الخميس 17 تموز 2025

بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُدفن 1/3

د. محمود عباس

لن يفلح أيتام عهد مصانع الموت، ولا كَتَبة الخراب، في ضرب وحدة المجتمع السوري الجديد، ذلك المجتمع الحيّ الذي يسعى، رغم كل الجراح، إلى استعادة لحمته التي عرفها في عهد الاستقلال، يوم كانت المحبة والوئام دستورًا غير مكتوب بين أبنائه.

حينذاك، لم تكن الانتماءات عبئًا، بل ثراءً، ولم تكن الجغرافيا خندقًا، بل جسرًا، كان الكوردي والعربي، السرياني والآشوري، المسلم والمسيحي، سويّةً، يبنون الحلم السوري الكبير، ويكتبون فجر الخلاص من المستعمر الفرنسي، لا بأصوات البنادق وحدها، بل بعزف القلوب على أوتار الأمل.

ذلك الماضي الوطني الجميل، لا يزال حيًا في الذاكرة، لا يمكن لأحقاد البعثيين الجدد أن تطمره، ولا لأبواق الحقد أن تطفئ نوره، فكل محاولة لضرب التآلف بين مكونات سوريا، إنما هي طعنة في جسد الوطن، لن يكتب لها الخلود، لأن الشعوب التي ذاقت طعم التضامن، لا تعود تقبل الفتنة صنمًا جديدًا يُعبد.

ثمة فرق هائل بين من يكتب دفاعًا عن ذاكرةٍ، وعن أرضٍ، وعن تاريخٍ تعرض للتهميش والمسخ، وبين من ينبش القمامة ليعكر بها صفاء نهر الفرات، وجمالية الجزيرة الكوردستانية، وبين من يحاول ترميم الفجوات بين المكونات الوطنية، وبين من يستبطن الحقد ويحمل مطرقة البعث ليهوي بها على جمجمة الحقيقة.

نكتب هذا دفاعًا عن الحقيقة أولًا، وعن الكرامة التاريخية للمجتمع السوري الذي أُريد له أن يُمحى ثانيًا، وعن العلاقة التي نُحسن الظن بها، ونتألم حين يجرحها من لا خَلق له ولا خُلق.

إلى الذين جمعتنا بهم أرض سوريا كوطن، والجزيرة كجغرافية كوردستانية، وتداخلناب معهم تاريخًا وعِشرة ودمًا وزرعًا، إليكم نناشد ضمائركم، أن تردوا وتُسكتوا ألسنة الحقد الرخيص، وأقلام التزوير فلول مصانع الموت، الذي يسطرون كلمات متقيّحة، لا هي تاريخ ولا هي سرد ولا هي رأي، بل كراهية محضة مغلّفة باستعارات الجراد، واستبطانًا فاضحًا لأفكار البعث في عنصريتها وفاشيتها تجاه الكورد.

أحد من شريحة مقيته، لا تستحق حتى صفة “كاتب”، بل هو ذيل ثقافي متعفّن، أُفرغ في مستنقع الإقصاء والكذب، وظن أنه يمسك قلمًا، فخربش به على ذاكرة التاريخ، يجهل أنه حين يكتب، يكشف عن خوائه، وعن ثقافة الكراهية التي عجزت أربع عشرة سنة من الثورة السورية أن تشذبها فيه.

 مقال “الذين جاؤوا مع الريح” ليس مقالة، بل نَفَسٌ متعفنٌ، ينبعث من مستنقع أيديولوجية فلول بناة سجن صيدنايا ومسالخ أقبية الفروع الأمنية، يُعيد إنتاج خطاب سلطة سقطت أخلاقيًا وتاريخيًا، لكنه يحاول إحياء مصانع الموت، عبر خزعبلات مموهة بشعرية جوفاء.

يا أبناء الوطن السوري، وأحرار الجزيرة الكوردستانية، انتبهوا إلى ما يعبث به أحد أيتام البعث، يحاول خلق الفتنة بين المجتمع، من خلال كتابات عنصرية، كالتنصل من كل الحقائق الجغرافية والتاريخية التي توثق كيف احتضن الشعب الكوردي، في أعالي الجزيرة الفراتية، العشائر العربية الهاربة من منطقة حائل بين عامي 1880 و1910م، بعد هزائم متتالية أمام قبائل عنزة لآل سعود. أو من هربوا من الجنوب النجدي، عبروا الصحراء، واحتموا بظل الجبال الكوردية، وكان الكورد لهم ملاذًا، لا خصمًا. هذه الوقائع مثبتة في مذكرات الرحالة الأوروبيين مثل الليدي آن بلَند (Lady Anne Blunt) التي زارت الجزيرة أواخر القرن التاسع عشر، ودوّنت مشاهداتها عن انتشار العشائر العربية في سهول كوردستان، واحتضنت الأخوة والعقيدة الشعبين.

فمن يلوّث نهر الذاكرة بالكذب، لن يُغيّر مجرى الحقيقة. والتاريخ، وإن طال إنكاره، لا يُمحى ببلاغات الحقد، ولا تُحرّف خرائطه بخربشات المرتزقة. ستبقى الجزيرة الكوردستانية شاهدة على الأخوّة التي احتضنت الشعبين، وعلى خيبات من باعوا الضمير ليشتروا الوهم.

يتبع…

الولايات المتحدة الأمريكية

20/6/2025م