المردود السلبي لعلاقات الأحزاب الكردية مع الاخر – صلاح بدرالدين
صلاح بدرالدين
مدخل تعريفي
” إن التحالف السياسي يتم عادة بين أحزاب وقوى ، وجماعات منظمة في بلدان ذات نظام برلماني ،او في ظروف نضال المعارضة ضد أنظمة دكتاتورية من اجل التغيير الديموقراطي ، حينما تكون وجهة ذلك التحالف خدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه وإرساء قواعد عملية سياسية متفق عليها مجتمعياً، ينبت خيراً ونفعاً ويحفظ عالم القيم الإنسانية النبيلة المتميزة بتساميها عن المنفعة الذاتية والخلاص الفردي، ويشجع على التعاطي للسياسة بمعناها النبيل، والتحالف الحقيقي السليم والمنتج يتميز باتفاق المتحالفين حول تعريف العدو ، والصديق ، والخصم ، وكذلك الوطن ، والدولة ، والنظام المنشود ، والتوافق حول تشخيص القضايا ، والمشاكل ، والأزمات ، وسبل حلها . ”
تجارب كردية في التاريخ المعاصر
لدينا تجربة في مجال العلاقات من واقع الحركات الكردية خصوصا في العراق وايران ، وتركيا خلال العقود الأخيرة منذ ستينات القرن الماضي ، حيث ان تلك الأحزاب كانت في أوضاع ذاتية – من حيث الفكر السياسي ، والبرنامج ، والقيادة ، ومدى الالتفاف الشعبي – لم يكن بمقدورها الاعتماد على النفس لمواصلة الكفاح المسلح والسياسي واضطرت ( بسبب ذلك الضعف ) ومن اجل استمراريتها التنازل عن قدر من استقلاليتها السياسية للحصول على مكاسب لوجستية ، وتسليحية وغير ذلك ، وقد عايشنا احداث تلك المراحل عن كثب ، وكنا شهودا على وقائعها ، فقد نسجت صلات على سبيل المثال بين مختلف أحزاب كردستان العراق وبالأخص الحزبان الرئيسيان من جهة وبين كل من أنظمة ايران في عهدي الشاه والخميني ، وسوريا ، وتركيا ، وبين حزبي ديموقراطي كوردستان ايران من جهة والنظام العراقي بعهد الدكتاتور صدام حسين ، وبين حزب العمال الكردستاني – ب ك ك ، من جهة وأنظمة ايران ، وسوريا ، والعراق من جهة أخرى ، ولاننسى هنا صلات حزب اليمين الكردي في سوريا مع نظام بغداد بين أعوام ( ١٩٧١١٩٧٣ ) ، ولايمكن اعتبار تلك العلاقات بمجملها ، والصلات التي جرت في دوائر امنية مغلقة بمثابة تحالفات سياسية مبدئية ، شفافة لمصلحة طرفي المعادلة ، لها شروطها كما تم تعريفها أعلاه ، وقد سمعت شخصيا اكثر من مرة من اخوة في قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق كانوا ضمن الوفود الزائرة لدمشق ، على ان النظام السوري كان يتعامل مع الحركة الكردية في العراق عبر الاقنية الأمنية ، بتغطية سياسية مصطنعة مكشوفة ، فعلى سبيل المثال عندما كنا ننتهي من محادثاتنا مع مسؤولي ( المخابرات العسكرية ) – التي كانت ممسكة بالملف الكردي – نمر على مكتب الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث – عبد الله الأحمر – ونتسامر حول فنجان قهوة ثم نصدر بيانا من طرف واحد عن لقائنا ، وفي واقعة أخرى عندما عاد وفد حزب اليمين الكردي السوري من بغداد – عبر بيروت – عام ١٩٧٣ تم اعتقال المرحوم رئيس الوفد من جانب شعبة الامن السياسي بدمشق من اجل استجوابه ، والتحقيق معه ، ولكن سرعان ماتم التدخل من جانب ( المخابرات العسكرية ) واطلق سراحه على الفور ، هذا غيض من فيض عن طبيعة تلك العلاقات .
في الواقع الكردي السوري الراهن
لدينا عشرات الأحزاب التي ظهرت ، وتوالدت خصيصا بعد اندلاع الثورة السورية المغدورة تسمي نفسها باحزاب كردية سورية ، والتي بحسب إحصاءات غير رسمية تتجاوز الخمسين ، ويرى البعض ضعف ذلك ، تتوزع اجمالا وبتفاوت بين مركزين متصارعين حول السلطة ، والنفوذ : ( ب ي د – انكسي ) اللذان ينسجان علاقات ، وصلات بالسر والعلن مع انظمة ، واطراف محلية ، وإقليمية ، ودولية ، ولدى تدقيق ، وتقييم هذه العلاقات ، ومقارنتها باصول وشروط وميزات العلاقات السياسية المتعارف عليها نتوصل الى التالي :
أولا – لاتنطبق عليها صفة – التحالف السياسي – بين الحركة الوطنية الكردية السورية ، وتلك الجهات ، لان الحركة ببساطة مفككة ، ومنقسمة على نفسها ، وليس هناك من كيان سياسي موحد ، ومخول للتحدث باسم الحركة السياسية الكردية .
ثانيا – العلاقات ، والصلات القائمة بين أحزاب باسم الكرد السوريين من جهة وبين الجهات الأخرى لاتتم بشكل مركزي موحد ، بل باسم أحزاب معينة وعلى مسؤوليتها الخاصة .
ثالثا – كل ماهو جاري من تواصل ، لايتم في بلد ذو نظام ديموقراطي برلماني ، بل يسير اما مع نظام مستبد منبوذ ، ومهدد بالسقوط من جانب الشعب في الحالة السورية ، او مع أنظمة محتلة لاجزاء من التراب الوطني ، ومعظمها معادية للحرية ، والديموقراطية ، وحقوق الانسان ، او مع جهات لاتريد الخير للكرد السوريين ، بل تسعى لاستغلاله ، واستثمار قواه البشرية ، وموارده المالية ، بالإضافة انه يفتقر الى وضوح الرؤيا ، والمشروع القومي والوطني المناسب .
رابعا – هذه العلاقات لاتخدم مصالح لا السوريين عموما ، ولا الكرد ، ولاتعبر عن طموحاتهم ، ومستقبلهم ، وتدور حول أمور تتعلق بمكاسب حزبية ضيقة كما ان التفاوت بموازين القوى التي تميل لصالح الأطراف الأخرى التي تستفرد بالحزب الكردي ، يجعل الطرف الحزبي الكردي هزيلا ، وذليلا ، ومتواضعا في اطروحاته .
خامسا – معظم الأطراف التي تنسج معها الأحزاب الكردية السورية صلات ، وعلاقات – ان لم يكن كلها – لاتتوافق مع رؤى ، ومواقف ،وإرادة ، ومصالح الكرد السوريين حول الحقوق والمصير ، والنظام الوطني المنشود في سوريا ، فكيف وبهذه الحالة تصديق من يزعم بوجود تحالفات سياسية وطنية وإقليمية ودولية ؟! .
سادسا – الجهات المذكورة أعلاه التي تتعامل معها الأحزاب الكردية السورية منذ أعوام ، والتي تزعم الأحزاب انها ( تتحالف معها ) اما انها لاتعترف رسميا بوجود شعب كردي ، او لاترى في سياستها بشان سوريا وجود قضية كردية ذات طابع قومي ، ولم تكن يوما مع حل القضية الكردية على أسس عادلة ، او مع انتصار الثورة السورية وأهدافها في إزالة الاستبداد ، واجراء التغيير الديموقراطي ، والانكى من كل ذلك لم تنجح الأحزاب او لم تسعى أساسا الى تغيير مواقف تلك الأطراف تجاه قضايانا العادلة ، بل ان مواقف بعضها تزداد سوء وعدوانية كما حصل مؤخرا في منطقة عفرين ، جنبا الى جنب استمرار عملية تفريغ المناطق ، وتغيير تركيبتها الديموغرافية ، وهويتها امام اعين متنفذي الأحزاب .
ماذكرناه هو وجه من أوجه الازمة المتفاقمة التي يعانيها – الحزب الكردي – كهياكل ، وفكر ، وسياسات ، وحتى هذا الجانب لن يعالج عبر مناشدات البعض – من أصحاب القلوب الطيبة – ودعوات الإصلاح ، والتصحيح ، بل الامر يحتاج الى عملية جذرية تطال البنية التحتية ، وكل جوانب العامل الذاتي ، وذلك بالبدء بإعادة بناء حركتنا من جديد ، وتوحيدها بالطريقة المدنية الديموقراطية من خلال عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع .