السبت, فبراير 22, 2025

ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية

د. محمود عباس

هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة الأهم في المعادلة السورية، لا يتعاملون مع قضيتهم بثقلها الحقيقي، بل باتوا رهائن خلافاتهم الداخلية، وأسرى تباين رؤاهم الأيديولوجية والسياسية، مما يجعلهم يفقدون القدرة على فرض شروطهم بقوة وثقة.

رغم أن الكورد في سوريا قدموا تضحيات جسيمة، وكانوا ولازالوا رأس الحربة في محاربة الإرهاب، إلا أن القوى السياسية الكوردية، خاصة المجلس الوطني الكوردي، أو الشخصيات المدعية بأنها تمثله، وأستبعد أن يكون هذا موقف المجلس العام، أظهرت عجزًا عن استثمار هذه المكاسب استراتيجيًا.

فبدل أن يكونوا الطرف الأقوى على طاولة المفاوضات، والتي لا بد منها، باتوا يتسولون دورًا في مستقبل سوريا، يتهافتون على فتات اعتراف لا قيمة له، بينما تتعامل معهم القوى الأخرى بصفتهم مجرد بيادق يمكن تحريكها وفق المصالح الدولية، وللمصداقية حتى الأن قوى الإدارة الذاتية وطرف من المجلس الوطني الكوردي لم يتنازلوا ومنطقهم كبعد قومي ووطني صحيح بالنسبة لمنطقة الإدارة الذاتية ولكلية سوريا.

رغم أن الحوارات السياسية التي لم تُجرى معهم حتى الأن بالشكل المطلوب والتي يجب أن تكون على مستوى ثقل القضية الكوردية والقوة التي تملك وتحمي ربع سوريا، لا تتم بصفة رسمية، بل عبر شخصيات ثانوية بلا نفوذ أو تأثير في القرار، مما يعكس استخفافًا واضحًا بحقوق الشعب الكوردي، واستهانة بمطالبه التاريخية، وهو ما لم يحدث مع شعوب أخرى ناضلت لتحقيق حريتها.

المتسول لا يطلب أكثر من لقمة العيش وغطاء يحمي به ذاته، أما القائد الحقيقي فهو من يعرف مكانة أمته، ويطالب بحقوقها غير منقوصة، مدركًا أن الشعوب الحرة لا تُمنح حقوقها، بل تنتزعها بثقة وإصرار.

إن التاريخ حافل بقادة قادوا شعوبهم نحو التحرر، دون أن يساوموا أو يقبلوا أنصاف الحلول:

  • نيلسون مانديلا لم يساوم على إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ورغم قضائه 27 عامًا في السجن، خرج ليقود شعبه نحو الحرية والكرامة.
  • مصطفى البارزاني كان نموذجًا للقائد الذي لم يتوقف عن النضال، إدراكًا منه أن الحقوق لا تُستجدى، بل تُنتزع بالقوة والعزيمة.

إن هؤلاء القادة لم يقبلوا أن يكونوا على هامش المعادلة، ولم يرضخوا لمناورات سياسية تجعلهم مجرد أدوات بيد القوى الكبرى، أما الحراك الكوردي في سوريا اليوم، فهو بعيد عن هذا النهج، حيث يتفاوضون من موقع الضعف، وبدل أن يكونوا هم من يحددون شروط مشاركتهم في سوريا المستقبل، يجدون أنفسهم مجرد طرف ينتظر ما يُملى عليه، تمامًا كما كان حال العديد من القوميات التي فشلت في الحفاظ على وجودها السياسي.

إن المستقبل القريب ينذر بمخاطر كبرى على القضية الكوردية، في ظل التهافت غير المدروس على المفاوضات، وعدم امتلاك رؤية سياسية واضحة، ناهيك عن انعدام الوحدة الداخلية، وهي عوامل ستؤدي إلى خسارة المطالب الفيدرالية والحكم الذاتي، وربما حتى أبسط الحقوق القومية.

إذا لم يغيّر المدعين بأنهم قادة الحراك الكوردي نهجهم، ويبدؤوا في التصرف بثقة تليق بتضحيات شعبهم، فسيظل الكورد على هامش التاريخ، يشهدون كيف تُبنى الدول، بينما هم يرضون بأقل القليل. فالمعادلة واضحة، من يطالب بحقه كاملاً، يحصل على نصفه على الأقل، أما من يطلب الفتات، فلن يحصل حتى عليه!

الولايات المتحدة الأمريكية

18/2/2025م

شارك هذه المقالة على المنصات التالية