الفنان الكردي حسن زيرك…صوت وطني وكردي خالد
إعداد/ عبد الرحمن محمد
في مدينة بوكان بمحافظة كردستان في روجهلات كردستان عام1921كانت ولادة الفنان الكردي الشهير “حسن زيرك”، في أسرة فقيرة الحال، توفي والده، وهو ما زال صغيراً، حيث حمل أعباء الحياة ومشقاتها منذ نعومة أظفاره، خاصة بعد ما تزوجت والدته حيث اضطر إلى العمل في سن الثامنة.
الظروف المادية القاسية، والوضع المتردي عموما، جعلت حسن زيرك يختار حياة التنقل والترحال في العديد من المدن الكردستانية، وكان عليه أن يمارس العديد من المهن الصعبة، حيث ذهب الى مدينة “سقز” ومن ثم إلى تبريز، وإلى العاصمة الإيرانية طهران، وهذه الظروف والمعاناة تركت في شخصيته وتكوينه الفني الأثر الكبير ويعود لها الدور في خلق حسه المرهف، وساهمت إلى حد كبير في خلق موهبته الفنية؛ لأن الغناء يلعب دوماً دوراً في الترويح عن النفس وهو وسيلة للتعبير عن المعاناة والأحزان والأفراح في الآن معاً.
خلال ترحاله بين القرى والمدن حفظ العديد من الأغاني وتعرف على الفولكلور الكردي، وأغانيه الشعبية وحفظها، حيث كان يمتاز بذكاء قوي يؤهله لحفظ الأغنية عندما تغنى أمامه، غنى في الإيوانات والمضافات الكبيرة في القرى وترك أثره في كل مكان غنى فيه، واشتهر وهو ما زال يافعاً نظراً لصوته الشجي.
تعلم زيرك خلال رحلاته الغناء بألوان وطرائق مختلفة، واستطاع التخلص من الارتباك والخجل الذي كان يراوده في البداية، وعلم بجودة صوته ونبرته المتميزة وتأثيره على الناس، وكان لرحلاته بين القرى والأرياف الكردية سواء للبحث عن العمل أو في جولاته الفنية الأثر الكبير عليه، حيث اشتهر وأصبح معروفاً بين الناس فكانت حصيلته من جولاته الكثيرة كماً هائلاً من الأغاني والألحان الفلكلورية الشعبية الأصيلة، وتزوج من المعلمة ميديا زندي وبمساعدتها تعلم القراءة والكتابة، إلى أن غادر ايران متوجهاً الى إقليم كردستان فاستقر في بادئ الأمر بمدينة السليمانية، ومكث بعض الوقت في كركوك إلى أن وصل إلى بغداد.
لقبه “زيرك” وشهرته
لُقبّ حسن بـ “زيرك” والذي يعني باللغة الكردية “الشاطر” وعرف بهذا اللقب حتى رحيله، وأصبح أحد أعمدة الغناء الكردي ورواده.
ذاع صيته واشتهر في أنحاء كردستان، ورغم مرور عقود من الزمن على رحيله إلا أنه يعيش في وجدان الشعب الكردي ولا يمكن نسيانه لاسيما في عيد نوروز الذي أصبحت أغنيته إحدى رموزه، ومن كلماتها (نوروز السنة الجديدة هل بالخير ـ عيد قديم للكرد يحمل الخير) كذلك كان يعبر من خلال أغانيه عن الحياة ومشقاتها ويحاكي مشاعر وأحاسيس الناس البسطاء.
حسن زيرك والقسم الكردي في إذاعة بغداد
عمل الفنان الراحل حسن زيرك، في بداية الأمر في فندق شهرزاد ببغداد، حيث كان معظم رواده من الكرد، وبمساعدة بعض الشخصيات الفنية والسياسية سجل أولى أغانيه في القسم الكردي في إذاعة بغداد، وكذلك غنى في برنامج أسبوعي في الإذاعة.
عمل مدة خمسة أعوام في الإذاعة، وتعرف على العديد من الفنانين الكرد المشهورين آنذاك وغنى معهم وسجلت له أكثر من 70 أغنية في الإذاعة الكردية، حتى عام 1959 حيث عاد الى طهران بناء على دعوة رسمية له بالعودة والعمل في القسم الكردي في إذاعة طهران، وغنى في إذاعة طهران وتبريز وأذربيجان، ثم استقر به المقام في إذاعة كرمنشاه عام 1960 وسجل العديد من الأغاني بصحبة فرقة أوركسترا راديو كرمنشاه.
وفي عام 1967 زار السليمانية مرة أخرى ومنها ذهب إلى بغداد لغرض تسجيل بعض أغانيه الجديدة، ولكن بدلاً من ذلك تم اعتقاله ستة أشهر وسلم بعدها للسلطات الإيرانية، وبعدها انفصل عن زوجته ميديا زندي وعن أولاده كذلك.
رحيل حسن زيرك
عاد زيرك أدراجه الى كردستان إيران وفتح مقهى له على إحدى الطرق المؤدية إلى مدينة بانه، ولكن بعد فترة من التعاسة ومر الحياة اضطر الى إغلاق المقهى وذهب إلى مدينة مهاباد، وتعرض للضغوط من الشرطة الإيرانية بسبب أغانيه الوطنية فاضطر إلى مغادرة مهاباد والذهاب الى مدينة شنو، حيث توفي هناك عن عمر 51 عاماً وهو ما زال في قمة عطائه بعد أن أصيب بمرض سرطان الرئة وفي 26 حزيران عام 1972 غادر الحياة وترك خلفه إرثاً فنياً كبيراً يقدر بمئات الأغاني التراثية والفلكلورية والمقامات والأغاني الوطنية ووري الثرى في“نالشكينة” مسقط رأسه بمنطقة بوكان حسب وصيته.
نشاطات تقام في ذكراه
في ذكرى رحيله كل عام كانت تقام العديد من النشاطات الفنية للوقوف على عطاء وميراث ذلك الفنان الذي أعطى ثروة فنية هائلة لا تقدر بثمن للفن والثقافة والأدب الكردي، كما تم نصب تمثال له عند قبره بارتفاع ثلاثة أمتار، وتم تأليف العديد من الكتب عن حياته وفنه، ووثقت مآثره وأغانيه وحياته، وأهمها كتاب ألفه الكاتب قادر نسرينيا، حيث جمع في كتابه قرابة 400 أغنية باللهجة السورانية و62 مقاماً والعديد من نتاجاته الأخرى طبعها ونشرها في طهران، كما قام معهد التراث الكردي في السليمانية قبل عدة أعوام بتوثيق أغانيه التي سجلها في بغداد وطهران وكرمنشاه وجمعها في عدة البومات غنائية مع كراس عن حياته وأغانيه.
لم يحظَ زيرك بالاهتمام الذي يستحقه من الناس في حياته، ولكنه لاقى كل تقدير واحترام بعد رحيله، وما تزال أغانيه خالدة في وجدان الشعب الكردي، وهناك أغانٍ مصورة وكليبات منذ قرابة 50 عاماً لاسيما أغنيته المشهورة (لوركي لوركي) وقد أخذت منه الكثير من الألحان ونسبت الى أناس آخرين، غنى باللغة الكردية؛ اللهجة السورانية، وغنى كذلك بالفارسية، وقليلاً بالتركية، إنه أحد أكثر الفنانين الكرد الكلاسيكيين نتاجاً وعطاءً وسيبقى شعلة منيرة لن تنطفئ.
بقي أن نشير أن نتاج الفنان الكبير حسن زيرك الفني ثروة حقيقية في التراث والفلكلور والفن الغنائي الكرديين، ويحتاج للكثير من البحث والاستقصاء والدراسة، ومن أكاديميين ومختصين؛ لأنه كان كثير البحث والتجوال ونهل من مناهل ثقافية وفنية متنوعة، والأجدر العمل على دراسة هذا النتاج دراسة أكاديمية علمية من حيث الموسيقا والكلمات والألحان والمصادر الهامة، التي كانت المنبع لهذا الفن والفنان الخالدين.
رحل حسن زيرك وما يزال الإرث الفني الذي تركه متداولاً من الفنانين الآخرين، وما زال صوته الأصيل حاضراً في كل وقت وحين.
المصدر: صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=47044