع القاسي، لا تزال الأحزاب السياسية تلعب دورًا مهمًا في أي عملية إعادة بناء حقيقية لسوريا. ولإعادة تفعيل دور الأحزاب السياسية في سوريا، يجب أن تتوفر شروط أساسية:

  • إنهاء الصراع العسكري: الحل السياسي هو المدخل الأول لإعادة الحياة الحزبية. يمكن أن يؤدي إنهاء الحرب إلى توفير بيئة أكثر استقرارًا تسمح للأحزاب بالعمل بحرية.
  • إصلاح النظام السياسي: من الضروري فصل الجيش عن السياسة وإعادة بناء المؤسسات على أسس مدنية تضمن التعددية السياسية.
  • إعادة بناء الثقة بين الأحزاب وفئات المجتمع: عبر توفير مساحة للحوار الوطني، وتعزيز ثقافة المشاركة السياسية وتوزيع السلطة بشكل عادل.
  • دعم التعددية السياسية: عبر قوانين تضمن حرية التعبير وتسمح للأحزاب المختلفة بالعمل على قدم المساواة.
  1. ضرورة إعادة بناء الحياة السياسية
    إن سوريا، التي مرّت بتجارب قاسية من القمع السياسي والحروب الأهلية، بحاجة إلى إعادة بناء حياتها السياسية على أسس وطنية ديمقراطية. من خلال ذلك، يمكن للأحزاب السياسية أن تلعب دورًا رئيسيًا في عملية التحول السياسي والاجتماعي، مع التركيز على تعزيز القيم المدنية وتعميق الوعي السياسي.

    في نوفمبر 2013، بدأ مشروع الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا بالتعزيز، بعد تحرير قوات سوريا الديمقراطية لهذا الإقليم من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. وقد أدى هذا التحرير إلى تأسيس إدارة محلية تأخذ على عاتقها تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وتلبية احتياجاتهم اليومية. مع مرور الوقت، بدأت تتشكل مؤسسات خدمية ومدنية تضمن حياة المواطن الكريمة وتعمل على تطوير المجتمع. كما ظهرت نواة لحوكمة محلية ونظام حكم محلي يعتمد على التوازن بين العسكري والسياسي والمدني، مما ساعد على تحقيق الاستقرار النسبي في المنطقة. من خلال هذه المؤسسات، تم فتح المجال لإحياء العمل الحزبي والسياسي، حيث أصبح بإمكان المواطنين التعبير عن طموحاتهم السياسية والمشاركة في مشاريع تهدف إلى تحسين واقعهم المعيشي. وأدى ذلك إلى تعزيز التنافس الحزبي على مستوى الخدمات المحلية مثل البلديات وإدارة المقاطعات، مما كان له تأثير إيجابي في تحسين جودة الحياة ورفع الوعي لدى المواطن. وفي هذا السياق، ظهر حزب سوريا المستقبل كأحد نتائج تطور تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ليشكل إضافة إلى الحياة السياسية المحلية ويعكس طموحات الشعب في بناء مستقبل أفضل.

    ورغم كل حالات القمع لكن لا يمكن إلغاء دور الاحزاب حيث تعتبر الأحزاب السياسية ركيزة أساسية للاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث تلعب دورًا محوريًا في ضمان الانتقال السلمي للسلطة وتوفير آليات منظمة للتنافس السياسي. فهي تعمل كمؤسسات مسؤولة عن الحوكمة والرقابة، مما يعزز القيم الديمقراطية مثل الشفافية والمساءلة واحترام القانون. تسهم الأحزاب في الحفاظ على التوازن بين المصالح المختلفة في المجتمع، مما يضمن تمثيلًا عادلًا ومنظمًا لوجهات النظر المتنوعة. كما أنها تمنع الاستبداد من خلال ضمان عدم احتكار السلطة من قبل جهة واحدة.

    ومن أهم وظائف الأحزاب قدرتها على التكيف مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، حيث أنها تتبنى أساليب جديدة للتواصل والابتكار في برامجها وسياساتها، مما يجعلها قادرة على التفاعل مع احتياجات المجتمع المتغيرة. هذا التكيف يمكنها من مواجهة التحديات المختلفة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، مع الحفاظ على استمرارية النظم الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الأحزاب دورًا أساسيًا في تعزيز الديمقراطية من خلال دعم التعددية والمساواة، وتشجيع الحوار البناء، وتمكين المواطنين من المشاركة في تشكيل مستقبلهم السياسي.

    والأحزاب توفر منصات يلتقي فيها الأفراد لمناقشة القضايا التي تؤثر في حياتهم، مما يضمن أن الديمقراطية ليست مجرد مفهوم نظري بل واقع عملي.

كما تساهم الأحزاب في الدفاع عن مطالب الشعب عندما تكون في صفوف المعارضة، وتكون هي صوت الشعب الذي تعبر عنه، عندما تجنح الحكومة المنتخبة نحو الفساد الإداري والحكومي، وتقوم الأحزاب بدور المحاسبة والمطالبة، وتعمل حتى فترة الانتخابات التالية، من أجل الوصول مرة أخرى لتكون هي الإدارة الحاكمة.

ومن خلال هذه العملية، تتخلص الأحزاب من عملية الترهل، والتسلط، عندما تكون هناك بيئة ديمقراطية، ووعي حقيقي لدى الجماهير، حيث يتم محاسبة الفاسدين والمقصرين، من خلال صناديق الانتخابات، والتي تجعل الأحزاب في حالة تنافسية وحيوية، من أجل بذل الجهود والعمل الجاد على تحقيق تطلعات الشعوب، وبذلك نكون أمام مجتمع سليم ومنظم، يستطيع مواجهة كل أشكال التطرف والاستبداد، بكل قوة ومسؤولية.

كوثر دوكو الرئيسة المشتركة لحزب سوريا المستقبل

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز