الجمعة, ديسمبر 27, 2024

الغزل الجميل – الشاعر الكلاسيكي الكردي علي الحريري والغزل الجميل *الإقرار والإعلان يتحول إلى جمال وقوة وإحساس – جزء / 1 

عصمت شاهين الدوسكي 

الشاعر الكلاسيكي الكردي علي الحريري من الشعراء الكرد الذين ذاع صيتهم في زمنهم الذي أحاطه الضياع والإهمال والظروف السياسية والاجتماعية السيئة التي أحاطت بالشعب الكردي جراء السياسات التي تضعف كل جهد وإشعاع وإبداع ثقافي وحضاري لدى الشعوب القابعة تحت الظلم والظلام الذي كان يتطلع إلى طمس هوية الإنسان الفكرية ورغم التناقضات والتقلبات التي تقيد الأحلام وتضعف شعلة الطموح والحلم والجمال ، نقترب من قصائد الشاعر علي الحريري التي تنتمي إلى موضوعات زمانه ومنها قصيدة الغزل والتصوف ووصف الحبيبة علماً بان الغزل بحد ذاته لديه هو من النوع المسمى بالغزل الصوفي وهو رؤية جمال الحبيبة جزء من جمال الله أو حسب تصوره يرى إن جمال الله متجسد في جمال حبيبته ، ففي قصيدة يخاطب الشاعر علي الحريري حبيبته التي يقال أن أسمها كان ” به ريخان ” يصف قدومها بإحساس مرهف يفضي إلى وصف حاله ” أحسست بقدومك” وعبر وصف دقيق جداً يكشف عن تأثير ” صوت خلاخيل قدميك ” وبذلك يكون الإحساس السمعي يكون أقوى من البصري دليل على مدى الحب واللهفة بحيث يسمع صوت خلاخيل قدميها وهذا التناوب الحسي الذي يطوق الحبيبة بمشاعر وتفاصيل جزئية يكشفها لأنها تخدش الأحاسيس الداخلية الرقيقة .

(( لقد أتيت يا ” به ريزاده “

   على مقلتي عينيً

   أحسست بقدومك إليً

   من صوت خلاخيل قدميك ))

وما يثير خيال الشاعر علي الحريري هو عالم قوة إحساس صادق نقي وبناء على ذلك فإن طبيعة الحبيبة ليست غريبة فيمكن أن تحلل برؤى مشعة بالجمال والوصف البديع وهي صور قلبية واقعية تبث ثنايا الشوق فإن وجود العاطفة الخارجة من كتمان العاطفة الإنسانية لا بد أن تكشف عن نفسها وربما بطريقة اعتيادية نلاحظ تصميم الشاعر على الإظهار ،إظهار الدلالات والمشاعر معاً ” من صوت سوارك ، طار عقل العقلاء” لتبرز للعيان بعض جزيئات الكامنة جراء العاطفة القوية التي تمنح الجمال والفكر والإرادة التي تحول الجزيئات إلى دلالات حية مؤثرة معلنة لفعاليات نفسية تعبيرية ترتبط بصورة غاية في الإحساس والإعلان ” أعلنت عشرات المرات ، أنت أجمل الجميلات ” فالشعور الداخلي يحتاج أن يبرز ويعلن عن نفسه أما الكتمان يحول هذا الشعور الجميل إلى تدهور وضعف وانكسار وتردي ولما كانت هناك ضرورة للإقرار والإعلان فإنه يتحول إلى جمال وصدق رؤية وقوة .

(( من صوت سوارك الذي في الزند

   طار عقل العقلاء

   لذا أعلنت عشرات المرات

   أنت أجمل الجميلات ))

إن تزود شحنة العاطفة بالمعرفة تندرج وتتغير الصورة فبدلاً إن تكون شاردة ضعيفة تكون جديرة وقادرة على إثبات وجود وتأثير وهذا ليس بالأمر الهين فالشاعر علي الحريري يتمتع بالحب والتحدي والجرأة لكن بموجب المعايير الأخلاقية الذاتية النابعة من نظرة جمالية قدسية راقية ” كنت أجمل من ليلى ” نلاحظ ثمة وشيجة تجمع صور وأسماء معروفة بالجمال والعشق والرؤى الخلابة من خلال تدرج تاريخ طويل من التفاخر الجمالي والعشق للحبيبة ” وأحلى من زليخا ،أنت معادلة ل مم وزين ” هذه الأسس التاريخية الجميلة ” ليلى – زليخا – زين ” تطرح بقوة بل تتضاعف قوتها وهي صور لمعرفة تعاطفية مع الآخر تزودها برؤى جمالية أوسع مضافة تؤثر على الفكر والمشاعر وهو سلوك يمزج الفطنة التي تثير الرؤى الجمالية الجديرة بالشوق والحنان وبين الجرأة الواعية التي هي إحدى علامات الإبداع .

(( كنت أجمل من ليلى

   وأحلى من زليخا

   أنت معادلة ل مم وزين

   قامت ذات الضفائر بنهبي ))

ومهما بلغت درجة الإحساس فإن الشاعر لا يرفض حكم القلب بل يحاول أن يرفض حكم اللا قلب فيجب أن يتوافق الجوهر مع المعتقد والخلق والفكر ” لا أراك تسألين عن أحوالنا ” فإذا كان الأمر مجرد إحساس بدا توضيحه من خلال الصور الشعرية الجميلة ولكن حالة الوعي الذهني يفرض واقعاً خاصاً في محور الإحساس ” بورك لك كرسي الملوكية ” وهي صورة عارضة تنسحب من ارتقاء ذاتي لكن بالإمكان العودة ومغادرة كرسي الملوكية إلى جهة قريبة من الشاعر والمجتمع ” أحوال الفقراء ” تشد أسرها الجمالي للجنس البشري وليس للكرسي والذهب والجواهر التي تنقطع ذات يوم ولا يبقى رابط بينها .

(( يا ذات الضفائر السوداء الفاحمة

   لا أراك تسألين عن أحوالنا

   بورك لك كرسي الملوكية

   فأقتعديه واسألي عن أحوالي الفقراء ))

نلاحظ في هذه القصيدة الغزلية لا تخرج عن الإطار التقليدي للشعر الكلاسيكي الكردي بل الشرقي عموماً لكن الشاعر يملك حساً قوياً عندما يشعر بقدوم حبيبته خلافاً عن حاسة البصر فيكفيه صوت قرقعة وخلخلة خلاخيل أقدامها ليستدل إنها ” به ريزاده ” وليس غيرها وعندما يحس ويسمع ذات الصوت الشجي لا يرى الشاعر مكاناً أفضل من مقلتي عينيه ولكنه ما أن يرى السوار الذي في الزند حتى يفقد توازنه المعهود عن العقلاء  فيبدأ مقارنتها ب ” ليلى حبيبة قيس ، وزليخا عشيقة يوسف عليه السلام ، ثم فكرة مم وزين العاشقين الكرديين المعروفين ” ولا يرى حرجاً في الإفصاح عن كون حبيبته ” به رى ” والتي تعني ” حورية ” أجمل وأحلى وأعذب منهن جميعاً ، ثم تضاد فكرة الملوكية والفقراء رغم كل هذا الإحساس الراقي الجميل . فلا يمكن وضع الشعراء الكلاسيكيين في خانة دون أخرى ففي كل المجالات النفسية والفكرية والأخلاقية لهم دور كبير في عوالمها الجمالية والحسية والإنسانية عامة .

**********************************

علي الحريري

–        شاعر كردي كلاسيكي معروف لامعاً يقف في مصاف المشاهير من شعراء الكرد .

–   ولادته رغم الافتراضات والاجتهادات والبحث الأدبي يؤرخ ولادته في عام 400 هجرية 1010 م من قرية حرير في شمدينان بمنطقة هكارى ( انتماؤه لقرية حرير في محافظة اربيل كردستان العراق ).

–        كان الشاعر يذكر اسمه في أواخر قصائده كدليل على ملكيته لها .

–   في مقالة للأديب عبد السلام ميرزا نشرها في الملحق الكردي لجريدة العراق يوم 19 / 8/ 1987 والمقالة مستلة من كتاب تاريخ الأدب الكردي للبروفيسور ” قه ناتى كوردو ” والكتاب منشور في استوكهولم عاصمة السويد عام 1983 وفي مقدمة المقالة هناك قول منشور للمستشرق ” زابا ” ويشير فيه إلى أن للحريري ديواناً مشهوراً في كردستان ولكن ” كوردو ” يبدي أسفه إلى أنه لم يشاهد هذا الديوان أو يسمع به أو يعرف شيئاً عن مخطوطة الديوان .

–        توفي عام 470 هجرية 1075 م

 **************************************** 

قصة نهر

الشاعر الكلاسيكي الكردي فقيه طيران وقصة النهر

هل الشاعر أم العشق صورة معاكسة للنهر ؟

الجزء /  2 

 
عصمت شاهين الدوسكي 

 

الشاعر الكردي المعروف ” فقيه طيران ” يعتبر من أشهر الشعراء الكرد القدامى رغم قلة أعماله الأدبية المكتشفة ومن الذين يحتلون مكانة مهمة في الشعر الكردي وما زالت الألسنة تذكرهم منذ قرون حتى الآن فهو بلبل مع البلابل وطير مع الطيور يطير معهم ويحط على أجمل الزهور والألوان ، إنه محمد المكسي الهكارى الملقب ” فقيه طيران ” تشير المصادر رغم التناقضات والتفسيرات والاجتهادات إنه ولد عام ” 1563 – 1564″ سمي بالمكسي نسبة إلى قصبة ” مكس ، تركيا ” أما عن لقبه الرئيسي ( طيران ) نابع من إكثاره من ذكر الطيور والبلابل في أشعاره وله قصيدة مطولة على شكل حوار جميلة عن البلابل وسمي ب ” فقيه طيران ” الذي يترجم إلى ” فقيه الطيور ” وهذا ليس غريباً فإن الرائعة المشهورة ” كليلة ودمنة ” ما هي إلا حوارات فلسفية وعقلانية على ألسنة الطيور والحيوانات المختلفة ، بالإضافة إلى أشعاره الرصينة قام بتوظيف جزء كبير من التراث الإسلامي والإنساني وملاحمه نظمها شعراً وما قصة الشيخ الصنعاني وبرصيص العابد وبائع السلال وغيرها إلا أمثلة قوية ،كما أن تخليده لملحمة ” دمدم” البطولية لا تحتاج إلى شهود ، انتمى الشاعر إلى الشعر الصوفي والمدرسة الصوفية في الشعر الكردي التي كانت تهيمن عليه في تلك الحقبة من تاريخ الأدب الكردي ، له خصوصيته وذاتيته وأسلوبه وتوجهاته ومواهبه التي تختلف عن أصحابه من الشعراء ، فما حوادث ” شيخ صنعان ” إلا اتجاه صوفي راقي ليقول أن الحب والتصوف في الحب يفعل الأعاجيب ،فرغم أن الشيخ صنعان قد حج إلى بيت الله الحرام خمسين مرة لكنه ما أن يبصر تلك الفتاة الأرمينية حتى يعشقها ويكابد ويعاني في سبيل عشقه الأمرين إلى أن يصل إلى ابتغائها إلى أرفستان ، حتى بعثه والد الفتاة راعياً للخنازير لكن بعد المكابدات يعود إلى رشده ، الشاعر ” فقيه طيران ” يريد أن يقول أن لا فرق لدى المتصوفة بين دين ودين وعقيدة وأخرى طالما أن كل تلك الأديان والعقائد تتوجه إلى الله المتعال الأوحد فالهدف واحد وإن تعددت الأسباب والوسائل ، وهذه هي نظرية وحدة الأديان لدى المتصوفة وعشقه لتلك الفتاة الأرمينية هو الاعتقاد بان جمالها من جمال الله فما من جمال إلا يكون الله هو الذي أفرغه في جسمها ووجهها مثلما جاء في كتاب ينابيع الشعر الكلاسيكي للأديب الكبير رشيد فندي وهكذا أشعاره تعتمد في مضمونها أسلوب الحوار كمحاورته الشعرية مع البلبل ومع النهر وهنا يعني نهر دجلة بواقع حال نفسي وفكري عميق لا يمكن إنكاره وهي محاولة لإظهار الرؤى والعشق وفي نفس الوقت لا تنطوي على قدر من الجنون بل إلى الحكمة والحب والجمال ” أيها النهر من فرط عشقك ومحبتك ” النهر كائن يأسر الشاعر من النواحي الذهنية والحسية والخيالية الخلاقة بوصفه مكاناً يمكن كشفه مثلما يستكشف أي مكان فهناك أشياء في العالم الخارجي للنهر وفي المجال اللا مرئي دون تحفظ يحاول حل لغز تحرك الأمواج ” تتراشق بالأمواج بعيداً ” يحرص الشاعر فقيه طيران على تتبع انعكاس النهر على العالم الخارجي فإن جمال الصورة الشعرية ونجاحها قوة فكرية يسعى من خلالها للكشف عن نفسه من تراشق الأمواج بعيداً ومن عدم السكون والراحة هذه الديمومة المستمرة إلى ما لا نهاية توحي بتناقضات عدة ” لا سكون لك ولا راحة ” والنتيجة ليست قلقاً وعسراً بل يكون تخبطاً يخرج من نطاق السيطرة التي تتخلل عبر عبارات ضمنية للذات الداخلية التي تعكس بعض مجرياتها على صورة النهر .

(( أيها النهر ،أيها النهر

   من فرط عشقك ومحبتك

   أنت تتراشق بالأمواج بعيداً

   لا سكون لك ولا راحة ))

ومهما كانت رغبة الشاعر في تقديم تعبير أصيل وعذب وعميق فإن الشعور ينعكس وينكشف بكل جلاء خاصة في المعنى المباشر للكلمات الذي يمس القلوب ويوحد دلالات مشتركة من العشق والتساؤل والعطف الإنساني ” أنت عاشق لصاحبك ” وهذه الإيحاءات لم تسلم من التأثير النفسي صب شرود الشاعر باندماج ” النهر والقلب ” فقد يحدث توحداً بمزيج من الارتياح والشكوى فالحوار الشعري رغم هدوءه يأتي قوياً عاصفاً في الجوهر بفعل داخلي يرغمه على اعتلاء منصة ” العشق ” مع دعم صورة عدم السكون للنهر ” بسبب عشق من لا تلزم السكون ؟ ” تتجلى الرؤية هنا من دون عناء فالنهر دون سكون والعشق صوت القلب دون سكون وهذا السكون المراد  ليس مرده خشوع الملائكة بل وهج العشق الإنساني فإن جريان الماء لا يكون مخادعاً أبداً بل يحمل الأسرار ويسترها ويحافظ عليها .

(( ألا راحة لك ولا سكون

   أم أنت عاشق لصاحبك

   أو أنت شبيه بقلبنا العاشق ؟

   يا ترى بسبب عشق من لا تلزم السكون ؟ ))

فهل يحاول الشاعر أن يقول للناس بأنه أو العشق صورة معاكسة للنهر من خلال قول الحقيقة الإنسانية عبر نهر؟ فلا يمكن أن تكون الصورة الشعرية في اللا معقول ولا يمكن أن تكون محض خيال مجرد فقط ، فالفكر الصوفي من شانه أن يبدع ويتألق ويمد الناس بصور ومشاعر وإحساس جميل ،فلا يمكن أن تكون عاطفة صوفية محض انفعال وقتي بل تحتاج إلى مزيد من التفاعل والكشف الذي يأتي عبر تساؤلات ” بسبب عشق من أنت آت ؟” باعتبار مجريات النهر والعشق الضمني يجريان في الفكر والمعاناة والإحساس رغم التباين بين حقيقة الإنسان الداخلية وحقيقة العشق والنهر الخارجية وعدم إنكارها عبر حوارات شعرية وأيا كانت درجة الحوار فهي تعكس بوح أوسع كلما تدرج في الحوار من خلال أسئلة كانت مكتومة ” إلى متى أنت تأتي ؟ ” هذه الأسئلة وغيرها محاولة من الشاعر لكشف حقيقة العشق أم النهر أم الذات ؟ فهو يتساءل عما يجري ليصل إلى المعرفة المطمئنة ” اخبرني بمن أنت ولهان ، كي أعرف القصة !!” لكني أتخيل إنه لم يصل إلى المعرفة المطمئنة ما دام النهر يجري وما دام العشق أكثر جرياناً في القلب ،ستظل عملية الكشف مستمرة ومرهونة بالقلب والفكر والإحساس مع الألفة الجميلة للكائنات .

(( بسبب عشق من أنت آت ، آت ؟

   إلى متى أنت تأتي وتأتي ؟

   أخبرني بمن أنت ولهان

   كي أعرف القصة !!؟ ))

إن إدراك الشاعر فقيه طيران وتمكنه من إدارة الحوار الخفي بأسلوب جميل وبرؤية فكرية تتغير بفعل المواجهة الجوهرية أمام النهر بتداخل فعل القلب وخلجات الذات باغتراب واقتراب يظهر على شكل قوة نفسية ومعاناة عشق تسمو بالإنسان في كل صورة تساءل تأتي بخطوات وصور معنية ترافق مضمونها بإحساس وإرادة عفوية وربما تكون خارج حدود النفس لكن نابعة من ذات عميقة بالحب والحياة فلا أحد يعتقد إن حياة شعراء المدرسة الصوفية معقدة منطوية كئيبة بين الكهوف والأحجار بل هي شعلة من الحكمة والجمال والحب والروح الراقية المشعة بسمو الإنسان في أي مكان كان ولأي زمن كان .  

***********************************

فقيه طيران

–   أسمه الحقيقي حسب المصادر التاريخية الأدبية ” محمد ” وملقب بالمكسي نسبة إلى قصبة مكسي ، تركيا ،ولد سنة 1563م

–   لقب ” طيران ” نابع من إكثاره من ذكر الطيور والبلابل في أشعاره وله قصيدة مطولة على شكل حوارية جميلة عن البلابل وفقيه طيران تترجم إلى فقيه الطيور باللغة العربية

–        من أعماله الأدبية  :

–        مجموعة من القصائد الجميلة تكفي لكي تكون ديواناً كاملاً

–   الشيخ الصنعاني وهي قصة شعرية جميلة تتكون من ” 313-314″ رباعية شعرية طبعت في موسكو عام 1965من خلال الباحثة السوفيتية ” م . رودينكو ” .

–   برصيص العابد وهي مخطوطة يقول عنها الباحث عبد الرقيب يوسف الذي حصل عليها من خارج العراق ،إنها عبارة عن “422” بيتا شعرياً وهي على شكل قصة شعرية .

–   ملحمة دمدم تروي هذه الملحمة قصة بطولية لاعتصام الأمير الكردي ” خان ذو الكف الذهبي ” في قلعة دمدم وهجوم الشاه الفارسي عباس عليه وعلى قلعة دمدم في عام 1608م وهي ملحمة واقعية مدونة في كتب التاريخ الكردي والفارسي ، قام الشاعر فقيه طيران بنظمها شعراً .

–   زميل فروش أي بائع السلال وهي قصة غرامية لطيفة بين أمير كردي ارتضى حياة الفقر والتزهد واتخذ من بيع السلال مهنة له لكن امرأة كردية ” خاتون ” فائقة الجمال تقع في حبه وتطلب منه مبادلتها الحب ولكن ذلك لا يلقي جواباً من لدن بائع السلال .

–   رغم وفاته يعتبر مجهولاً لكن تذكر المصادر التاريخية إنه توفي بعد عام 1640م قبل أن ينظم الشاعر الكردي الكبير أحمد خاني رائعته مم وزين بين عام ” 1651- 1707م ”  .

