الخميس, يناير 23, 2025

إلى السيد وزير الخارجية، سوريا لا تبنى بالكلام المزخرف

ماهر حسن 

عند النظر إلى ما أقر به وزير الخارجية السوري السيد أسعد الشيباني بشأن تعرض الكورد للظلم في عهد النظام السابق، ووعوده ببناء سوريا يشعر فيها الجميع بالمساواة، يتضح بجلاء أن هذه التصريحات لا تعدو كونها محاولة جديدة لإعادة إنتاج خطاب استهلاكي لا يعكس نوايا حقيقية لتغيير الواقع القائم. هذه الكلمات، التي قد تبدو في ظاهرها تصالحية أو تسعى إلى طي صفحة الماضي، لا يمكن أن تخدع الكورد الذين عانوا لعقود طويلة من التمييز والتهميش الممنهج. المساواة ليست شعاراً يُرفع في المؤتمرات ولا وعداً يُمنح في اللقاءات الدبلوماسية، بل هي إجراءات متكاملة من السياسات والقرارات التي يجب أن تترجم الأقوال إلى أفعال ملموسة تعيد الحقوق إلى أصحابها. إن ما يُقال اليوم قد يثير إعجاب البعض ظاهرياً، أو قد يُستخدم لتلميع صورة النظام الحالي أمام المجتمع الدولي، لكنه بالنسبة للكورد ليس سوى محاولة لتبرئة الحاضر من ماضٍ لم يتم الاعتراف بمظالمه أو اتخاذ أي خطوات فعلية لمعالجته.

إن أي خطاب حقيقي عن المساواة لا يمكن أن يكتفي بالإشارة إلى ما يسمى بـ”النظام السابق” كفاعل مجهول، وكأن السياسات التمييزية التي استهدفت الكورد مجرد أخطاء عابرة ارتكبتها جهة غير معروفة في زمن مضى. الحقيقة الواضحة التي يعرفها الجميع هي أن النظام الحالي هو الوريث المباشر لتلك السياسات، وهو المسؤول المباشر عن استمرارها وتداعياتها. إن الاعتراف بالمظالم التي تعرض لها الكورد لا يقتصر على مجرد الإقرار بها نظرياً أو توجيه اللوم إلى الماضي، بل يقتضي إدانة صريحة وشاملة لهذه السياسات، والعمل الجاد على إزالتها جذرياً من جذورها. لا يمكن بناء سوريا يشعر فيها الجميع بالمساواة والعدالة دون مواجهة شجاعة لهذه المظالم، ودون اتخاذ قرارات واضحة لإصلاح الأضرار التي لحقت بالكورد وغيرهم من المكونات السورية.

إذا كان الحديث عن رفع الظلم عن الكورد صادقاً، فإن هذا يتطلب إجراءات جوهرية تبدأ بإزالة كافة آثار السياسات التمييزية التي شكّلت الأساس لنهج النظام السابق. هذه السياسات ليست مجرد ذكرى مؤلمة، بل هي حقائق ما زالت ماثلة في الحاضر وتؤثر بشكل مباشر على حياة الكورد وهويتهم. أولى هذه الخطوات الضرورية هي إعادة الأسماء الأصلية للمدن والقرى الكوردية التي جرى تغييرها قسراً في إطار سياسة ممنهجة لطمس الهوية الثقافية والجغرافية للكورد. تغيير أسماء الأماكن ليس مجرد تغيير شكلي، بل هو جزء من محاولة مسح الهوية التاريخية والثقافية لشعب بأكمله، واستعادة هذه الأسماء هو اعتراف بحق الكورد في هويتهم وفي انتمائهم التاريخي إلى الأرض التي عاشوا عليها لآلاف السنين.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل مشروع “الحزام العربي” الذي كان أحد أخطر السياسات التمييزية الممنهجة. هذا المشروع، الذي استهدف تغيير التركيبة السكانية في المناطق الكوردية من خلال التهجير القسري وتوطين عائلات عربية بدلاً من السكان الأصليين، يمثل جريمة ديموغرافية لا يمكن التغاضي عنها أو تجاوزها بالكلام فقط. إنهاء آثار هذا المشروع وإعادة الحقوق العقارية إلى أصحابها الشرعيين يمثل خطوة أساسية لتحقيق العدالة والمساواة. علاوة على ذلك، يجب ضمان حق الكورد في ممارسة ثقافتهم ولغتهم بحرية كاملة، وأن يكون لهم تمثيل عادل في كافة مؤسسات الدولة.

لكن الأهم من كل ذلك هو الاعتراف الدستوري بالكورد كمكون أصيل وأساسي من الشعب السوري. هذا الاعتراف ليس مجرد رمز أو مسألة ثانوية، بل هو أساس أي حديث عن المساواة. دستور يعترف صراحة بالكورد ويضمن حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية هو الخطوة الأولى نحو بناء دولة المواطنة التي تضمن العدالة لجميع أبنائها. أي حديث عن المساواة بدون هذا الاعتراف الدستوري هو محض إنكار للواقع، بل هو استمرار لنهج الإقصاء والتهميش الذي عانى منه الكورد لعقود طويلة.

إن الكورد وغيرهم من المكونات السورية لم يعودوا بحاجة إلى وعود أو خطابات فارغة، بل إلى رؤية واضحة وخطة عمل شاملة لإزالة المظالم وإرساء قواعد العدالة. دولة المواطنة التي يشعر فيها الجميع بالمساواة لن تُبنى بالكلام، بل بإرادة سياسية صادقة وشجاعة تعترف بالماضي وتعالج آثاره بقرارات شجاعة وجذرية. الكورد، كسائر السوريين، يدركون تماماً أن المساواة لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن تحقيقها لن يتم إلا من خلال مواجهة صريحة مع الظلم والعمل على إنهاء كل أشكاله دون مماطلة أو التفاف.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية