تمهيد:
تتطلب مرحلة ما بعد هزيمة تنظيم داعش العسكرية، البحث بالضرورة في كيفية التعامل مع تركته في إقليم شمال وشرق سوريا، والتي تتوزع بين خلاياه النائمة، ونساءه، وأطفاله في المخيمات ومراكز الإيواء[1]، وعناصره السابقين في مراكز الاحتجاز على وجه الخصوص. فقد ارتكب هؤلاء العناصر، والمقدرة أعدادهم بالآلاف، أبشع الجرائم وأفظعها بحق الشعب السوري، سيّما ضد الأقليات الإثنية والدينية والعرقية في إقليم شمال وشرق سوريا. قد ترقى هذه الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها هذا التنظيم الارهابي إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجريمة الإبادة الجماعية[2].
إنّ البحث في الآليات القضائيّة الممكنة لمحاسبة مجرمي داعش، يكتسب أهمية كبيرة في الوقت الذي يتقاعس فيه المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن الدولي، في تحمل مسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين، بأن يعمل بشكلٍ فعّالٍ وجدّي على حلّ أو تصفية تركة داعش. الأمر الذي أدى بالإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا إلى اتخاذ القرار بمحاكمة مجرمي داعش أمام محاكمها، ووفقاً لقوانينها، وانطلاقاً من مسؤولياتها.
إضافة إلى أنّ موضوع الملاحقة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية يكتسب أهمية خاصة للحيلولة دون تمكين الأشخاص، مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، من الإفلات من المساءلة والعقاب عن أبشع الجرائم الدولية كمبدأ أساسي في القانوني الدولي[3]. تكمن الأهمية أيضاً في تحقيق العدالة للضحايا، وتصفية جزء مهم وخطير من تركة داعش في شمال وشرق سوريا، والمتمثل بقضية عناصره المحتجزين منذ الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش الإرهابي في آذار 2019. ناهيك عن الأهمية التاريخية لمثل هذه المحاكمات الخاصة بأخطر المجرمين والتي سوف تساهم بشكل أو آخر في تطوير القانون الجنائي الدولي.
وعليه، يُطرح السؤال الرئيسي التالي: ما هي المحاكم المختصة بمحاسبة مجرمي داعش المحتجزين في إقليم شمال وشرق سوريا؟ والأسئلة الفرعية التالية:
هل من الممكن محاكمة مجرمي داعش أمام محكمة الجنايات الدوليّة؟ وما هي المعوقات التي تقف أمام تحريك دعوى المسؤولية الجزائية بحق مجرمي داعش أمام هذه المحكمة الدولية؟
هل يمكن محاكمة مجرمي داعش أمام محكمة دولية خاصة ينشئها مجلس الأمن الدولي كالمحكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة أو المحكمة الخاصة برواندا؟
هل يمكن محاكمة عناصر داعش أمام محكمة دولية مختلطة بالتعاون مع الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، كجزء من مسؤولية المجتمع الدولي في دعم جهود مكافحة الإرهاب الدولي، وتصفية تركة داعش؟
وأخيراً، هل من الممكن محاكمة مجرمي داعش أمام محكمة داخليّة محليّة في شمال وشرق سوريا، ووفقاً لقوانين الإدارة الذاتية، وما هي الصعوبات أمام تشكيل مثل هذه المحكمة؟
سوف نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة المختلفة من خلال البحث وفقاً للمنهج الوصفي التحليلي، في أهم السبل القانونية والآليات القضائية الدولية والمحلية التي يمكن اللجوء إليها للنظر في الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في مناطق شمال وشرق سوريا ومحاسبة مرتكبيها، وبيان المعوقات والعراقيل التي تقف أمام تحريك الدعوى الجزائية بمواجهة عناصر داعش، وتعيق تحقيق العدالة لضحاياه حتى تاريخه. وذلك وفق المخطط التالي:
الفصل الثاني: المحاكم المختصة بمحاكمة عناصر داعش.
المبحث الأول: المحاكم الدولية التي يمكن اللجوء إليها لمحاكمة عناصر داعش.
المطلب الأول: إمكانية تأسيس محكمة دولية خاصة.
المطلب الثاني: إمكانية المحاكمة أمام الجنائية الدولية.
المبحث الثاني: المحكمة المحلية المزمع تأسيسها لمحاكمة عناصر داعش.
المطلب الأول: الدوافع والمبررات.
المطلب الثاني: التحديات والصعوبات.
المصدر: مركز الفرات للدراسات
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=53297