********************************************** 

* من مخطوطة فرحة السلام للشعر الكوردي الكلاسيكي للشاعر عصمت شاهين الدوسكي

الروح والرؤية

الشاعر الكبير أحمد الجزيري بين الروح والرؤية

ما هي جمالية كشف العوالم بين الواقع والمتخيل؟

جزء /3 

 
عصمت شاهين الدوسكي 

 

الباحثون في تاريخ الأدب الكلاسيكي الكردي والمهتمين بتلك الحقبة الزمنية يبحثون في عوالم الأدب الراقي للشاعر أحمد الجزيري الذي يعتبر من أشهر وأعظم الشعراء الكرد لما يمتاز شعره من قوة وعذوبة وسلاسة فشعره عذب رطب يستسيغ القلوب والعقول بيسر وتمتد بين ثنايا الجسد لتغذي الروح وتتوحد معه ،وهو من الشعر الذي تحدث عنه “الجاحظ” الأديب العباسي المعروف في إحدى كتاباته عندما قال عن ذلك النوع من الشعر ” إنه شعر فيه ماء كثير ” وكان يعني رطوبة الشعر وانسيابه وسلاسته وابتعاده عن الجفاف والخشونة وأهم مميزات شعره الموسيقى الداخلية والإيقاع المنظم فإن الموسيقى الداخلية في الشعر لا تقل أهمية عن الموسيقى الخارجية وهو على مختلف أشكال شعره لا يفقد تلك الموسيقى الهادئة رغم إنه نظم الشعر حسب الأغراض الشعرية المختلفة للشعر الكردي الكلاسيكي كالرباعيات والغزل والقصيدة المقفاة وغيرها ونلاحظ إن قافيته مرنة ومألوفة بعيدة عن النابية والمكروهة والمتوحشة ،ولا يتكلف الشاعر في إيجادها بل يراها طبيعية وطوع قلمه ، يستعمل كلمات كردية سهلة ونادرا ما يستعمل المفردات الصعبة إضافة إلى كثرة استعماله للكلمات والعبارات العربية والفارسية حيث تداخل المفردات بين اللغات الشرقية المجاورة وتأثير الدين الإسلامي واللغة العربية وآدابها التي كانت منتشرة بين الأدباء والعلماء ،كان الشاعر أحمد الجزيري شاعراً متصوفاً على علم ودراية بعوالم التصوف بمداراتها ومقاماتها وأحوالها وعلى إطلاع بأحوال كبار المتصوفة كمعروف الكرخي الذي ولد في الكرخ ببغداد وتوفي في عام 815م والشبلي الذي ولد في سامراء ، والشبلي نسبة إلى قرية شبلة توفي في بغداد عام 946موالحلاج الذي ولد في قرية البيضاء ببلاد فارس وصلب في بغداد عام 922م وغيرهم إذ يذكرهم في عدة مواضع من شعره ،ويكاد أغلب شعره يكون من الغزل الصوفي الرقيق العذب الذي ابتناه الشعراء المتصوفة فهم يرون جمال الله متجلياً في جمال حبيباتهم ،وبخيل للذين لا يعرفون مبادئ التصوف ورموزها وإشاراتها إن هذه العبارات الغزلية هي لوصف الحبيبة فقط ولكن غاية الشاعر الصوفي أعمق وأكبر وأعمق وأبعد من ذلك إذ يرمز من طرف خفي إلى جمال الله ،وحبه وإخلاصه في حبه وعلى هذه الأطر الراقية نلاحظ شعر الجزيري وجود إسم ” سلوى” أو” سلمى” في بعض قصائده والتي يجتهد مؤرخو الأدب الكردي في كونها ابنة أو أخت هذا الأمير أو ذاك ،لا يزال أمرها مجهولاً ،هل هو محض خيال ساقه ” الجزيري” ليفرغ ما في قلبه من حب وعشق على اسم فتاة مجهولة أم هي حقيقة ، وهي أميرة عشقها ” الجزيري” في كل الأحوال نبقى معجبين بغزليات الجزيري الشعرية ومن أجمل وأعذب وأحلى صنوف الغزل الرقيق بحيث لم يصله أي من الشعراء الكرد القدامى والمحدثين بمدى صوره البلاغية وعباراته المشحونة بالحب والعشق والجمال والإخلاص في حب الحبيب ودقته في الوصف واختياراتها الجميلة للدلالة على المكنون الروحي والفكري فإن جو الطبيعة والرؤية الطبيعية للأشياء تجدد نشاط الذهن وتحرك الروح نحو السمو والرقة والعذوبة والهدوء والشعور بالأمان بفعل وجودها وتأثيرها الخفي ” يهب نسيم الصباح ، يهفهف السوسن والسنبل ” في كل همسة ونظرة يندفع نحو الإتيان بصورة جميلة تؤثر في الاندماج الطبيعي بين الروح والرؤية الجمالية التي هي جزء منها،لكن الأكثر جمالاً والأكثر خطورة هي العلاقة بين الإنسان ورؤيته للأشياء فقد يكشف الإنسان برؤية ما الجانب القبيح والشرير في حكمه على الأشياء وإن كانت سوسن وسنبلى لهذا نزاهة الروح في علاقتها مع الأشياء النقية تتوجه نحو الحقائق الطبيعية التي تظهر مكنون الرؤية ، بحيث تكون التشبيهات والمدلولات موضوعة للانسجام والوئام وليس مجرد صور وأشكال وهمية ” أسرت العالم بأسره بلونك العنبري” العواطف الإنسانية الطاهرة تمحي كل الآثام التي تثقل كاهل الإنسان حتى تستبد فيه رغبة ملحة وقوية لإظهارها .

(( يهب نسيم الصباح يميناً وشمالاً

   لكي يهفهف السوسن والسنبل يميناً وشمالاً

   أسرت العالم بأسره بلونك العنبري

   الذي يطير ويحط على الوجه النوراني يميناً وشمالاً ))

وما السوسن والسنبل إلا وردتان جميلتان في كردستان ويشبه الشاعر أحمد الجزيري  شعر الحبيبة المتطاير بهم وتطاير الشعر وملامسته الوجه النوراني فهو بفعل النسيم الصباحي الذي يهب يميناً وشمالاً هذه الروح الهادئة الساكنة بين النسيم والسوسن والسنبل تمضي مطمئنة لكن الرؤية لا تهدأ لها بال إلا في الوصول إلى المبتغى بوصف رائع ودقيق ،نظرات الحبيبة “تساقطت الخناجر والرماح والطبر كالرعد والبرق ” كانت النظرات حافزاً وتحفز روح الشاعر التي تبحر مع جمال بريق نظراتها وقوتها المدفونة ” نظراتك هي سيوف مصرية لامعة ،نظرات الحبيبة هي بمثابة خناجر ورماح وطبر على العشاق بل إنها سيوف لامعة تقطع القلوب والطبر هو سلاح قديم يشبه الفأس في شكله،إن أفكار الشاعر محسوسة وأكثر رهافة ورقة وعذوبة مع الذات الداخلية من شأنها أن تؤثر على سر الصور الشعرية الممزوجة بالروح الإنسانية وبطبيعة الحال على سر التفوق والجمال والإبداع ،هذا الإحساس الذي يتحول من رؤية عميقة تضاعف حقيقة الرؤية ” تفتحت براعمك داخل القميص كأنها كواكب” هذه الصور لم تحدد حدة الإلهام وهو يصف نهود الحبيبة بالبراعم التي استدارت داخل قميصها وكأنها كواكب في جمالها واستدارتها ولكنها كالرعد والبرق في تأثيرها بل توسع التصور الإلهامي ليقع في أسر وجمال الحبيبة لكنه غير عاجز عن وصفها .

(( تساقطت الخناجر والرماح والطبر كالرعد والبرق

   ونظراتك هي سيوف مصرية لامعة ماسية يميناً وشمالاً

   تفتحت براعمك داخل القميص كأنها كواكب

   بل إنها البرق والرعد وأشعة الشمس يميناً وشمالاً ))

إن الروح تحولت إلى رؤى جمالية مستمرة تتضاعف بهمة حسية وفكرية وإن حبه للحبيبة حب مقدس بمعنى إنه لا يستطيع الاستغناء عن جمال الحبيبة عندما يصف وجهها ككوكب الزهرة وعقدها كعقد ثريا لتنور وتشرق في الروح ” انكشفت الزهرة وعقد الثريا من المشرق ،وأخفتها ليلة القدر من المغرب” أبدى الشاعر أحمد الجزيري إعجابه بالحبيبة فأتقن بجمال وبحس مرهف أبدع وصفها حينما يصف شفاه الحبيبة مليئة بماء الحياة فهل يصيبه الارتواء من رحيق تلك الشقاء أم من الصعب الاقتراب منها ؟لذا رأى الملائكة المقدسين يرفعون الأيدي بالدعاء له .

(( انكشفت الزهرة وعقد الثريا من المشرق

   وأخفتها ليلة القدر من المغرب يميناً وشمالاً

   إن ” الملاً” الذي كان نصيبه ماء الحياة من شفتيك

   رأى الملائكة المقدسين يرفعون الأيدي بالدعاء يميناً وشمالاً ))

استخدم الشاعر يميناً وشمالاً في كل مرة لها معنى خاص فيها متمكناً في توظيف الحبيبة من الواقع وطرحها بوصف راقي في نص شعري سليم باستكشاف تلك النقاط التي يلتقي معها بين الواقع والمتخيل وبين الروح والرؤية ويمكن اعتبار إصراره على الرؤى الجمالية من الخصائص الرمزية الإبداعية والتي هبطت في روحه لتروي قدسية الأشياء المقدسة ويمكن رؤيتها مدخل إلى دراسة تحليلية نفسية للذات والروح والرؤية حيث يمتد الجمال المقدس ليصل إلى المستوى الطبيعي كونه يعرض عالماً خاصاً تتحول عوالمه إلى التفسير والتحليل من أجل بقاء قدسية الجمال في الحياة،إن الإدراك الحسي والجمالي يخلقان إلهام أخلاقي راقي والإبداع فيه اعتراف يشكل أساس عمق الروح ومساحة واسعة وقوية للرؤية تجعل الجمال أكثر جمالاً والإنسان أكثر إجلالا .

***************************************

أحمد الجزيري

–   ينحدر الشاعر من جزيرة ” بوتان ” في كردستان وباختلاف الباحثين عن سنة ولادته يذكر الأديب تحسين ابراهيم دوسكي في مقال عدد حزيران / 1995م مجلة ” متين ” حسب تحليله لتاريخ ولادة الجزيري باستفادته لأحد أبيات شعره وحسبها بالحساب الأبجدي المتداول بين الشعراء الكلاسيك فاتضح تاريخ ميلاده يوافق سنة 1567م.

–   يعتبر الشاعر واحداً من أعظم الشعراء الكرد لما يمتاز فيه شعره من القوة والمتانة والبناء وعذوبة الأسلوب وسلاسة الفكرة .

–   استحق أن يسمى ” ملك البلاغة ” الشعرية الكردية عن جدارة وموهبة وذلك لتنوع الأساليب البلاغية التي استخدمها في شعره وتفوقه ومهارته في التجول بين جنان البلاغة الشعرية الكلاسيكية.

–   له ديوان كامل منتظم ،ديوان الجزيري تحقيق المرحوم صادق بهاء الدين مطبعة المجمع العلمي الكردي بغداد 1977م

–   توفي قبل ولادة الشاعر الكبير أحمد خاني عام 1650م ونظراً لمجهول سنة ولادته يعتقد توفي عام 1640م .

******************************************** 
من مخطوطة فرحة السلام للشعر الكوردي الكلاسيكي للشاعر عصمت شاهين الدوسكي لم يطبع لحد الان . 

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية