الطبقة/ عبد المجيد بدر
دير حافر، مدينة زراعية وتجارية شرقي حلب، يبلغ عدد سكانها ما يقرب50 ألف نسمة، وتشتهر بزراعة القطن، والقمح، وإنتاج الألبان والأجبان، تقع على عقدة استراتيجية بين حلب والبادية، وتخضع حاليًا لحماية قوات سوريا الديمقراطية التي تضمن الأمن والاستقرار للسكان رغم الهجمات المتكررة.
تقع مدينة دير حافر إلى الجنوب الشرقي من محافظة حلب على الطريق الدولي (حلب ـ الرقة)، على بعد 52 كم عن حلب، و45 كم عن الباب شمالًا، و45 كم عن مسكنة شرقًا، و86 كم عن خناصر، يحدها من الغرب مدينة حلب، ومن الشرق مدينة مسكنة، ومن الجنوب البادية السورية (أثريا)، ومن الشمال مدينة منبج، ما يجعلها عقدة استراتيجية تربط بين الريف والبادية والحواضر، وممرًا حيويًا للنشاط الزراعي والتجاري.
السكان والديموغرافيا
وحسب إحصاءات المجلس المدني في دير حافر، يبلغ عدد السكان الكلي بين 100 – 105 آلاف نسمة، يتوزعون بين أرياف دير حافر وبلدة المعمورة، فيما يقطن داخل مركز مدينة دير حافر نحو 50 ألف نسمة تقريبًا، ويعكس هذا التوزيع مكانة المدينة كمركز إداري وخدمي وزراعي يخدم عشرات القرى والمزارع المحيطة.
التاريخ والتحولات الاقتصادية
وتعود تسمية دير حافر، وفق فتوح الشام للواقدي، إلى راهب يُدعى أشغكياص، الذي وجد حافرًا من حوافر حمار المسيح عليه السلام، فأصبح مقصدًا للروم الذين كانوا ينذرون له بالنذور، ومن هنا عُرفت المنطقة باسم “دير حافر”.
واقتصاديًا، لعبت المدينة دورًا متناميًا منذ عشرينات القرن الماضي، إذ تحولت إلى مركز بارز لزراعة القطن، ما ساعد على توسعها من تجمع صغير يضم نحو 70 بيتًا في عام 1963 إلى بلدة نامية، وفي إطار دعم الزراعة في شمال سوريا، بدأ العمل على مشروع مسكنة غرب عام 1974، وهو مشروع استراتيجي شمل مدن مسكنة، ودير حافر، والريف الجنوبي لحلب، بمساحة مروية تقدر بـ 50 ألف هكتار، وقد وصلت المياه إلى دير حافر في موسم 1989 – 1990، ما أحدث نقلة نوعية في الإنتاج الزراعي، ورافق المشروع إنشاء مجفف خاص للذرة الصفراء لتعزيز التخزين والتصنيع الزراعي.
الزراعة والاقتصاد
ولا تزال دير حافر اليوم معروفة بخصوبتها واعتماد سكانها الكبير على الزراعة وتربية المواشي، تنتج أراضيها القمح والشعير والقطن والشوندر السكري والذرة الصفراء والزيتون والعنب، إضافة إلى أنواع متعددة من الخضروات، كما تشتهر بإنتاج الألبان والأجبان التي تُسوّق يوميًا إلى حلب. وإلى جانب ذلك، تُعد بحيرة الجبول جزءًا مهمًا من هوية المدينة، فهي محمية طبيعية وموطن لطيور نادرة، وتوفر مصدرًا للثروة السمكية وفرصًا للسياحة البيئية.
المجتمع والعشائر والمواقع الأثرية
ويشكل النسيج الاجتماعي خليطًا من العرب والكرد، ومن أبرز العشائر “الحديدين، والخراج، وجيس، ويسات، ومجادمة، ودمالخة، والبو ظاهر، والبو خميس، وبني سعيد، ومرندية، وعجلان، وجبارين”، إضافة إلى الكرد المقيمين في مركز المدينة، ويُعد هذا التنوع ركيزة لاستقرار المدينة ودعم المجتمع المحلي، خاصة في ظل التحديات الأمنية.
تحتوي المنطقة على مواقع أثرية مهمة، منها “تل أيوب، وتل سبعين، وحميمية كبيرة وصغيرة، وخساف، وزعرايا، والكيارية، وعين الجماجة، وشربع، وجديدة وعربيد، وتل حطابات، وأبو ضنة، والمفلسة”، وهي شاهدة على عمق التاريخ والحضارة في المنطقة.
المؤسسات والخدمات
ومنذ دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى دير حافر في الخامس من كانون الأول 2025، أعادت الإدارة الذاتية تفعيل مؤسسات مدنية وخدمية، أبرزها “بلدية الشعب في دير حافر والمعمورة، ومديرية الكهرباء، وحدات المياه، المجمع التربوي، ومراكز الأسايش والشرطة العسكرية، ومركز الجمارك”، كما تضم المدينة مشفيين خاصين وعددًا من العيادات لتأمين الخدمات الطبية.
الأمن والهجمات
وعلى الرغم من تفعيل المؤسسات المدنية، تواجه المدينة تحديات أمنية مستمرة بسبب هجمات قوات الحكومة الانتقالية بالطائرات المسيّرة والمدفعية، ففي 20 أيلول 2025 تعرضت قرية “أم تينة” لهجوم أسفر عن استشهاد سبعة مدنيين بينهم نساء وأطفال، وإصابة أربعة آخرين، كما تصدت قوات سوريا الديمقراطية في 11 أيلول المنصرم لمحاولة تسلل نحو ريف المدينة، فيما شهد الثاني من آب العام الجاري سقوط أكثر من عشر قذائف على مناطق مأهولة.
خطوط الجبهة
وتقع عدة قرى على خطوط التماس المباشرة وتشهد اشتباكات متكررة، أبرزها:
ـ الجنوب الغربي: أم زليلة، زبيدة، خساف، المبعوجة.
ـ الشمال: رسم الكرمل، أم تينة، الكيارية، الخريبة، اللالا، الجيسي، جفرة الغزال، جب بافي، العطشانة، الدريسية، كشيش.
ـ الجنوب والجنوب الشرقي: القصير، خراج دهام، جب علي، الناصرية، الشريفة، أم الزكية، المزرن، العاجوزية.
وتمثل دير حافر اليوم مدينة زراعية، تجارية، وأثرية، ذات أهمية استراتيجية وسكانية، ومركزًا لعشرات القرى والمزارع. ورغم التحديات والهجمات المستمرة، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من توفير مستوى من الأمن؛ مكّن السكان من الاستمرار في حياتهم اليومية وممارسة نشاطهم الزراعي والتجاري.
فإن ما يميز دير حافر هو قدرتها على الصمود والتحول إلى رمز للاستقرار والمقاومة، بما تحمله من تاريخ عريق، وموارد طبيعية، ونسيج اجتماعي متماسك، ومع استمرار دعم المؤسسات الخدمية وتطوير مشاريع الزراعة والسياحة البيئية المرتبطة ببحيرة الجبول، يمكن أن تصبح نقطة ارتكاز للتنمية في ريف حلب الشرقي.
صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=77380





