هويّتي الكُرديّة بلسانك يا درويش
آزاد عنز
أيها المخطئ في توصيف المالك والمُلك ليكون المُلك لا مرئيا، أيها المخطئ في توصيف الكرديّ والريح ليكون الكرديّ شاردا تقوده ريحٌ مرئية إلى جهة لا مرئية، أيها المخطئ في توصيف المحنة لتكون المحنة قصيدة متوارية خلف كلماتها اللا مرئية، أيها المخطئ في توصيف الوارث والميراث والورثة ليكون التكييف القانوني إرثا لا مرئيا، مُثقّلا بغُبارٍ لا مرئي ومدفون في حقيبة لا مرئية تحملها دراجة هوائية لا مرئية، أيها المخطئ في تقسيم الإرث لتكون حصّة الكرديّ من الميراث ريحا مرئية لا تقبل الهدوء والركون على جغرافية غير عادلة ومتواطئة مع الخديعة، وأيّ صواب ناقص، إن كان الصواب يُرى من مرآة الصواب خطأ، فتنفض الغبار عن القصيدة لتنطق «ليس للكرديّ إلّا الريح» ريحٌ تعبث في الفراغ ليبقى الفراغ ممتلئا بالضجيج، ريحٌ تقود الجغرافيا الكردية إلى جغرافيةٍ لا شمال لها، ليبقى الكرديّ منقوص الجهة وتائها في جغرافية فقدت إحدى بناتها الجهات، أمّا جهة الشمال الناقصة كانت من حصّة سليمو بن المُلا بركات وكلماته الحبلى بالجنون، سليمو الذي سرق جهة الشمال عندما اتخذ المنفى وطنا على عجل، وخبّأ الشمال بين كلماته ومعانيه في مُعجمه المتآكل ليعود إليه كلما ضلّ الطريق وينصرف إلى صوابه.
للكرديّ وطن طُرِدَ من خريطة العالم ليستقر في خريطة الألم، وطنٌ سُلبت منه الجغرافيا بتعويضه تاريخا مليئا بالدّم، أما الهويّة فقد دُفنت في لغته المنفية كأيّ هويّة عبث بها الطغاة لتبقى مجرّدة من ثيابها وتصبح عارية، هيهات من قضيّةٍ يا درويش إن أصبحت قصيدة أبياتها الشوق والحنين، وكلماتها العذاب، ودوّنت على صفحةٍ مصبوغة بالدّم تتوارثها الأجيال الكردية تباعا، وهيهات من حقٍّ صريح وخالص، إن أصبح حُلما مُبهما ومُدرجا في قصيدة مُبهمة ليكون مصيره الكلمات المُبهمة، هيهات من قصيدةٍ إن نطقت وكان المنطوق ريحا، وأيّ ريح! الريح التي تأخذك بعيدا إلى حيث المنفى ينتظرك بفارغ الصــــبر، المنفــــى المُفضي إلى شقيقه المنفى المُفضي بدوره إلى أبواب المنفى السرمديّ، والتيه الذي لا ينتهي، لتفتح الأبواب وتتعانقان كهاربَين من سجنٍ اعتُقِلا ظلما والتقيا مجددا بعد فراق طويل، ككل منفى لا يستطيع العيش وحيدا في خلوته إلّا برفقةِ هاربٍ من جغرافيةٍ مزدحمة بالقبور والموتى، ليؤنس وحدته ويزيل وحشته، ككل منفى لا يجهد نفسه في البحث عن شريك ليأخذه من العزلة إلى ضجيج الأرصفة المكتظّة بأحذية المارّة، ككل منفى ينتظر كرديّا قادما من بعيد ليحمله على ظهره ويمضيا معا إلى قصيدتهما اللا مرئية.
القدس العربي