الخميس, أبريل 18, 2024

صفحات من التاريخ الإسلامي

القسم الثقافي
د. محمد فتحي عبدالعال (كاتب وباحث مصري)_
كان جنكيز خان  قبل وفاته قد قسم إمبراطوريته بين أبنائه الأربعة : جوتشي (جوكال)، وجغطاي (جاغطاي)، وتولي (تولاي) وأوقطاي  …لكن تشاء الأقدار أن يموت جوتشي الأبن الأكبر في حياة أبيه، وكان أبناء جوتشي، ومنهم “بيرق خان” أو بركة خان بعد إسلامه، هم الأكثر تعاطفا مع الإسلام، ودارت روايات عدة حول السبب في ذلك،  منها أن  جوتشي قد تزوج الأميرة رسالة بنت علاء الدين، خوارزم شاه، أخت السلطان الخوارزمي جلال الدين منكبرتي، (تحدثنا عنه) فكان لها تأثير كبير في أبنائه، ومنهم بيرق خان، وقيل: إن ذلك لتأثر بيرق خان بالتجار المسلمين ببخارى، وقيل لتأثره بالصوفية، وخاصة العالم الصوفي والإمام المحدث الزاهد “سيف الدين الباخرزي”، وقيل الفقيه “نجم الدين مختار الزَّاهِدي الغَزْميني” وقد كتب له  الرسالة الناصرية في النبوة والمعجزات.
تولى بركة خان زعامة القبيلة الذهبية الروسية، أو مغول القبجاق (دولة مغول الشمال، والتي منحها جنكيز خان لابنه جوتشي)، فأرسل للخليفة المستعصم ببغداد بيعته، كونه زعيما سياسيا وروحيا، يمثل الإسلام بالعالم، كما شيد مدينة سراي (سراتوف حاليا) عاصمة للمغول المسلمين، وحاضنة لعدد كبير من المساجد، وقبلة للعلماء، والفقهاء.
لعب بركة خان دورا كبيرا في عرقلة مطامع ابن عمه “هولاكو بن تولي خان” تجاه العالم الإسلامي، وأخّر هجوم هولاكو على بغداد، لوقف جماحه، فامتثل هولاكو على مضض، لأمر “باتو” حتى توفي الأخير فدكت قوات هولاكو بغداد.
وكان هولاكو قد أعد كل شيء مبكرا لمعركة بغداد، فوطد علاقته بمؤيد الدين بن العلقمي، وزير الخليفة العباسي الشاب المستعصم، ووعده بحكم البلاد بعد التخلص من الخليفة العباسي، وقد كان ابن العلقمي يحلم بانتقال الخلافة من بني العباس إلى العلويين، فقبل، وهذه من صور محن التفكك، والطائفية في عالمنا الإسلامي.
استغل ابن العلقمي حسن نية الخليفة، وضعف جانبه، وقلة حيلته، وثقته به؛ فأقنعه أن يستسلم حقنا لدماء المسلمين، وأن هولاكو جاء طالبا تزويج ابنته بابن الخليفة الأمير أبي بكر، كبادرة على حسن النوايا، والإبقاء عليه في منصب الخلافة صهراً، وحليفاً، كما فعل بصاحب الروم في سلطنته، انطلى الأمر على الخليفة، ووجدها ابن العلقمي فرصة للقضاء على كل رجال الدولة، والعلماء، والفقهاء، والأمراء دفعة واحدة، فدعاهم جميعا لخيمة الصلح، التي تضم الخليفة وهولاكو، حيث ضربت أعناقهم جميعا، وبقي الخليفة، فاحتاروا في أمره، وقد خشي هولاكو من ضرب عنقه، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرر بدلا من ذلك وضعه في بساط، وضربه، وركله، حتى يعترف أين يخبِّئ كنوزه، ثم الاستمرار في رفسه حتى الموت، ويقال: إن ابن العلقمي ذاق جزاء خيانته للخليفة، وفي روايات أخرى أن هولاكو استعمله حاكماً من قبل السلطة التترية الجديدة، وهو الأرجح عندي …
شق على بركة خان ما حل بالخليفة، وبعاصمة الخلافة من دمار، وأضمر في نفسه الانتقام حين تحين له الفرصة.
من بغداد انطلقت جحافل المغول فاستولت على حلب، ودمشق، وأنطاكية، وما نال المغول ما نالوا إلا بضعف المسلمين وإيثارهم الحياة، وكراهيتهم للموت إلى الحد أن أحد سلاطين السلاجقة الروم، ويدعى “عز الدين كيكاوس الثاني” كان قد تصدت بعض قواته للمغول، دون علمه، فلما علم أرسل معتذرا لهولاكو بطريقة مبتكرة، حيث رسم صورته على فردتي حذاء، وأهداهما له ليتشرف بوضع قدميه على صورته !!!
بوفاة مانغو خان، واشتعال الصراع على خلافته بين إخوته، أرتق بوكا، وقوبلاي خان، أخذ بركة جانب أرتق، فيما أخذ هولاكو جانب قوبلاوي، وأصبح بركة، وهولاكو وجها لوجه في صراع دموي ضروس على وراثة الحكم.
هذا الصراع كان منحة إلهية فقد شغل هولاكو عن محاولة استعادة الشام مرة أخرى، والانتقام لما حدث في عين جالوت، حيث أوقع الصراع بجيشه العديد من الهزائم، وقتل ابنه، فأصيب بالصرع، فهلك كمدا …

​الثقافة – صحيفة روناهي