الخميس, سبتمبر 12, 2024
آراء

العلاقات الكردية المصرية 2

شكري شيخاني

كما أظهرت الكشوفات الأثرية عن وجود تمثال للملك المصري توت عن آمون (1724 ق.م – 1233 ق.م) في قلعة فرعون بوادي دهوك (في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق حاليا). كما أسفرت هذه العلاقات المبكرة عن تبادل الكثير من العلاقات الدينية بين الكرد والمصريين.
لقد تنقَّلت مصر بين حِقَبٍ تاريخيةٍ متتاليةٍ شهدت خلالها تدخلات العديد من أشكال الوجود الاستعماري بداية من الاحتلال اليوناني في عام332 ق.م ولمدة 120 سنة، ثم الروماني عام 30 ق.م بداية من عهد نيرون عام 51م، حتى جاء عهد الامبراطور قسطنطين عام 324 م. وفي إطار هذا التعاقب الاستعماري، تعرضت العلاقات المصرية الكردية للتراجع بفعل العوامل الاستعمارية، حتى جاءت الحقبةُ الإسلاميةُ، التي كان للكرد فيها حضور في المنطقة العربية بشكلٍ عام، وكانوا قد اعتنقوا قبل ذلك الديانة الزرادشتية، ثم دخلوا لاحقاً في الإسلام. غير أنه مع اتساع رقعة الفتوحات الإسلامية فشملت مناطق كردستان، ثم لعب الكرد دوراً حضارياً لاسيما وأن الاسلام جاء برؤيةٍ مجتمعيةٍ، تقوم على استيعاب المكونات المجتمعية المتنوعة، فهذا سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، بين صحابة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

التمازج السياسي المصري والكردي
رغم تعدد موجات الوافدين إلى مصر، إلا أن صفات المصريين لم يطرأ عليها أية تغيرات عميقة من شأنها أن تُبَدِّلَهُم بشكلٍ تام، بل أضافت للمصريين، وهو ما يرصده العالم الجغرافي والمفكر المصري سليمان حزين، في اختلاط الدماء والمميزات الجنسية وصولاً إلى كتلةٍ بشريةٍ مُتَمازجة، فالمصريون ليسوا مُؤلَّفين من “شعوب مختلطة”، وإنما هم شعبٌ واحد اختلطت فيه الصفات الجنسية، وتعدَّدت مصادر الوراثة، وهو ما يعده سليمان حزين أحد أسرار قوة الشعب المصري، ومصادر حيويته ومقدرته على أن يحتفظ بشخصيته.
وقد انعكس ذلك على السَمْتِ الشعبي للمصرين، والذي ساعدهم على استيعاب كل وافدٍ رغم خروج القوى الاستعمارية، لتبقى الهجرات الشعبية بُمْختَلفِ تنوعاتها العرقية بين المصرين، كالكرد، والأرمن، والأمازيغ، والشركس وغيرهم، مع عدم وجود أي تعارضٍ بين الأصل العِرقي لهذه المكونات والتكامل مع النسيج الاجتماعي المصري. ولهذا، فمن السهل أن نرصد أعدادا لا نهائية من الكُرد، ممن أسهموا بقوة في التاريخ المصري في المجالات الثقافية، والسياسية، والاجتماعية وغيرها. فبجانب حالة الملك تحتمس الرابع، الذي أنجبته أمٌ ذات أصول كردية، برزت خلال “العصر الفاطمي” (909 م – 1171م) شخصيات كبيرة مثل أحمد بن الضحَّاك، أحد الأمراء الكرد، الذي تولى دورا بارزا في الجيش المصري في عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله (931م – 975م) والذي يقود إليه الفضل في اندحار جيوش الروم في الشام، وبرز أيضا الملك العادل أبو الحسن سيف الدين على بن السالار ( 548هـ/1153م) وزير الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله (1149م – 1154م) وكان بن السالار واليا على الاسكندرية إلى أن قتل سنة 1153م، وهو الذي بنى المدرسة الشافعية بالإسكندرية.
وخلال العهد الأيوبي، حَكَمَتُ الأسرة الأيوبية ذات الأصول الكُردية مصر وتركت فيها آثاراً عميقةً في الثقافة والسياسة. فبعد أن تمَكَّن صلاح الدين الأيوبي (532 – 589 هـ / 1138 – 1193 م)، ذو الأصل الكردي، من إنهاء حكم الفاطميين، أقام دولته الأيوبية بداية من عام 567 هـ / 1174 م، ثم انطلق لتوحيد بلاد الشام، وتمكَّن من هزيمة الصليبيين في موقعة حطين يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق الرابع من يوليو 1187 م التي مَهَّدت لتحرير مدينة القدس في الثاني من تشرين الأول 1187 م. وفي ظل حكمه، أقام صلاح الدين نهضةً كبيرة، حيث قام ببناء العديد من المستشفيات، والمدارس، والمساجد، وعَضَّد أركان الدولة فترامت أطراف الدولة الأيوبية من جنوب مصر بالنوبة إلى بلاد الأرمن شمالاً، ومن الجزيرة والموصل شرقاً إلى برقة غربا. وقد ساعدت هذه الأجواء على هجرة العديد من العائلات الكردية إلى مصر بعيداً عن خطر المغول الذي كان يواجه مناطق تواجدهم في كردستان

الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين