الدولة السورية ونظام الحكم الجديد تحديات وآمال
-1-
بعد سقوط نظام البعث الذي دام لـ /61/ عاماً، واستيلاء هيئة تحرير الشام وحلفاؤها على السلطة، فإن مصير سوريا كدولة، ونظام الحكم فيها يقف أمام تحديات كبرى وعديدة.
في الظروف الجديدة لا يمكن الحديث عن سيادة وطنية سورية على أراضيها وفق أحكام القانون الدولي، إذ هناك عدة احتلالات للأراضي السورية وبخاصة الاحتلال التركي، والاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ سورية جديدة، بل أنه وفقاً لما بات معروفاً للجميع أن التواجد التركي بمختلف أشكاله في دمشق أكبر من تواجد الهيئة نفسها.
منذ بداية استيلائها على السلطة، أعلنت القيادة الجديدة أن وضع دستور دائم وإجراء انتخابات برلمانية يحتاج إلى 3 – 4 سنوات ما يعني أن سوريا الجديدة ستبقى بدون دستور وبدون برلمان لـ /5/ سنوات، وأن الحكام الجدد سيقودون سوريا وفقاً لرؤاهم واجتهاداتهم، وأن كل المسائل الرئيسية في البلاد ستبقى بدون حلول حقيقية وقانونية وفقاً لإرادة الشعب السوري، ثم أقدم الحكام الجدد على تشكيل حكومة جديدة على غرار حكومتها التي كانت تسيطر على جزء من محافظة إدلب، ثم منحت أعلى الرتب العسكرية لكوادر الهيئة وبينهم أجانب كثيرون، وشكلت فرق وألوية عسكرية سلمت قياداتها لعناصر موالية لتركيا مثل المدعو محمد الجاسم (أبو عمشة) المدرج اسمه على قوائم الإرهاب الدولية.
وفقاً لتوجهاتها أعلنت الإدارة الجديدة أنها تنوي عقد مؤتمر سوري للحوار الوطني، ولكنها مع بعض التأجيل أعلنت عن تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني ولكن وللأسف جاء تشكيلها مخيباً للآمال، إذ اقتصرت من جهة على لون واحد، ثم أعلن الناطق باسمها أن اللجنة لن تدعو إلى الحوار ممثلي القوميات وممثلي الأحزاب السياسية وممثلي القوى العسكرية، وكانت مناسبة له لشن حملة مشبوهة ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تحظى باحترام معظم السوريين، علماً أن هذه الجهات هي التي تمثل معظم الشعب السوري، وهي التي بإمكانها أن تقود إلى حوار وطني يحقق في النهاية وحدة وطنية متماسكة ومصالحة وطنية حقيقية.
الغموض يكتنف كل شيء، والحكم الجديد ليس لديه توجه واضح يجتمع حوله الشعب السوري، ليست لديه وسائل إعلام رسمية توصل صوته للشعب السوري وإلى العالم الخارجي، فقط كانت هناك زيارات عربية ودولية وإقليمية للتعرف على القيادة الجديدة وعلى توجهاتها، ونقل آراء ومواقف دولهم إليها، ولكن لم تعترف بالقيادة الجديدة في سوريا إلى الآن أية دولة عربية أو أجنبية سوى تركيا وقطر.
-2-
لأسباب عديدة منها ضعف السلطة الجديدة ومحدودية قواتها العسكرية ولارتباطاتها مع القوى التي ساعدتها في الاستيلاء على السلطة، وضغوطات تلك الجهات فإن السلطة الحالية تقف عاجزة عن إحداث التطور الذي لا بد منه لبناء الدولة بمؤسساتها السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية، يرافقه غياب الفهم الضروري لإدارة الدولة السورية، إذ هناك تعطيل لجميع منظومات الاقتصاد والإدارة والسياسة لدرجة أوقعت السوريين في متاهات كثيرة، وباتوا يخشون على مستقبل بلادهم، خاصة مع انتشار حالة الفلتان الأمني والأعمال الانتقامية، وتسريح موظفي الإدارات العامة والقطاع العام بشكل تعسفي وحجب رواتبهم لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر.
من أجل إعادة الأمن والاستقرار للبلاد، ولإعادة ثقة الشعب السوري بمستقبل بلاده فإن المهام الأساسية التي تواجه البلاد وتفرض نفسها بقوة هي إنهاء حالة الانتقام وتشكيل محاكم عادلة لمحاسبة المجرمين والمذنبين، وإفساح المجال أمام الحريات الديمقراطية وفي مقدمتها حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة وحرية التنظيم والإضراب، وقانون عصري للأحزاب يؤسس لإعادة حياة سياسية سليمة في البلاد، وإذا كان حزب البعث قد عطل نشاطه أو حل نفسه فإن من الضروري إلغاء القرار الذي صدر بحل بعض الأحزاب، وفي مقدمتها الأحزاب الشيوعية التي ناضلت لأكثر من /100/ عام، وتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية وفق الأسس والمعايير الدولية، وإعادة تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بحيث تضم ممثلي كافة المكونات السورية من القوميات والأديان والمذاهب وممثلي الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والمثقفين وقوى المجتمع المدني وغيرها، وتشكيل الجيش الوطني على أسس وطنية سليمة بحيث لا يتدخل في الحياة السياسية، وكذلك القوى الأمنية التي تسهر على راحة المواطنين وفق القانون.
لقد عانى الشعب السوري طويلاً وتعب كثيراً، وقدم تضحيات هائلة من أجل حريته، وهو يستحق اليوم التمتع بحياة مدنية طبيعية تسودها العدالة، وتحتاج إلى طي صفحة الماضي والبدء بترميم البنيان البشري والاقتصادي والاجتماعي الذي تم تدميره منذ عام 2011، بل وقبله، وكذلك البدء بإقامة علاقات دولية قائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل، والاهتمام بالصحة والتعليم، وترميم النسيج الوطني وإعادة إعمار البلاد، غير أنه يبدو إلى الآن وبعد مضي ثلاثة أشهر على استيلاء الإدارة الجديدة على السلطة أنها تراوح في مكانها، ولم تحقق أية اختراقات أو إنجازات جدية في البناء على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتعيش البلاد والسلطة الجديدة حالة لا وزن سوى التصريحات والتوجهات الدينية المتطرفة، ومحاولات إيجاد أتباع لها في مختلف المحافظات السورية، ويراقب جميع المراقبين بلهفة ما سيجري في أوائل آذار حيث موعد تشكيل حكومة انتقالية قد تلقي الضوء بشكل أدق على سياسات الإدارة الجديدة.
-3-
لا شك أن إنهاء النظام السابق كان ضرورة وطنية سورية ليس فقط بسبب جرائمه وسياساته التي أوصلت البلاد إلى التدمير الشامل، وإنما أيضاً بسبب تحويله البلاد إلى ساحة صراع دولي مرير بعد أن جعل سوريا محافظة إيرانية وأضاع السيادة الوطنية السورية على ترابها الوطني. وبسبب التمييز بين مكونات الشعب السوري وبخاصة المكون الكردي وتنفيذ سياسات وقوانين عنصرية بحقه، وأيضاً بسبب احتكار السلطة والثروة والفساد ونهب البلاد.
غير أنه كان للشعب السوري بديله الذي كان يتجسد في شعار إسقاط الاستبداد والإتيان بالبديل الديمقراطي باعتبار أن الديمقراطية هي الحل المفتاحي لجميع القضايا التي تواجه البلاد، وقد أعطى للإدارة الجديدة فرصة لإعادة بناء سوريا جديدة بمؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو يراقب بدقة، ليس فقط سلوك هذه الإدارة، وإنما يراقب أيضاً خطواتها وتوجهاتها الأساسية، وإلى الآن فإن السلوك المبدئي للإدارة الجديدة لا يدل على أنها البديل الذي كان يرقبه الشعب السوري مثل تشكيلها اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وتشكيل الجيش الوطني السوري وقرارات حل بعض الأحزاب والتدخل الأجنبي في الشأن السوري وصرف عمال القطاع العام وعدم توزيعه لرواتب عمال وموظفي الدولة، وعدم ورود كلمة الديمقراطية على لسان قياداتها وغير ذلك الكثير، وعلى ذلك فإن الحياة العامة في البلاد معطلة وينعكس كل ذلك سلباً على عموم الشعب السوري وعلى لقمة عيشه.
-4-
إن أهم التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة هو موقفها من قضايا المكونات السورية، باعتبار أن سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، وهذه الحقيقة قد أصبحت مطلباً رئيسياً لمعظم السوريين، وهو أيضاً موقف دولي وإقليمي، وكان ذلك أيضاً من مقررات قمة العقبة التي اتخذت صبيحة استيلاء الإدارة على السلطة في دمشق، وهو أيضاً موقف عربي، أي أن الموقف من قضايا المكونات هو مطلب داخلي وخارجي، وعلى قرار الإدارة الجديدة وعلى موقفها من هذه القضية تترتب وقائع ومسائل رئيسية تحدد مستقبل البلاد، والمكونات التي يتم الحديث عنها هي المكون الكردي والعلوي والدرزي والمسيحي بجميع طوائفه وكذلك الإسماعيلي.
من أهم مطالب المكون الكردي إيجاد وضع خاص لقوات سوريا الديمقراطية في إطار الجيش الوطني السوري، أي انضمام هذه القوات إلى وزارة الدفاع السورية ككتلة، وتمركزها في المناطق التي تسيطر عليها حالياً، والاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي ثاني أكبر قومية في البلاد، والاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية، وضمان حق التعلم والتعليم باللغة الكردية بمناهجها الدراسية الخاصة في جميع المراحل الدراسية، وحل القضية القومية للشعب الكردي باعتبارها قضية أرض وشعب في إطار وحدة البلاد وفق الأعراف والمواثيق الدولية، في ظل دولة ديمقراطية تعددية لامركزية، واعتبار الإدارة الذاتية الديمقراطية نموذجاً لعموم سوريا، وضمان كل ذلك في دستور ديمقراطي توافقي.
يؤيد الكرد مطالب جميع المكونات السورية ويساندون نضالها، غير أنه يترتب عليها تحديد أهدافها بنفسها وبإرادتها الحرة ووفقاً لخصوصياتها باعتبارها مسألة وطنية وديمقراطية في آن واحد، ومن المفيد تأمين تواصل دائم بين ممثلي هذه المكونات لتنسيق المواقف والوصول إلى سوريا التي يريدها الشعب السوري، وفي هذا الإطار نرى أن قوات سوريا الديمقراطية قد أصبحت الأمل المشترك لكل المكونات السورية، وعليها التواصل المستمر بممثليها وتوحيد المواقف لإرساء نظام ديمقراطي يخرج الشعب السوري من محنته.
افتتاحية طريق الشعب
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63852