الجولاني من العسكرة الى التمدن!

فلك محمد

في بداية الأحداث السورية، عاد بعض الكورد السوريين الذين قاتلوا في قنديل لحماية أهاليهم ومناطقهم في شمال شرق سوريا، خاصة بعد ظهور الفصائل الإسلامية المسلحة. هذا التغيير خلق فجوة بين الكُردي السوري المدني والعسكري الثوري، الذي كان قد خاض سنوات طويلة من القتال ولم يعش حياة المدينة منذ فترة طويلة. كنت من الذين لاحظوا تلك الفجوة، وكنت أرى أن الشعب السوري الكُردي لم يكن معتادًا على ممارسات العسكر في المدن، بينما لم يكن العسكري أيضًا قد تعود على التعامل مع المدنيين. هذه الأخطاء نشأت بسبب عدم فهم الناس البسطاء لكيفية التعامل مع العسكرة، وعدم فهم العسكريين لطبيعة الحياة المدنية. على الرغم من انهم كانوا يحملون بعض الأفكار الماركسية مثل الحرية الشخصية، والحرية الدينية أو العقائدية، واحترام التنوع الإثني لباقي مكونات المنطقة. والذين كان لهم الحظ الاوفر للمشاركة في الإدارة الذاتية فيما بعد في شمال شرق سوريا، إلى جانب مشاركة المرأة في جميع جوانب الحياة.
مشهد دخول الجولاني (أحمد الشرع) الى دمشق يعيد إلى الاذهان تلك التي رأيتها في روج آفا سابقا. مع الاختلاف الفكري الشاسع بين الجولاني المتأسلم ومقاتلي الكورد .
فعند دخول الجولاني عمت الأفراح والليالي الملاح الأوساط السورية والكُردية على حد سواء. لكن بصراحة، لا يستطيع عقلي الصغير أن يستوعب هذا المنطق البراغماتي، الذي يتيح للإنسان أن يغير جلده ويتنكر لماضيه بهذه السرعة! كيف لشخص حارب في تنظيم القاعدة في العراق لعقد من الزمن، ثم في سوريا في صفوف جبهة النصرة، وارتبط بمنظمة داعش الارهابية، إضافة إلى فكره العقائدي المتطرف أن يصبح مدنياً بين ليلة وضحاها؟ كيف له أن يحكم دمشق، تلك المدينة العريقة المختلطة والمتمدنة؟ هناك حلقة مفقودة تثير الكثير من التساؤل بحيث يصعب على السوريين البسطاء مثلي الإجابة عنها.
كمراقب للأحداث السورية المتسارعة تشعر بأن هناك عاصفة بعد هذا الهدوء في طريقها . فمثلا تم تشكيل الحكومة الانتقالية الحالية من قبل الشرع دون إشراك باقي فئات المعارضة أو النخب السورية !
الشرع يتخذ القرارات ويلغيها كما يحلو له وبذلك يعطي لنفسه الشرعية المطلقة باتخاذ قرارات استراتيجية مثل إيقاف الدستور وإلغاء الخدمة الإلزامية، والتي بحد ذاتها خدعة لباقي فئات الشعب السوري وعلى وجه الخصوص الكورد وكي لا يتم إشراك باقي الأقليات ويقتصر( الجيش الوطني السوري )على تلك الجماعات دون غيرها.
يقولون أن الاغنام تعيش خوفا من الذئب فيأكلها الراعي.
انضم الكورد الى التحالف الدولي في محاربة داعش، آملين بذلك الحصول على حقوقهم في سوريا المستقبل. بالاضافة الى جانب خوفهم من تركية التي تقف ضد تطلعات الشعب الكوردي في اي مكان في العالم، وليس فقط في اجزاء كوردستان الاربع . لكن هل ستقف الولايات المتحدة الى جانب الكورد في تحصيل حقوقهم بسوريا الجديدة ؟ وإن تعارض ذلك مع مصالحها مع تركيا، حليفها الاستراتيجي؟ أم تتركهم لمصيرهم ؟

إن سلمنا جدلاً أن تصريحات حكومة البشير وأحمد الشرع، التي تطمئن باقي الأقليات وعلى وجه الخصوص الكورد، ستتحول إلى فعل حقيقي، فإن السؤال الذي يظل قائمًا هو: كيف سيتم إرضاء تركيا، الراعية والداعمة الأساسية لهذه الحكومة والفصائل؟ تركيا تسعى بكل الوسائل إلى دفع هذه الجماعات لخوض حرب مع “قسد” والقضاء على القوات الكوردية، ولا تقبل بأن يكون للكورد أي دور في سوريا المستقبل.

فتركيا لن توافق على أي شكل من أشكال الاعتراف بالإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، لأن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على وضع الكورد في تركيا، الذين يتجاوز عددهم ٢٥مليون نسمة. فإذا تم الاعتراف بحقوق ٤ ملايين كوردي في سوريا، فكيف سيكون الحال على المطلب الكوردي في تركيا نفسها.
جميع الفصائل في سوريا مسيرة لا مخيرة وتتحرك وفقًا لمصالح مموليها وداعميها، وهذا من شأنه أن تجعل سورية من جديد ساحة للصراعات الدولية والاقلمية والتي سيؤدي في نهاية المطاف الى انقسامها لمناطق نفوذ.

Scroll to Top