الخميس, فبراير 27, 2025

البيان الختامي للحوار الوطني العربي السوري: إعلان حرب على كوردستان وشمال شرق الفرات

بقلم: د. أكرم نعسان

لم يكن البيان الختامي لمؤتمر “الحوار الوطني العربي السوري”، الذي اختتم أعماله في دمشق، مجرد مجموعة توصيات سياسية، بل كان إعلانًا واضحًا للحرب ضد كوردستان وشمال شرق الفرات، المنطقة التي أثبتت أنها النموذج الأكثر استقرارًا وتنظيمًا في سوريا ما بعد 2011. جاء هذا البيان ليؤكد مرة أخرى أن العقلية المركزية القومية العربية، التي أفضت إلى عقودٍ من الظلم والاستبداد، لا تزال متجذرة في القوى التي اجتمعت في المؤتمر.

مضمون البيان: هجوم على الهوية الكوردية

ركز البيان على “ضرورة استعادة السيادة السورية على كل أراضيها”، وهي عبارة تحمل في طياتها تهديدًا مباشرًا للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، التي باتت تمثل تجربة ديمقراطية فعلية وسط انهيار الدولة السورية. كما شدد على “رفض المشاريع الانفصالية”، وهو مصطلح يستخدم عادةً لتبرير الحروب القومية ضد أي كيان كوردي يسعى لممارسة أبسط حقوقه في الحكم الذاتي.

بدلًا من تقديم حلول عملية للأزمة السورية، أصر البيان على رؤية قديمة قائمة على نفي وجود أي مكونات أخرى في البلاد، متجاهلًا التنوع القومي والديني الذي لطالما كان سمة سوريا الطبيعية. إن رفض الاعتراف بحقوق الكورد في المشاركة الفعلية بالحكم ليس إلا استمرارًا لسياسات التهميش والإنكار التي عانى منها هذا الشعب لعقود.

من يقف وراء البيان؟

رغم أن حزب البعث لم يشارك رسميًا في المؤتمر، إلا أن الخطاب الذي حمله البيان لا يختلف عن الخطاب البعثي التقليدي في نفي حقوق الكورد وإعادة إنتاج الفكر القومي العربي المتطرف. لا يمكن النظر إلى هذا البيان بمعزل عن الدعم الإقليمي الذي تحظى به هذه القوى من بعض الدول التي تسعى لإجهاض أي تجربة كردية ناجحة.

هناك تقاطع واضح بين المصالح السورية والتركية والإيرانية في مواجهة أي كيان كوردي يتمتع بدرجة من الحكم الذاتي، وهو ما يفسر الحملة الإعلامية والسياسية التي تستهدف الإدارة الذاتية.

كما أن بعض الفصائل التي شاركت في المؤتمر لها سجل طويل في معاداة القضية الكوردية، بدءًا من القوى القومية المتطرفة وصولًا إلى بعض الفصائل التي كانت جزءًا من المعارضة سابقًا ولكنها انضمت لاحقًا إلى مشاريع أكثر راديكالية. هذا التحالف غير المعلن بين أطراف كانت متصارعة سابقًا يعكس مدى أهمية “القضية الكوردية” بالنسبة لهم كمحورٍ مشترك لمواجهتها.

الشرع (الجولاني) رئيسًا لسوريا: هل تغير شيء؟

أحد أبرز التحولات في المشهد السوري هو أن أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم “أبو محمد الجولاني”، زعيم هيئة تحرير الشام، أصبح رئيس الجمهورية الانتقالية بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. هذا التغيير لم يأتِ بأي جديد بالنسبة للكورد، إذ إن الخطاب القومي العربي المتطرف ظل كما هو. استخدم الشرع نفس العبارات التي كان يرددها الأسد: “وحدة سوريا خط أحمر”، “السيادة الوطنية غير قابلة للتفاوض”، و”رفض أي مشاريع تقسيمية”.

وهنا يظهر بوضوح أن النظام القديم قد تغير شكليًا، لكنه جاء بنسخة أشد تطرفًا: “نظام قومي عربي زائد العقل الإسلامي المتشدد”. لم تعد المسألة مجرد قومية عربية شمولية، بل أضيف إليها البعد الديني المتطرف الذي يمثله الجولاني، ما يعني أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من القمع والإنكار، ولكن هذه المرة بغطاء إسلامي متشدد.

رغم تغير الأسماء، بقيت السياسات كما هي، حيث لم يقدم النظام الجديد أي رؤية ديمقراطية حقيقية، بل أعاد إنتاج نفس السياسات الإقصائية التي ترفض الاعتراف بحقوق الكورد ومطالبهم العادلة.

ماذا بعد البيان؟

من الواضح أن البيان ليس مجرد خطاب سياسي، بل هو تمهيد لمرحلة جديدة من الصراع في شمال وشرق سوريا. فالتأكيد على ضرورة “استعادة السيادة” يعني أن النظام يخطط لتحركات عسكرية أو سياسية تهدف إلى إضعاف الإدارة الذاتية. هذه التحركات قد تتم عبر:

اتفاقات مع تركيا لضرب الاستقرار في شمال وشرق سوريا.

دعم مجموعات موالية للنظام داخل المنطقة الكوردية لإثارة الفوضى والانقسامات الداخلية.

لكن الكورد وقوى شمال شرق سوريا لا يمكنهم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذا التهديد. بل يجب اتخاذ خطوات استباقية لضمان حماية مكتسباتهم السياسية والعسكرية.

الخطوات الاستباقية المطلوبة

1. رفع حالة الاستعداد للدفاع عن Rojava Kurdistan: يجب على القوات الكوردية أن تكون في أعلى درجات التأهب، تحسبًا لأي هجوم عسكري محتمل من قبل النظام السوري أو القوى الإقليمية المتحالفة معه.

2. قطع إمدادات النفط إلى النظام: وقف تصدير النفط للنظام السوري، مما سيؤدي إلى تقويض قدرته على تمويل عملياته العسكرية ضد شمال وشرق سوريا.

3. تعزيز الحدود مع غرب الفرات: لضمان عدم تسلل أي تهديدات من تلك المناطق، وخاصة من الجماعات المدعومة من تركيا أو النظام السوري.

4.الاستمرار في العمليات العسكرية ضد الجولاني: تنفيذ ضربات استباقية تستهدف هيئة تحرير الشام، وعدم السماح لها بالتوسع أو تشكيل تهديد مباشر على شمال وشرق سوريا.

5. الإسراع بتشكيل جبهة كوردستانية موحدة: تجمع القوى السياسية الكوردية في تحالف استراتيجي لمواجهة التحديات القادمة بشكل موحد.

6. تشكيل تحالف وطني كوردستاني: يضم مختلف الفصائل والقوى الكوردية لضمان موقف موحد أمام التهديدات الإقليمية والمحلية.

7. تنظيم مؤتمر للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني: لوضع استراتيجية شاملة لمستقبل الإدارة الذاتية، وتعزيز دور المجتمع المدني في بناء مؤسسات قوية ومستدامة.

الخاتمة

البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني العربي السوري ليس إلا امتدادًا لسياسات الهيمنة القومية التي لطالما عانى منها الكورد وبقية المكونات غير العربية في سوريا. لكنه في الوقت نفسه يكشف حقيقة أن النظام الجديد، رغم تغيير الأسماء، لا يزال يحمل نفس العقلية الإقصائية التي ترفض الاعتراف بالحقوق القومية للكورد.

إن المرحلة القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الكورد على حماية مكتسباتهم في مواجهة نظام لم يتغير سوى في الوجوه، بينما بقيت سياساته كما هي. لذلك، فإن التحرك الاستباقي، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، سيكون العامل الحاسم في تحديد مستقبل شمال وشرق سوريا وكوردستان بشكل عام.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية