الخيال المركّب في قصص “ألف ليلة وليلة”

كوردأونلاين |

أحمد ديبو_
ما من كتاب في الأدب القصصي ثبت على رغم التنقلات، التي طرأت عليه، افتتاناً به مثل كتاب “ألف ليلة وليلة”.
فمعينه القصصي لا ينضب، وسحره لا يفترق عن الحياة، وجاذبيته تتجدّد في كل عصر؛ ولذلك ربما لم يشوّه كتاب قصصي مثلما شوّه في مختلف طبعاته، وابتذل فيما اقتبس عنه للمسرح والسينما، وبولغ في القصص، التي نسجت على منواله في الأدب والفن، أو تلك التي نقل منها الى لغات أجنبية.
ومع ذلك، فإن هذا الكتاب قد عُرف من الجميع بأنه يحوي قصصاً خيالية، أو متاهات من الأدب المتهتك من قصصه الخرافية: “علاء الدين والمصباح السحري” و”علي بابا والأربعون حرامي”… الخ.
أمّا قصص “قلة الحياء” فانتشرت في الغرب جرّاء التعديل المسرحي والسينمائي، أو بسبب ما أشبع من أقاويل حول ترجمة “بورتن” تبلغ نقل فكرة صحيحة، وكاملة عن الموضوع.
فقصص الجن تمثّل مقوماً واحداً من مقومات هذا الكتاب الكلاسيكي العربي، والآثار الأدبية المنقولة إلى المسرح أو السينما، وكثيرٌ ما تكون مصدراً جذاباً لسوء الإعلام، وترجمة بورتن لا يصل إليها بسهولة إلا الباحثون، وهواة المجموعات النادرة، وهي مشهورة يعرف بها الكثيرون، ولكن لا يقرأها إلا القليلون.
ولقد تسبب هذا الأمر بسمعة مريبة لكتاب “ألف ليلة وليلة”، وللأخبار المنتشرة عن عناوينه بدل مضامينه، حسب أمين الريحاني، كما جاء في مقدمة كتابه “معرفة ألف ليلة وليلة”، ويتابع الريحاني القول عن ترجمته الإنكليزية للكتاب: “قصدي الآن أن أقدّم الكتاب إلى القارئ الغربي العادي بطريقة أكمل، فأعطي جميع ميزاته الرئيسية، وأفهم معنى روحه المسيطر”.
ويوضح الريحاني: “وفي أثناء إلقائي بعض الضوء على ما يحوي من خرافات، وكشفي عن سحره، وعالميته وأسلوبه، وأصوله ومؤلفه وتاريخه، إضافة إلى صفاته المجونية المدهشة، سأحاول أن أُ ظهر أنه يمثل، فيما يتعلق بنا، نحن العرب، أثراً أدبياً وفنياً يختصر عبقرية عرق استطاع أن يقدم عبر هذا الكتاب عطاءً قيماً ومساهمة واسعة في الآداب الكلاسيكية العالية”.
حقا، إن الكتاب هو أكثر من مجموعة من القصص ترويها امرأ هي “شهرزاد” على زوجها الملك “شهريار” بقصد معالجته بالحكايا من نزعاته الإجرامية صوب النساء، وتالياً تأجيل يوم قتلها من قبله.
فهذا أيضاً من مخزون المعرفة، والمعتقدات التقليدية الشرقية، وفيه نجد دروساً في عادات شعب وتقاليده، وعرضاً واضحاً وشاملاً لأجواء قديمة، وملفاً من أحداث تاريخية نادرة على نول الخرافة، وقصصاً على ألسنة الحيوانات، نُسجت من سحر القبائل القديمة، وأساطيرها.
وفي الكتاب أيضاً وفرة من المقتطفات الشعرية المختارة من الأدب العربي جاءت مبعثرة من دون رابط بينهما، وكنز من المعلومات الغنية، الجديرة بالثقة أحياناً، عن جغرافيا المشرق، وجزر بحر الجنوب (المحيط الهندي)، عن طبوغرافيتها، وأحيائها، وفوق هذا كله يعطينا الكتاب صورة فائقة السحر، وكاملة الصدقية عن الشعبية اليومية في بغداد أثناء حكم الخليفة هارون الرشيد، ذلك الشهير، الذي نُسبت إليه صفات مثالية، ذلك الخليفة المثار حوله كثير من الحكايا الغزلية مع نساء البلاط، الذي جمع الظلم إلى مظاهر التقوى.
ولا يقلّ أهمية، في نظر المؤرخ القصصي، وعالم الأخلاق، وتأثير “ألف ليلة وليلة” في أوروبا، وسيظهر كيف دخل الكتاب إلى إيطاليا، فترك بصماته في بعض قصص لوكاشيو، وبالتالي كيف صارت شعبيته في فرنسا، وانكلترا، وأوروبا كلها من خلال ترجمات عدة، قام بها مستشرقون ومستعربون، فنقلوها إلى الألمانية، والإنكليزية، والفرنسية. وإلى هذا نضيف كأمثلة ثلاث ترجمات رئيسية في بريطانية، أجراها كل من “لاين، وباين، وبورتن”.
غالباً ما نجد في عالم “ألف ليلة وليلة” تباشير فن تصقل فيه العظمة البدائية جمالاً رقيقاً، ويُصهر الشغف شعوراً مرهقاً، الشمس، والرمل رمزا -الإثمار والعقم-وَزَنَهما الكتاب بميزان الوله نفسه، ووضعهما في سلة الأحلام نفسها، وقتلهما باحترام في هيكل الإيمان المفتوح نفسه.
فنجد العبد شجاعاً في إخلاصه، والسيد شجاعاً في حماقته، والمرأة شجاعة في فضيلتها، أو أحابيلها، يسيرون في طريقهم تحت الشمس الحارقة، وفي أرجاء مساحات من الرمال، يومض فيها ضوء القمر، واثقين دائماً بالله، إلههم المقصود عليهم، والبسيط كبساطتهم، هو يعيش معهم في خيامهم، يأكل ويشرب ويحارب معهم، ويغفر لهم كلّ شيء، ولهذا فهم يؤمنون به، وهم شجعان.

​الثقافة – صحيفة روناهي  

شارك هذه المقالة على المنصات التالية