الجمعة, ديسمبر 27, 2024

ذكرى مجزرة ديرسم

غفور مخموري

اليوم ١٥ تشرين الثاني ١٩٣٧ يصادف ذكرى اعدام الشهيد سيد رزا ، زعيم ثورة ديرسم في شمال كوردستان، و ذلك من قبل حكومة تركيا.
ثورة ديرسم وقعت بين عام 1937 و1939 في منطقة ديرسم، التي تناظرها اليوم محافظة تونجيلي في تركيا، وكان أبرز زعمائها الروحيين والقبليين سيد رضا. وكان سببها المقاومة ضد قانون إعادة التوطين 1934 والنقل القسري للسكان الكورد، ضمن تنفيذ حكومة تركيا المركزية لسياسة التتريك آنذاك، هي أكبر انتفاضة وثورة كوردية في شمال كوردستان ضد تركيا بعد ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925، قتل فيها الآلاف من الكورد وشُرّد داخليًا الكثيرون بسبب الصراعات بين القوات المحليين وقوات الدولة. وقد دافع البعض عن الحادث معتبرين إياه ردود فعل عسكرية مشروعة، بينما أدانه آخرون باعتبار ما جرى جريمة إبادة جماعية أو إبادة عرقية (جينوسايد).
المؤرخون قد أكدوا أن العدد الإجمالي للشهداء والوفيات قرابة 14 ألف كوردي حسب إردوغان وعشرات الآلاف حسب مصادر أخرى. وقد تم اجلاء قسرا نحو 11000 شخصا من درسيم. وقد توصل المؤتمر العام 2008 التي نظمها نادي القلم الكوردي الاستنتاج بأن تركيا ارتكبت أعمال إبادة جماعية.
ثورة ديرسم عام 1937، تختلف هذه عن سابقاتها في ان السكان الكورد كانوا يدافعون ليس فقط عن حريتهم ولغتهم بل عن حياتهم وأرضهم، إذ أن الحكومة، تنفيذاً لقرارات خاصة أصدرتها عام 1932، كانت ترمي إلى إفناء سكان بعض المناطق الكوردية الاستراتيجية سواء بقتلهم أو ترحيلهم بالإكراه وتشتيتهم في غربي تركيا ولم تكتف هذه الحكومة بتركيز قوتها ضد الكورد، بل لجأت إلى الاتفاق مع إيران لهذا الغرض عام 1932، ووسعت هذه الاتفاقية عام 1937 بدخول العراق في هذا الحلف وتوقيع معاهدة (سعد آباد) التي كانت تهدف إلى ضرب كل حركة كوردية في المستقبل (البند السابع من هذه المعاهدة).
والجدير بالذكر في عام 2011 ، قدّم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اعتذارًا رسميًا باسم الدولة التركية عن المجزرة، واصفا إياها بأنها “واحدة من أكثر الأحداث مأساوية في تاريخ تركيا الحديث”. اردوغان قال حرفياً: “ما حصل في ديرسم كانت إبادة وحشية وهي نقطة سوداء في تاريخنا، ومن يفتخر بهذه المجزرة ليست لديه ذرة من الإنسانية”.
لننهي الحديث عن ذكرى استشهاد الزعيم الشهيد سيد رضا بما قاله إحسان صبري جاغلايانغل “Chaglayangil” الذي كان رئيس الأمن في مدينة العزيز {المدينة الجارة لديرسم} أثناء إنتفاضة ديرسم، وأصبح فيما بعد وزيراً للخارجة ولسنوات عديدة في الستينات: “اتاتورك كان يشرف على الحملة العسكرية شخصياً. لقد تم إستعمال الغاز السام وكان الأهالي يموتون كالفئران”. ثم يكمل الحديث عن كيفية إعدام الشيخ سيد رضا قائد الإنتفاضة ويقول: “في كل ميدان في المدينة تم إقامة أربعة منصات للإعدام. الأوامر كانت تنص على إعدام كل فرد على حدة وأن لا يشاهدوا بعضهم. كان معنا الوالي”المحافظ” وجلاد من الغجر. الجلاد طلب ليرة واحدة لكل حالة إعدام، قبلنا طلبه. في الساعة الثانية عشرة منتصف الليل ذهبنا الى السجن. أخذنا السجناء الى المحكمة. لم يكونوا يفهمون اللغة التركية. صدر حكم الإعدام بحق سبعة منهم. الحاكم نطق بالحكم “تنفيذ عقوبة الموت”دون ذكر لفظة “إعدام” التي تستعمل في التركية أيضاً. الضحايا قالوا فيما بينهم “ليس هناك حكم الإعدام” وإستبشروا خيراً. أخذنا سيد رضا معنا بسيارة الجيب العسكرية. بعد قليل وصلنا الى الميدان. عندما شاهد منصات الإعدام عرف الشيخ بما يجري، وقال: ستعدموننا…ثم ألتفت الي قائلاً: هل أنت أتيت من أنقرة لتنفيد حكم الإعدام؟… تبادلنا النظرات… هذه أول مرة في حياتي أقف فيها وجهاً لوجه مع شخص في طريقه الى الإعدام… وابتسم الشيخ ساخراً مني. في هذه الأثناء كان يتم تنفيذ الإعدام بشخص آخر في الميدان ولكن الحبل قد إنقطع مرتين وطال الوقت. وحتى لا يرى سيد رضا ذلك وقفت أمام نافذة السيارة. جاء دور سيد رضا وأخرجناه الى الميدان. كان الجو بارداً والميدان خالٍ تماماً، لا أحد هناك. ولكن الشيخ بدأ يخطب وكأن الميدان مكتظ بالبشر وقال:
“نحن أولاد كورد، بلا خطايا، هذا ظلم، هذه جريمة” {بكلمات كوردية تركية} اقشعر جسدي كله ووقف شعر جلدي كله… بدأ هذا الرجل الكهل يمشي الى منصة الإعدام طب.. طب .. طب “TAP..TAP..TAP” {واصفاً وقع صدى قدميه على الأرض وهي ترجمة حرفية للراوي وزير الخارجية الأسبق} لا يلوي على شيء … دفع بالجلاد الغجري جانباُ… علق الحبل على عنقه … ثم ضرب الكرسي بقدمه … وأعدم نفسه بنفسه … كان من الصعب علي أن أتألم لهذا الرجل الذي قتل ضباطاً أتراكاً … ولكني لم أستطع كبح شعوري بإحترام هذه الجرأة الخارقة لهذا الرجل المسن… اضطربت حالتي النفسية… وطلبت من المرافق نقلي الى الفندق فوراً….”.
هذه هي رواية الجلاد…..تصوروا ما حدث على أرض الواقع إذن.
_ المجد والخلود للشهيد سيد رضا وكافة شهداء طريق حرية واستقلال كوردستان.
_ الموت لأعداء ومحتلي كوردستان.

 

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية