الأحد, فبراير 2, 2025

العدالة الانتقالية لا تتجزأ… متى وكيف ؟!

زاوية نقاط على حروف*

مئات الآلاف من السوريين قتلوا على نحوٍ مباشر أو تحت التعذيب الوحشي في السجون والمعتقلات، ولا زال مصير عشرات الآلاف منهم مجهولاً، وملايين تعرّضوا لضروب معاملة تفوق حدّ الوصف من الاضطهاد أو التعذيب أو العنف الجنسي أو العنف القائم على النّوع الاجتماعي، أو أجبروا على الفرارِ مذعورينَ من منازلهم، تاركين ورائهم ذكرياتهم وأرضهم وممتلكاتهم التي نهبت.

مجازر وجرائم وانتهاكات ارتكبت على خلفياتٍ طائفية أو دينية أو إثنية أو سياسية، أفراد وجماعات جُرّدت من حقوقها بشكلٍ مُمنهجٍ، وأُرغِمَت على الهجرة القسرية أو العيشِ في مناطق النزوح بالمخيمات وأطراف المدن، إثنيات وأقليات اضطهدت وحرمت من حقوقها الطبيعية والمشروعة، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، قد وقعت على مدار واحدٍ وستين عاماً من حكم نظام حزب البعث الواحد الأحد، الاستبدادي الدموي، وخاصةً خلال ثلاثة عشر عاماً من حربٍ داخلية طاحنة!

سقط النظام، ولكن! كيف ومتى نبدأ بالعدالة الانتقالية، ونسعى لإرساء السّلم والحرية والمساواة، ونسير نحو الاستقرار ومستقبل عادل وشامل للجميع؟

العدالة مفهوم أخلاقي وإنساني أولاً، عكس الظلم والجور والتطرف، وتهدف إلى الإنصاف والمساواة والتوازن وعدم التعدي وحماية المصالح الفردية والعامة، ويجب أن تكون العدالة الانتقالية وفق تعريف الأمم المتحدة (محدّدة السياق، وطنية، شاملة، محورها الضحية، مراعية للفوارق بين الجنسَيْن، قائمة على المشاركة والتمكينية، تحويلية للمجتمع ككلّ)؛ لاسيّما وأنها بحاجة إلى تقصي الحقائق والتدابير القضائية المناسبة وقضاء مستقل والإصلاح الدستوري والقانوني والمؤسسي، وتقوية المجتمع المدني، وتفعيل دور المرأة والشباب.

سقط النظام، ولكن! لازال صوت الرصاص عالٍ في ربوع بلادنا المكلومة، وخطاب الحقد والكراهية والتحريض على أشده، وحالات الانتقام والثأر كثيرة، والخوف والقلق يشوب الأجواء، الفوضى والانقسام المجتمعي على مختلف الصعد قائم وعميق.

بدأت الإدارة الجديدة بإجراءات سريعة لتسوية أوضاع عناصر الجيش والأمن السابقين، واعتقلت الآلاف منهم، ولم تتوضح بعد مدى إخضاعهم لمحاكمات عادلة، فيما جماعات مسلّحة محسوبة عليها نفذت حملات اعتقالات عشوائية فضلاً عن الإهانات والاعتداءات على مدنيين وعمليات انتقام وتصفية حسابات خارج إطار القانون.

عناصر النظام السابق حالياً تحت الملاحقة والمساءلة، أما على الطرف الآخر، فمن سيلاحق عناصر المعارضة المسلّحة والميليشيات، الذين ارتكبوا الانتهاكات والجرائم، وكيف سيحاسبون؟ أم سيفلتون من العقاب وقد يمنحون وظائف جديدة ورتب عسكرية في قوام الجيش المزمع بناؤه من جديد، ويحظون بحماية السلطة بحجة «شرعية الثورة»!… وهل تتوفر فرص وقدرات لدى المجتمعات المحلية لتتمكن من محاسبتهم ومقاضاتهم؟ … هل سيُحاسب «أبو عمشة» على قتل «الناشط أحمد شيخو» و « أبو حاتم شقرا» على قتل «السياسية هفرين خلف»!

العدالة الانتقالية لا تتجزأ، بل ينبغي أن تكون شاملة، لتساهم في معالجة المظالم والانقسامات المجتمعية، وفي وضع حدٍّ لدوامة العنف والعنف المضاد، وعدم انتاج دورة انتهاكات وجرائم جديدة، وفي بسط سيادة القانون وتفعيل دور المؤسسات، واستعادة نسيج المجتمعات المحلية وترسيخ سلام مستدام.

ولا يغيب عن البال ضرورات مساهمة ومساعدة المؤسسات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان والمتخصصة بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتلك الهيئات الأممية المعنية بسوريا، في تطبيق العدالة الانتقالية.

نعم التحديات كبيرة!… ولكن هناك فسحة من التفاؤل والأمل وتعافي بلدنا سوريا من المحن والمآسي.

————

* جريدة “الوحـدة” – العدد /346/ – 1 شباط 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).

 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية