هل الانسحاب الأمريكي من سوريا سيكون خياراً واقعياً؟

كورد أونلاين |

لزكين إبراهيم – باحث في مركز الفرات للدراسات

عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ظروف مغايرة تماماً لتلك التي شهدتها ولايته الأولى، حيث يواجه الشرق الأوسط صراعاتٍ معقدةً ومتعددة، أبرزها المواجهة المفتوحة على كافة الاحتمالات بين إسرائيل وإيران، إلى جانب التوترات المرتبطة بأذرع طهران في المنطقة. تأتي عودة ترامب وسط واقع جيوسياسي جديد، إذ يبدو أن استراتيجيته في ولايته الثانية ستتسم بتوجهات مغايرة لتلك التي تبنّاها خلال فترته الأولى، حيث قد يسعى إلى تبني سياسة أكثر انخراطاً، تهدف إلى تحقيق استقرار يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، في وقت قد تتغير فيه أولويات واشنطن لتدفع باتجاه إنهاء الصراعات في الشرق الأوسط بدلاً من الانسحاب منها.

لا بدّ أن يضع ترامب الصراع الإسرائيلي الإيراني على قمة أولويات سياسته الخارجية في الشرق الأوسط. فالتصعيد الحالي بين إسرائيل وأذرع إيران، وخصوصاً في سوريا ولبنان، يجعل من الصعب تجاهل هذا الملف أو التفكير في سياسة الانسحاب من المنطقة، لذا من المحتمل أن تبقي إدارة ترامب قواتها العسكرية في سوريا والعراق كجزء من استراتيجية الردع ضد إيران، إذ يوفر هذا الوجود قاعدة ضغط ويعزز أمن إسرائيل عبر تقييد تحركات الفصائل المدعومة من طهران.

من جهة أخرى، فإنّ تصاعد نشاط تنظيم داعش يجعل من عملية سحب القوات الأمريكية من سوريا خطوة محفوفة بالمخاطر الأمنية التي قد ترفضها المؤسسات الأمريكية. فوجود الآلاف من عناصر داعش المعتقلين وعائلاتهم في السجون والمخيمات يمثل تهديداً أمنياً مستمراً. ففي حال حدوث انسحاب أمريكي، قد يؤدي ذلك إلى حالة من الفوضى تتيح لهؤلاء العناصر الفرصة للهرب، مما يهدد بعودة التنظيم بشكل أقوى داخل سوريا وربما في مناطق أخرى، ويقوض بذلك ما حققه التحالف الدولي خلال العقد الماضي في محاربة الإرهاب. في هذا السياق، فإنه من غير المرجح أن يلقى قرار سحب القوات الأمريكية التأييد من الأوساط الأمنية والعسكرية في الولايات المتحدة، خاصة أن هذه القوات تُعتبر أداة هامة للضغط على إيران وحلفائها في المنطقة. لذلك، قد يفضل ترامب الإبقاء على وجود أمريكي محدود لضمان الحفاظ على التوازن الإقليمي وضمان عدم استفادة الخصوم من الفراغ الناتج عن الانسحاب.

إنّ أي انسحاب أمريكي من سوريا قد يُفضي إلى هجوم عسكري تركي جديد على مناطق شمال وشرق سوريا، والمواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية ما يعيد الحرب والصراع في المنطقة إلى الواجهة وهذا ما لا ترغب به أمريكا وأوروبا التي تخشى من موجات جديدة من اللاجئين ومخاوف من انتعاش داعش في حال انشغال قسد بالحرب مع تركيا.

كما أنّ الإدارة الذاتية ستملك خيار التفاوض مع روسيا والنظام السوري لتملأ الفراغ الذي ستتركه أمريكا على غرار ما حصل عند الانسحاب الجزئي السابق لأمريكا في الولاية الأولى لترامب. وفي هذا السياق قد تعمل الإدارة الذاتية للتنسيق مع روسيا ودمشق لإدارة ملف الآلاف من عناصر تنظيم داعش وعائلاتهم في السجون والمخيمات التي لم تجد دول التحالف حلاً لها حتى الآن، وهذا مل لا ترغب به أمريكا وأوروبا من استخدام هذا الملف كورقة ضغط بيد روسيا والنظام السوري.

وفي المقابل هناك مخاوف داخل أمريكا نفسها من أنّ أي سيناريو للانسحاب قد يعزز النفوذ الإيراني في شمال وشرق سوريا وهذا ما حذّر منه المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية، جيمس جيفري، مشيراً إلى أن تلك الخطوة قد تصب في مصلحة إيران والنظام السوري. حيث قال جيفري في حديث لموقع “ميدل إيست آي، بتاريخ 9 نوفمبر 2024″ إنّ هذا سيكون خطأ فادحاً، لأنه من شأنه أن يعزز نفوذ إيران والأسد، ما يخلق فراغاً من شأنه أن يضرّ بشركائنا المختلفين، بما في ذلك تركيا”.

وبالتالي، ورغم سماح ترامب لتركيا في ولايته الأولى بشن عملية عسكرية في شمال وشرق سوريا، فإن العلاقة بينه وبين أنقرة دخلت في توترات ملحوظة بعد تلك العملية. ففي 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن ترامب عن فرض رسوم إضافية بنسبة 50% على واردات الصلب من تركيا، وأوقف المفاوضات حول اتفاق تجاري معها. هذا التصعيد جاء في تغريدة قوية عبر فيها ترامب عن استعداده “لتدمير اقتصاد تركيا بالكامل”، رداً على عملية تركيا العسكرية في شمال وشرق سوريا، والتي نفذتها فور انسحاب القوات الأمريكية، مما وضع ترامب في موقف محرج أمام الرأي العام الأمريكي، وأثار انتقادات واسعة ضد قراره.

هذه التجربة السابقة قد تؤدي إلى أن يتخذ ترامب، في ولايته الثانية، موقفاً أكثر حذراً وتشدّداً تجاه أية مساعٍ تركية للتوسع في شمال وشرق سوريا. فقد يكون أقل رغبة في تكرار سيناريو الانسحاب الذي أعطى أنقرة مساحة للتقدم العسكري، خاصةً في ظل شعور ترامب بأن أردوغان استغل الموقف وأحرجه داخلياً.

من اللافت أنّ التحليلات التركية، منذ إعلان فوز ترامب، ركزت بشكل كبير على تأثير هذا الفوز على العلاقات بين أنقرة وواشنطن، مع التركيز بشكل خاص على القضية السورية. فقد أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قلقه العميق إزاء الملف السوري، مشيراً إلى أنه سيبحث مع ترامب تطورات المنطقة عبر “دبلوماسية الهاتف”، خاصة فيما يتعلق بمسألة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ووقف الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية.

هذا الاهتمام من أردوغان بقضية الكرد يعكس مخاوفه من كيفية تعامل ترامب مع الكرد وقوات سوريا الديمقراطية في ولايته الثانية. فهناك احتمال أن يسعى ترامب لتبني موقف أكثر دعماً للكرد هذه المرة، بعد قراره السابق الذي سمح لتركيا باستهدافهم في شمال وشرق سوريا، وهو القرار الذي اعتبره البعض خطأ استراتيجياً أضعف موقف الولايات المتحدة في المنطقة وأضرّ بحلفائها المحليين.

وبالتوازي فإنه في حال لم تنسحب أمريكا من سوريا فمن المرجح أنّ التقارب المحتمل بين ترامب وبوتين قد يتيح لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية فرصة أكبر لاعتماد روسيا وسيطاً للانفتاح على حوار مع دمشق. وفي هذا السياق، قد تصبح فرص التوافق والتفاهم بين الإدارة الذاتية والنظام السوري أوسع تحت رعاية موسكو وبدعم أمريكي في عهد ترامب.

من جهة أخرى، تسعى كل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى تحقيق الاستقرار في سوريا كجزء من استراتيجية أوسع لاحتواء إيران وحل أزمة اللاجئين، ما قد يعزز من مكانة الإدارة الذاتية ويشجع على إشراكها في العملية السياسية. إذا ما سعى ترامب لتحقيق حلّ سياسي في المنطقة، فقد تكون هذه فرصة لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية للتفاوض على دورهم في مستقبل سوريا وضمان عدم عودة داعش والفوضى إلى المنطقة.

وبالتالي وبالتزامن مع استراتيجيتها تجاه إيران، فمن المتوقع أن تحاول إدارة ترامب العمل على إعادة ترتيب الملف السوري بطرق تضمن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وفي هذا السياق قد تسعى إدارة ترامب إلى الضغط من أجل عملية سياسية تقودها روسيا، إذ تدرك أمريكا أن موسكو هي القوة الفاعلة في سوريا، ومن المتوقع أن تحظى هذه الجهود بدعم بعض الدول العربية والأوربية، وخاصة تلك التي تسعى لتقليل النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.

ومن المرجح أن يعمل ترامب على وضع تسوية أو تفاهمات تقلل من الصراع بين تركيا والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا. من المتوقع أن يضغط ترامب على الطرفين للانخراط في محادثات سلام أو تسويات، خاصة أن استمرار هذا الصراع يعقد الوضع الميداني ويشكل تهديداً للاستقرار في المنطقة، ووسط زيادة نشاط تنظيم داعش فإن واشنطن ستحتاج إلى بقاء جزئي لضمان الاستقرار في سوريا والعراق ومواصلة مواجهة أي خطر محتمل من التنظيم.

رغم أن المشهد في شمال وشرق سوريا سيبقى مفتوحاً على جميع السيناريوهات، إلّا أنّ المؤشرات الحالية تشير إلى صعوبة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قبل انتهاء حرب غزة، وقبل أن يتم وضع الملف السوري على مسار عملية سياسية وفق القرار الأممي 2254.

المصدر: مركز الفرات للدراسات

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز