الجمعة, فبراير 21, 2025

آن الأوان لفصل المسار السياسي عن العسكري في الإدارة الذاتية

د. محمود عباس

الإدارة الذاتية في ميزان القوى الدولية، هل هي قوة عسكرية أم إدارة سياسية، وهل عدم الاعتراف بها سياسيا تجاهل مقصود أم مبني على قوانين؟

حان الوقت للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أن تعيد صياغة نهجها السياسي والدبلوماسي بما يتماشى مع القوانين والأعراف الدولية، وأن تقدم نفسها ككيان سياسي مدني متكامل، بعيدًا عن الطابع العسكري في الحوارات الداخلية والخارجية. على الإدارة الذاتية أن تكون الطرف الأساسي في جميع المحادثات مع دمشق ومع الجهات الدولية والإقليمية، من خلال ممثلين سياسيين ودبلوماسيين مؤهلين، وفقًا لمبادئ القانون الدولي، وبما ينسجم مع العقد الاجتماعي الذي يشكل الإطار الدستوري للمنطقة.

إن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تمثل الذراع العسكري الذي يحمي المنطقة ويحافظ على أمن المدنيين، شأنها شأن أي قوة عسكرية نظامية تابعة لحكومة شرعية، ولكن ينبغي أن يكون واضحًا على المستويين المحلي والدولي أن قسد ليست الجهة السياسية المخولة بإدارة المفاوضات أو اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بمستقبل المنطقة، بل الإدارة الذاتية كيان سياسي تابع لسلطة دمشق اللا مركزية، كإدارة فيدرالية لغرب كوردستان، أو كما تُعرف باسم منطقة إدارة ذاتية لشمال شرقي سوريا. بل يجب أن يكون التفاوض والتواصل مع القوى الدولية والإقليمية، بما فيها حكومة دمشق، من اختصاص الهيئات السياسية والقانونية في الإدارة الذاتية، تمامًا كما هو معمول به في الدول التي تمتلك مؤسسات سياسية مستقلة عن الجيش.

إن استمرار تقديم الإدارة الذاتية للعالم من خلال الخطاب العسكري، سواء في ملف السياسة، أو الاقتصاد، وخاصة الطاقة، أو غيرها، يعزز التصورات الخاطئة بأن قسد هي الحاكم الفعلي للمنطقة، ويضعف من شرعية الإدارة المدنية. يجب أن يكون هناك فصل واضح بين الإدارة السياسية والإدارة العسكرية، بحيث تكون القوات العسكرية أداة لحماية الإدارة الذاتية وليس المتحكمة فيه، وبذلك يتوقف الخطاب المتداول حول أن الحوار يجري مع “قسد”، وكأن الاتفاقات المتعلقة بالنفط والغاز ونظام الإدارة تتم حصريًا معها، متجاهلين وجود القيادة السياسية للإدارة الذاتية ودورها المحوري في صنع القرار.

لقد رأينا كيف أن الجهات العسكرية في مناطق أخرى من سوريا تمكنت من فرض واقع سياسي جديد بمجرد إعادة هيكلة منظومتها العسكرية ضمن إطار مدني، كما حدث عندما قامت “هيئة تحرير الشام” بتغيير هياكلها العسكرية وتأسيس حكومة مدنية شكلت وزارة دفاع للإشراف على قواتها، مما أتاح لها فرصة للحوار على مستوى دبلوماسي وسياسي، حتى مع الجهات التي كانت ترفض الاعتراف بها في السابق. بغض النظر عن الموقف من هذه التجربة، فإنها تُظهر أهمية التوجه نحو إدارة مدنية تعزز الاعتراف الدولي، وهو ما يجب أن تأخذه الإدارة الذاتية بعين الاعتبار.

من الضروري أن تتبنى الإدارة الذاتية هذا النهج في تعاملها مع دمشق ومع القوى الدولية، بحيث لا يكون الجنرال مظلوم عبدي، قائد قسد، هو المحاور الرئيسي في القضايا السياسية، بل يتم إسناد هذه المهمة إلى جهات سياسية ودبلوماسية متخصصة، وهو ما سيجعل الحوارات أكثر شمولًا واحترافية، ويشمل جميع الملفات، سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو العسكرية، أو الثقافية. فمسألة مستقبل قسد لا يمكن أن تُبحث بمعزل عن الحل السياسي الشامل، ولن يكون منطقياً حلّها دون إطار سياسي متفق عليه.

كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تولي شخصية عسكرية مثل الجنرال مظلوم عبدي رئاسة الإدارة الذاتية قد يثير إشكاليات داخلية وخارجية، إلا إذا تنازل عن منصبه كعسكري وانخرط في مجال الإدارة السياسية، دونها قد يُنظر إلى ذلك على أنه تعزيز للحكم العسكري في المنطقة، وهو ما يتعارض مع المبادئ الديمقراطية والإدارة المدنية التي تسعى الإدارة الذاتية إلى تكريسها. لذلك، ينبغي أن يتم الفصل الواضح بين السلطات، بحيث تبقى القيادة العسكرية ضمن نطاق وزارة الدفاع أو الإدارة العسكرية، بينما تكون السلطة السياسية والإدارية بيد مؤسسات مدنية تمثل جميع مكونات المنطقة.

لذلك، من الضروري أن تقوم قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والقوى السياسية الأخرى المنضوية تحت مظلة الإدارة الذاتية، بالتنسيق مع الجنرال مظلوم عبدي، لإعادة هيكلة العلاقة بين الإدارة المدنية والقوات العسكرية، بحيث تظهر للعالم كإدارة مدنية ديمقراطية متكاملة، لديها مؤسسة عسكرية لحمايتها، وليس كيانًا عسكريًا يحكم المنطقة. إن تعزيز هذه الصورة هو المفتاح للحصول على اعتراف دولي أوسع، وتجنب الاتهامات التي قد تستخدمها بعض الأطراف لشيطنة المشروع السياسي للإدارة الذاتية، أو الطعن في شرعيتها.

بإعادة بناء هذا الهيكل الإداري والسياسي، ستتمكن الإدارة الذاتية من تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، وستتمكن من خوض مفاوضات ناجحة تؤدي إلى حلول طويلة الأمد لمستقبل المنطقة، بما يضمن استقرارها ويؤمن حقوق جميع مكوناتها، ويؤسس لنموذج ديمقراطي حقيقي يضمن الحماية والشرعية في آنٍ واحد.

الولايات المتحدة الأمريكية

13/2/2025م

شارك هذه المقالة على المنصات التالية