عبد الرحمن محمد
تحتل الاحتفالات بعيد نوروز مكانة هامة لدى الكرد بوصفه عيدا قوميا بوجه خاص، ويوم فرحة وتجدد الحياة في الكون، وله مكانته المرموقة عند الكثير من الشعوب في العالم، وخاصة الشعوب الآرية، وهو عيد يحمل الكثير من المعاني القومية والاجتماعية، والجمالية والإنسانية، وفق تقرير لصحيفةروناهي.
قبضة كاوا الحداد في وجه الاستبداد
في خصوصية عيد النوروز عند الكرد، فإننا كثيرا ما نتسائل عن تسمية هذا اليوم بـ “نوروز” والذي يعني اليوم الجديد، أما لماذا هو يخص الكرد أكثر، فلأن من كان السبب في بدئه فهو كردي، وهو كاوا الحداد “” Kawayê Hesinkar وهو الذي وقف في وجه الدكتاتور “ضحاك” الذي أصيب كما يقول التاريخ بمرض عضال، ونبت على كتفيه ثعبانان، كانا يؤلمانه إذا جاعا، فأشار عليه بعض حاشيته، أن يطعم الثعابين “مخ” شاب يافع لكل أفعى، لتشبع وتستكين، وهكذا تم جلب شابين في كل مرة، وذبحهما وإطعام مخهما للثعبان، ثم قام “كاوا الحداد” بالاتفاق مع بعض حاشيته، بتقديم مخ خروف، ومخ شاب للثعبانين، وتهريب الشاب المفدى إلى الجبال، بعد أن رؤوا أن الشباب أصبحوا معرضين للفناء، واتفق كاوا الحداد معهم، أنهم سيعودون للثورة على الضحاك في الوقت المناسب.
في سياق الرواية؛ فإن الدور يصل إلى الشاب “زير” وهو الابن السادس عشر لكاوا الحداد، والوحيد المتبقي على قيد الحياة، بعد أن قدم خمسة عشر أخا له للطاغية، وكان ذلك ليلة العشرين من آذار، وكما يقال بلغ السيل الزبى، فتم الاتفاق أن يدخل مجموعة من الشباب عبر منفذ خصص لذلك، لقتل الحراس في القصر، بينما يقوم الشباب الثوار في الجبال بالهجوم على الجيش والحامية وتخليص الناس من البلاء، وكانت إشارة البدء إشعال النار فوق القصر، وكذلك في الجبال حيث جموع الفارين من الموت، وبعد النجاح في الدخول للقصر، قتل كاوا الضحاك الظالم، وأوقد النار على القصر، وأوقدت النار في الجبال المجاورة، وتم القضاء على الضحاك الظالم وعلى حاشيته.
نوروز عيد الربيع والإنسانية على أوسع رقعة جغرافية
تتسع رقع الاحتفالات بعيد النوروز، فحيث تواجد الكردي فلابد من الاحتفال بالنوروز، وكما تشير الدراسات؛ فإن العديد من الشعوب في العالم تحتفل بهذا العيد، وخاصة تلك الشعوب، التي كان يمر بها طريق الحرير، وتحتفل الشعوب بثقافات وديانات مختلفة بعيد النوروز، في هذه المنطقة الجغرافية الشاسعة. ويعيد البعض الاحتفالات إلى أصول عدة من أهمها الاحتفالات في الزرادشتية، وهو ما يميز أكثر الأيام قداسة وأهمية في التقويم الزرادشتي القديم. لأنها توافق قدوم الربيع، ما يعنيه من قداسة وروحانية وخصوصية، فالديانة الزردشتية تعظم وتبجل الطبيعة، وترى أن الخير منتصر على الشر دوما، والفرح منتصر على الحزن، ومن الاعتقادات السائدة، أن “روح الظُهر”، المعروف باسم “رابيثوينا”، الذي دفعته “روح الشتاء” للمكوث تحت الأرض أثناء شهور البرد، يحظى بالترحيب عندما تُقام الاحتفالات وطقوس التمجيد، وفق التقاليد الزرادشتية، ظهر يوم النوروز، وتتجدد الطبيعة وتثور على السبات والجمود.
نوروز حكاية مقاومة ضد محاولات الاستعباد والصهر
كان عيد النوروز وما يزال عنوانا للانتصار على الظلم، حققه كاوا الحداد بداية، وانتقلت جذوة النار بين الأجيال لتبقى عنوانا، واستمرارا للنضال من أجل الحرية، ولرمزية وحقيقة عيد النوروز فقد منع في أرجاء كردستان، وكان حلول العيد نذيرا بالمزيد من المنع والاعتقال التعسفي، سواء في إيران أوفي العراق أو في سوريا أوفي تركيا، ولطالما كانت السلطات في مواجهة إرادة الشعوب، كانت أولى صرخات الثورة ما قام به كاوا العصر “مظلوم دوغان” ورفاقه في نوروز 1982 في سجن آمد، ومن المفيد أن نورد هنا أن قرابة الثلاثين انتفاضة، وثورة قامت في وجه الشوفونية التركية، وتم قمعها بكل وحشية وفي العراق وإيران لم تكن السلطات المستبدة بأفضل منها، أما في سوريا فقد دأب حزب البعث الحاكم على منع وحظر كل ما هو كردي، وكانت أساليب الاستبداد والمنع تتنوع بين الدعوة إلى العمل الوطني الطوعي، وفرضه في ذكرى النوروز، أو جعل اليوم يوم اختبارات للتلاميذ، والتنكيل بالناشطين والداعين للاحتفالات، ولا تغيب صور الأجهزة الأمنية القمعية عن العين، ولا تُنسى قصصهم، ومنها استشهاد سليمان آدي صبيحة نوروز 1986 في ساحة شمدين، ليعمد الأسد الأب عام 1988إلى إعلان يوم 21 آذار يوما مخصصا لعيد الأم، مع أن سوريا كانت تحتفل بعيد الأم في 13 أيار قبل ذلك، واستشهاد شابين في احتفالات نوروز كري سبي بالرقة، عام 2008، والمضايقات والاعتقالات المستمرة، حتى استشهاد الـمحمدين في قامشلو عشية نوروز 2008، وصولا إلى ما تتعمده مرتزقة الاحتلال التركي في عفرين وخاصة العام المنصرم ومجزرة آل بيشمرك، وهذا العام باستشهاد الشاب أحمد معمو.
النوروز يوم سلام عالمي
لمكانة النوروز وقيمته المادية والمعنوية وما يمثله من معان سامية، ودعوة للسلام والمصالحة مع الطبيعة والجمال، وانتشار الاحتفال والاحتفاء به في بلدان واسعة من العالم، بادرت مجموعة من الدول العالمية (أذربيجان، وأفغانستان، وألبانيا، وجمهورية إيران الإسلامية، وتركمانستان، وتركيا، وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان، والهند) بتقديم طلب بعنوان “يوم نوروز الدولي ” إلى الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر فيه واعتماده. وذلك تحت البند49 في جدول الأعمال المعنون بـ “ثقافة السلام”.
وجاء في الموقع الرسمي لليونسكو: “أن الجمعية العامة اعتمدت يوم 21 آذار بوصفه يوم نوروز الدولي، ودعت الدول الأعضاء المهتمة والأمم المتحدة، ولا سيما وكالاتها المتخصصة وصناديقها وبرامجها المعنية وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والمنظمات الدولية والإقليمية المهتمة والمنظمات غير الحكومية إلى المشاركة في المناسبات، التي تنظمها الدول التي يحتفل فيها بالنوروز”.
النوروز ذاكرة الكرد الحية
يحتفظ الكرد بالكثير الكثير من أيام أوجع في ذاكرتهم، ورغم أن عيد نوروز حمل على الدوام طابعا احتفاليا كرنفاليا، إلا أنه حمل الكثير من الأوجاع أيضا، وعلى مدى 2636 عاما حمل النوروز معاني الوجود والهوية الكردية، فلا يذكر عيد نوروز إلا ويذكر الكرد معه، والعكس بالعكس، وكذلك الأمر من ناحية الحفاظ على الموروث الشعبي والفني والتراثي الأصيل، فقد كانت الاحتفالات في الشوارع والساحات والجبال دوما فرصة لإبراز الهوية الكردية، وتفرعاتها من ناحية اللباس، والزي الكردي الفلكلوري للرجال والنساء، وكذلك الأغنيات والألحان والأعمال المسرحية، فقد كان “مسرح نوروز” على بساطته يقدم أعذب الأغنيات، وأجمل الألحان الثورية منها والتراثية، وتقدم كل عام وعلى كل المسارح مئات المسرحيات الهادفة، ويتم الخروج للعيد والمشاركة فيه ومن قبل كل شرائح المجتمع وبجميع فئاتهم العمرية، ومن مختلف التوجهات السياسية والحزبية، وكان فرصة للقاء الأحبة والأقرباء والعائلات، التي نأت المسافات بها، بل ويشهد نوروز مصالحات بين عائلات وأشخاص كان الخصام قد باعد بينها.
نوروز كان على مدى ألفي ونيف من الأعوام عيد وجود وانبعاث للكرد، وعيد سلام وأمان للشعوب الآرية، وعيد ربيع وانبعاث للطبيعة، التي تخلع عنها أثواب السبات، فتعلن التمرد والثورة، وتتزين بأجمل ما فيها من أزاهير الحياة، نوروز يوم جديد وحياة جديدة، وانطلاقة للإنسان نحو عالم حر يسوده الخير والجمال والحب.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=39147